يحتاج تشكيل اي حكومة قوية إلى كابينة وزارية على درجة عالية من الخصوصية المهنية والكفاءة والتأريخ العملي الناجح، ونحن على اعتاب تشكيل حكومة عراقية جديدة من المفترض ان تكون مؤهلة وبمقدورها فتح ومعالجة كل الاخفاقات والملفات الخطرة والصعبة التي شكلت وما زالت تشكل التحديات والازمات امام الدولة.
من المهم التذكير هنا ان على الحكومة الجديدة ان تضع هذه الازمات على طولتها واولويات مهامها و برامجها ومشروعها الوطني الذي من المفترض ان يتبلور ويطرح على الشعب العراقي بعد ان تستوعب وتحسب حساب الكم الهائل من التحديات والازمات الذي توارثته من مخلفات الحكومات السابقة كالملفات العالقة والاخفاقات والمشاريع المعطلة وهي بحاجة الى معالجات دقيقة ونزيهة وشجاعة من قبل (حكومة المطلوب تنفيذه) وعليها في ذات الوقت ان لا تخضع او تتهاون عن اداء واجباتها الحقيقية بعيدا عن اي مماحكات سياسية ممكن ان تعطل دورها التنفيذي الذي القى بسلبيات اداءه على الواقع اليومي للمواطن في كثير من المجالات التي لم تجد الحلول الحقيقية حتى اللحظة، وبمعنى آخر حكومة تتيح للعراقيين فرصهم الوطنية المستحقة التي طالما حلموا بها و انتظروها ، وقدموا التضحيات من اجل تحقيقها ، خاصة بعد ان تحرك العراقيون وثاروا في تشرين على طغم الفساد والفاسدين متبعين كل الطرق الديمقراطية المشروعة التي كفلها لهم الدستور من اجل تحقيق اهدافهم وحماية سيادتهم الوطنية والدفاع عن رغباتهم ولمنع تشكيل حكومة محاصصات عنصرية مذهبية طائفية تعود بهم وتشدهم الى الوراء.
في هذه الظروف الصعبة ،لابد ان يتحمل كل العراقيين، و في مقدمتهم الشباب، مسؤولياتهم الوطنية في بناء الدولة والمجتمع، والعملية السياسية بامكانها اعادة شيء من الامل والاطمئنان لجميع الناس الذين خسروا أحلامهم وطموحاتهم على جميع المستويات طيلة العقدين الماضيين بكل همومها ومتاعبها وفسادها وحروبها المختلفة والتي حدثت ( بسبب مباشر او غير مباشر) قيادات واحزاب ينتابها الضعف والفساد السياسي.. لقد حان الوقت ان يحكم العراق رجال دولة وقادة وسياسيين وطنيين بإمكانهم القيام بالاصلاح والتغير والتجديد الوطني بكل ابعاده الانسانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بشكلها المهني الايجابي باشراك دماء شابة في تحمل مسؤولية بناء الدولة والمجتمع من منطلقات وقواعد وثوابت واسس علمية مهنية سليمة، وبخاصة في السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهذا لا يتم إلا بالنهج الديموقراطي الوطني النزيه الأمين الذي يعدُّ الوسيلة الوحيدة التي بمقدورها تحقيق إرادة وطموحات ورغبات الشعب في بناء دولة عصرية وهذه الانجازات بحاجة لتحقيق خيارات وطنية صرفة في بناء الكابينة الوزارية والتي من المنتظر تشكيلها في مقبل الايام لبناء حكومة ترتقي الى مستوى التحديات والمخاطر التي تواجة البلاد.
هناك تصميم واعي يبشر بالامل عند الكثيرين على تشكيل حكومة يفسح لها المجال امام جميع الكفاءات الوطنية للوصول إلى سدة الحكم بعد تكسير اسطوانة الداخل والخارج التي خندقت وفرقت حتى أبناء المذهب الواحد، وحولتهم إلى مجاميع وكتل متناحرة، وتحقيق مثل هذه الاهداف والمشاريع الوطنية تتطلب ان تكون الهمم عالية من اجل ايجاد حكومة كفاءات قوية بامكانها ان تتميز و ترتقي إلى تخليص العراقيين من التداعيات الخطرة التي يمرون بها لرفع ما وقع عليهم من ظلم وحيثيات وإنقاذ العراق من حروب الفساد والتخندق والمحاصصات التي يريد لها البعض ان تتجذر وتصبح من الامراض المستعصية، وهذا لا يتحقق إلا بوجود أدارة وطنية جماعية برأس وطني كفوء مقتدر قياديا وسياسيا ليكون صمام أمان لهذه القيادة، فالقائد الشجاع لا يهاب عصابات الفساد والفاسدين والمرتزقة والخارجين على الأنظمة والقوانين والمتقاطعين مع الدستور الذي هو الآخر بحاجة إلى إصلاحات وتغيير بعد كل هذه التجارب المرة التي خضعنا لها وخضناها حتى بات المواطن العراقي يسرُّ ويعلنُ (كفانا قادة وسياسيين فاشلين تخاذلوا وهربوا انحنوا وتقوست ظهورهم إمام الفساد و الرياح والعواصف والتحديات) !!.
المواطن اليوم يطالب بحكومة يتم آختيارها من الصفوف الوطنية الأصيلة ويكون ولاؤها الكامل للعراق لان الناس فقدوا الثقة وملوا اصحاب الولاءات المزدوجة، ولابد ان يحاصر اصحاب الاطماع والافكار الشريرة الذين يريدون الاغتناء والصعود على حساب سعادة المواطنين وامنهم وحياتهم الكريمة، هؤلاء الذين يضعون انفسهم فوق الأنظمة والقوانين والثوابت والقيم الوطنية وكرامة المواطنين
وهنا يبرز دور البرلمان الذي نتحدث عن مهنيته ونوعيته وقدرته على ممارسة مهماته في التشريع والرقابة على عمل الحكومة وتنفيذها لخططها وبرامجها ومشاريعها بشكل خاص بعد تقديمها للبرلمان من أجل الاطلاع عليها ومتابعتها والوقوف على المنجز والمتحقق منها، وتشخيص الإخفاقات ومعرفة أسبابها، ليحاسب المعنيين الذين لديهم خللٌ تحت قبة البرلمان وأمام الكاميرات لمساءلتهم وليطلع الشعب العراقي على كل مجريات العمليات ليقول رأيه ويتخذ قراره حيال العناصر غير الكفؤة لأن تغاضي البرلمان عن إخفاقات وفشل الحكومة في تنفيذ خططها وبرامجها والسكوت عنها على طريقة ( غطي لي وأغطي لك) لم تَعُدْ تنطلي على الشعب العراقي وهذا بحاجة الى ان يتخلص البرلمان نفسه من المؤشرات السلبية التي تدور حوله والمتهم بها من قبل الناس ، وعلى البرلمان الجديد والحكومة المقبلة التاكيد على دور الميدان و العمل الميداني وانجاز مهامهم وواجباتهم بهذه الاليات العملية الميدانية والتعامل مع الجماهير بالمباشر ويحتكوا بهم ويستمعوا لهم وينفذوا رغباتهم بالقانون، لان العراقيين لم ولن يتحملوا أو يصبروا أكثر مما صبروا وتحملوا من المسؤولين والسياسيين الفاشلين بعد تبديدهم المال العام والثروات الوطنية وسرقتها في السر والعلن وفي كل مرة يفلتون من الحساب.
لقد أضطرب مشهدنا السياسي بسبب ما تعانيه الكتل السياسية وأحزابها الموجودة على الساحة من أزمات وصراعات على السلطة ومراكز القوى أما التوافق والمحاصصة تعني عدم احترام أصوات المواطنين وتوجهاتهم وهي نتيجة كل تلك الصراعات والخلافات والتخبطات التي يدفع ثمنها الشعب العراقي وعائلات الشهداء والأرامل والأيتام والعاطلين عن العمل والمعاقين لان أكثر أحزابنا السياسية تتمسك بالمستهلك وليس لديها الاستعداد للتجديد والتغير بعد أن ابتعدت وفقدت هذه الكتل والأحزاب السياسية دورتها المغناطيسية السياسية التي بمقدورها تحقيق الاستقطاب الوطني بدل المصالح الخاصة، ومن هنا جاء التأكيد على الناخبين العراقيين قبل الانتخابات بضرورة احترام خياراتهم و ان لا يسمحوا بمرور الفاشلين أو الذين اثبتوا فشلهم في المراحل السابقة لتغير واقعنا الصعب.