Techno-Charismatic Authority
منذ الانتقالية السياسية في العراق المعاصر من البيروقراطية ذات الدستور المؤقت والفردية التسلطية وتوجهاتها الدكتاتورية خارج أسوار الثورة التكنلوجية لما يقرب من عقدين من الزمن الفائت ولا زالت أحزاب الآيديولوجيا في العراق المعاصر تحاول الإمساك بالهارب الأبدي (المؤسساتية) وهي تصدِّر خطاباتها السياسية إلى (الشعب العراقي المقهور) يوم تبادلت المواقع وتسلمت عرش العراق واحتكمت إلى دستور مؤسساتي دائم كتبته في أجواء مارثونية دون مراجعة بنوده وتحديثها متناسية أنّه (بَشَري المُنْتَج) لا يرقى إلى درجة الكمال والديمومة السماوية.
التعديلات في كل دساتير العالم حالة صحية عندما تقتضي الضرورة الوطنية المؤسساتية المدنية خدمة لـ (الأرض والإنسان) لكي تأخذ الديمقراطية أدوارها الفاعلة بشفافية ومهنية غير مُرْجِفة بعيدة عن التكهنات والرؤى الفردية والتوجّسات التفسيرية المنقوصة .
الدستور العراقي منذ ولادته القيصرية وعرضه للاستفتاء والتصويت في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2005م حتى دخوله حيّز التطبيق الفعلي عام 2006م ما فتأت المطالبات مستمرة بإجراء تعديلات على ديباجته لتصبح في النهاية مطلباً شعبياً حملته (ثورة المظاهرات بين أصواتها).
هذا أمر صحي وجوهري في كل العالم حين تكون الأمور مفصلية خصوصاً وأن العراق منذ العمل بهذا الدستور باعتباره مُنجزاً (مؤسساتياً) لكن بعض مواده وتفرعاتها تعرضت إلى إشكاليات جوهرية عبر الـ 16 عاماً تسببت في انزياحات مفصلية في تاريخ العراق ولم تتخذ الحكومات الاتحادية في حينها أية خطوة إيجابية في إصلاح تصدعاته وهو مَنْ تحتكم الدولة الاتحادية عنده.
على سبيل المثال لا الحصر عدم إمكانية إجراء أية تعديلات على الدستور إذا رفضتها ثلاث محافظات. هذه الفقرة تبدو في نظر بعض السياسيين والبرلمانيين وخبراء صناعة الدساتير تصب في صالح المكون الكردي ومحافظاته الثلاثة (أربيل والسليمانية ودهوك) إذا ما تسبب التغيير في تضارب مع مصلحة المكون الكردي وهذا إشكال وموضع شبهة لا بد من الوقوف علية وإزاحة العتمة عن مدلولاته.
كذلك (ماهية الكتلة الأكبر) التي تسببت بانتقاليات رؤيوية هابطة أفضت إلى مصاهرات دهليزية ضيقة بعيدة عن (وطنية الولاء للعراق العظيم) مما أدى الأمر إلى إحالة أوراقها إلى المحكمة الاتحادية للإفتاء في ذلك. وهذه الفقرة عرضنا لها بشيء من التفصيل في مقالنا السابق (بيضة القبان وفسيولوجيا الكتلة الأكبر) إلى جانب انزياحات وهوامش وبيانات وفقرات لم تخلُ منها ديباجة الدستور العراقي الحديث.
هذه الأحزاب الآيديولوجية التي ولدت بعد سنوات القهر والرماد وكادت أعدادها تصل عدد أيام (السنة الكبيسة) بايعت المحاصصاتية وأدمنت البراغماتية النفعية وتقاطعت مع المؤسساتية والتكنوقراطية وتبادلت (المناصبية) في مسرح السلطة بعيداً عن (الثورة الرقمية) التي ولدت قبيل نهاية الألفية الثانية بسنوات متبنية خطاباً سياسياً يسبق كل دورة انتخابية لتؤسس لما يسمى اليوم بـ (الكاريزما السياسية) بكل ما يحتكم عليه هذا المصطلح من موجبات القوة والحيوية والسحر والتأثير والجاذبية من أجل الاتجاه به صوب (التقديس والصنمية والزعاماتية) لكي تتمحور به في (مسلّة العقل الجمعي للشعب وترسبه في عمق اللاوعي) وتستحوذ به على ثروات الأجداد هي وسلالاتها.
هذه التوجّهات والإشكاليات من أجل خلق (الزعامات) و(المُخَلّصين) لكي تبقى في الاتجاه المعاكس للتكنوقراطية أو (حكومة الكفاءات) معسكرة في ببيروقراطيتها وبراغماتيتها ولكي تكون في منأى عن (جدلية العلاقة بين المؤسساتية والتكنوقراطية) لأن ذلك الأمر يلحق التصدعات في مشروعها السلطوي المبني على الزعامات الكاريزماتية السالبة القيمة.
في أوراق علوم السياسة والاقتصاد والمنطق والفلسفة الاجتماع وعلم النفس العام والتربوي وغيرها من العلوم المعرفية المناظرة تُعَرَّف الكاريزماتية Charismatic بأنها مصطلح اشّر في بداياته الأولى القدرات الدينية الروحية ذات التأثيرية المقدسة.
ظهر هذا المصطلح بدالته المعاصرة في نظرية عالم الاجتماع الفيلسوف الألماني ماكس كارل فيبر Maximilian Karl Weber وهو يتحدث عن (السوسيولوجيا القيادية) في نظريته عن Charismatic Leadership حيث نظّرها في ثلاثيته المعروفة (الشخصية والتميزية والقيمية) بعيدة عن التسويق الزعاماتي (الصنمي) وانتقالاته المتسارعة بين الفضاءات الخدماتية المعيشية والفضاءات التجريدية الحزبية والكتلوية والطائفية والقومية والسياسية.
ميّز ماكس فيبر بين نوعين من الكاريزما هما (الكاريزما الموجبة والكاريزما السالبة) بإشاراته إلى نوع الفضاءات التي تتحرك على سطوحها مراوحة بين السلب والإيجاب في حياة الشعوب والأمم وثرواتها الوطنية.
(الكاريزماتية) في ثقافتنا السياسية المعاصرة تستند بشكل جوهري على الخطاب السياسي وهي تصنع (الزعامات) و(الصنمية) و(الفرعونية) و(النمرودية) ومن حولها جوقة من الطبالين الذي يسوّقون لحضانتها ورقياً وألكترونياً لتثبيت مشروعيتهم وبيع أوهامهم المسطحة ونفعيتهم المشفّرة والتوجيه نحو (خرافة التفاني والذوبان) في حب الشعب!
الكاريزما السياسية رؤيتها القشرية الراسخة في ضمير الشعب العراقي المقهور لم تعد خافيةً أو بذات أهمية مشخَّصة وهي معروفة بطبيعتها (البراغماتية النفعية المحاصصاتية) ولم تكن ذات قيم تأثيرية فعلية في تحقيق نتائج اقتصادية وتنموية ومعرفية واجتماعية ومعيشية في حياة الناس.
(الكاريزماتية) الحقيقية والمؤثرة في سياق هذا المنظور هي من تتعامل وتتفاعل مع مفردات عيش الشعب وخدماته وتطلعاته المستقبلية الجوهرية في الصحة والتعليم والمنجز الوطني والمعيشي المتقدم بعيداً عن التفنن في صناعة أدوات براغماتية ذات السيناريوهات الملتوية (سياسياً وحزبياً ومحاصصاتياً) لأن هذ الشعب صاحب أكبر ثروة في المحيطين الإقليمي والدولي (الثلاثية الأبعاد) أعني الثروة النفطية والمعدنية وثروة السياحة الدينية وثروة العقل العراقي المبدع والكفاءات الواعية التي تستند على إرث حضاري عملاق.
هذه (الكاريزماتية) إذا ما تفاعلت إيجابياً مع الشعب في ظل مناقب قيمية راسخة وبَنَتْ مؤسساته سياسياً وإدارياً وأمنياً وثقافياً واجتماعياً وعسكرياً استطاعت أن تكسب التفاعل الموجب القيمة العالي الشرعية من قبل الناس وسط السلطات الأخرى في الأحياز الحكومية والقانونية.
أما (الكاريزماتية) التي تكون في جانبها السالب أعني (العلّاسين) و(تجار الحروب) و (سرّاق المال العام) فهؤلاء يتمتعون أيضاً بـ(كاريزمات) لكنها سالبة القيمة وإن صنّفت في جانب قيادات وزعامات (المافيات) و(الحيتان) و(الديناصورات) و(أسماك القرش) و (الدولة العميقة) التي تعيش تسلطية خارج الشرعية والقانون بعيدة عن العدل والسلم المجتمعيين.
(الكاريزماتية) الحقيقية العالية الفنار لا يمكن لها أن تنهض من فراغ وأماني الهواة والمهووسين من راكبي الموجات السياسية المحدثة ولا بد لمن يبحث عنها في (العراق المعاصر) أن يتجه صوب (الشعب العراقي المقهور) ويحقق له ما سلبته منه أعوام الحزن والرماد على وفق منظومة حكومية ورؤيا قيادية قيمية وأخلاقية عالية.
(الكاريزماتية) في المحيط العالمي ليست (مصطلحاً أجوفاً) كما هي في (العراق المعاصر) بل هي الموصوفة بقيمها وستراتيجيتها المهنية الشفافة من قبل الشعب وليس من فرق(الطبّالين ) وجوقة (الجيوش الألكترونية) وشراء الذمم والمحاصصاتية التي ولدت خارج أسوار الوطنية العملاقة.
(الكاريزماتية) الحقيقية من تمتلك القدرة على التأسيس لدولة المؤسسات والقانون ليس خطابياً بل فعلياً وأمام عين الشعب وترسي ديمقراطية دولة مؤسساتية واقعية وليس نظرية.
في مقابل هذه (الكاريزماتية) هناك (التكنوقراطية) وكلاهما يعمل مع الآخر ويشكل معه (ثنائي جوهري) فعّال في دول العالم المتمدن ضمن التوجه الإيجابي في منظورهما القيمي والكمي والنوعي والمعيشي والخدماتي على ارض الواقع.
ومن هذين الثنائيتين مجتمعتين تبنيت مصطلح (التكنوكاريزمية) الذي يمثل مزيجاً منحوتاً متجانساً من (التكنوقراطية+الكاريزماتية) ليكون المُنتج المنحوت هو المصطلح المحدث القابل للتداول بدلالته الموجبة القيمة العلمية والإدارية والأخلاقية والفنية والاجتماعية والثقافية.
(الحكومة التكنوكاريزمية) تعمل في منظومة واحدة هي (المؤسساتية) وفق قوانين دستورية وأخلاقية وقيمية على أرضية ديمقراطية متضامنة بعيدة عن (البراغماتية) وتسعى إلى إرساء الأمن والاستقرار والسلم المجتمعي والعيش المتوازن ضمن أطر قانونية ودستورية في التوزيع العادل للثروات الوطنية التي وهبها الله لسكان وادي الرافدين (موطن الرسل والأنبياء) العراق العظيم.
أما (الكاريزمات) التي تنشر هذه الأيام على صفحات التواصل الاجتماعي والصحف الورقية والألكترونية وينعتون بها بعض الصنميات والزعامات الهيكلية الفارغة المعاصرة والتي تطفو على سطوح العملية السياسية العراقية وهم يتحدثون عنها في (العراق المعاصر) ليست كما تتحدث عنها الدول الكبرى من منظورات علماء الاجتماع والفلسفة والفكر فهي أولاً يجب أن تعمل إلى جنب (التكنوقراطية) باعتبارها صاحبة القدرة المهنية والشفافية والخبرات في إدارة دفّة الإدارات في الحكومات وليس لها أولوية في هذا الميدان إلا من الجانب السياسي باعتبارها متخصصة فيه لكنه غير متعارض مع (تكنوقراطية إدارة البلاد) فهي إن التحمت مع التكنوقراطية أنتجت (التكنوكاريزمية) المطلوبة في البناء المؤسساتي المدني.
لذا فإن كثيراً من الباحثين والمفكرين يقولون في خطاباتهم السياسية الشفافة إنّ الكاريزمية لا يمكنها أن تطعم الشعوب وتشبعهم من جوع وتأمنهم من خوف بل يمكنها أن تعمل على توفيره مع (حكومات التكنوقراطيين) وإن القيادة ليست ظاهرة فردية بل هي جماعية في العدل والتنمية والبناء والمساوات وكما يقولون في مثَلهم Hand in Glove! .
زعماء (الكاريزمات) العالميين الذين خلدتهم شعوبهم كفاحاً وبساطة وإصراراً متوازناً من أجل الإنسان وترسيخ العدل والمساوات وليس من أجل (الانتفاع السلالي العائلي والحزبي) كانوا (تكنوقراطيين ديمقراطيين مهنيين) يتمتعون بصفات ديمقراطية عملاقة ولديهم كم متوازن من الخبرات والمهنية والشفافية والصدق والنزاهة والموضوعية وهم ليسوا فوق القانون والدستور والتشريعات ولا عوائلهم وسلالاتهم تمتلك الأحقية على سائر الناس في المنظورالمجتمعي وبهذا حقّ لهم أن يكون زعماء تاريخيين مثل المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو ونيلسون مانديلا وسواهم لكنهم قد ينزلون من (عرش الكاريزماتية والزعاماتية والتكنوقراطية) لأدنى انزياح لأن (الوطنية النقية) و(الشعب) فوق كل الاعتبارات السياسية والمذهبية والعرقية والكتلوية والمناطقية والقومية. وإن هيبة الدولة ومكانتها بين دول العالم لن تسمح لهم بإنزالها إلى القاع.
يسجل لنا التاريخ المعاصر أن الرئيس الـ 37 الأمريكي ريتشارد نيكسون قد أنزلته فضيحة ووتر غيت السياسية Watergate Scandal من أعلى قمة الهرم الرئاسي حتى قاعه بين أغسطس من عام 1972م حتى محاكمته في 8 سبتمبر عام 1974م حيث تفجرت أزمة سياسية كبرى استقال على إثرها الرئيس نيكسون بعد إدانته بتهمة (الكذب) بخطاب رسمي عبر التلفزيون وكانت السلطة الرابعة المتمثلة بصحيفة الواشنطن بوست وراء متابعة الأحداث أمام الرأي العام وجلسات الاستماع تبث عبر شبكات التلفزيون.
هذا هو جوهر(التكنوكاريزمية ذات القيم الأخلاقية) لأنه لا أحد فوق القانون في دولة المؤسسات المدنية الديمقراطية. الحكم دائماً للدستور الرصين والعدالة والشفافية وحق الشعب في العيش الحر بسلام وعدل وأمان بعيداً عن الكذب والتزوير وتشويه الحقائق وأساليب التسقيط الرخيصة والسعي بشتى الطرق التهميشية وشراء الذمم والمناصب والكراسي بطريقة (هاتٍ وهاك) محاصاتياً.
مُنية الناس رؤية (الحكومة التكنوكاريزمية) في الدوائر والمؤسسات الحكومية في العراق المعاصر بمتابعاتهما الشجاعة وهي تكشف بشفافية ومهنية ملفات الفاسدين (السلالية) و(الزعاماتية) و(الحزبية) و(القومية) و(الطائفية) و(الإثنية) وسواها من (التشظيات) (بعدل مؤسساتي صارم) أمام الرأي العام (متلفزة) لكي يعلم الناس ما لهم وما عليهم وأين ذهبت ثرواتهم خلال الأعوام الـ 16 ومن كان وراءها ومن باع الأرض والشعب وهيبة العراق العظيم وشعبه صاحب الحضارات في (فضيحة الإرهابيين) ومن كان يمثل لهم دور (الكاريزماتي الشهم الغيور) ومن كان يمثل دور (التكنوقراطي الخبير) صاحب الشفافية الحريص على ثروات الشعب ومن هم (مصّاصو دماء العراقيين The Vampires ) الذين يتغذون هم وسلالاتهم على جوهر الحياة.
نحن نعلم كما يعلمها كل المتلقين بوسائل التواصل المتنوعة أننا لا نريد من (الديمقراطية المراهِقة ودستورها خلال الـ 16 عاماً) أن ترقى إلى عمر الأربعين لكي تلحق ركب (الديمقراطيات العالمية) بفعل (ساحر) وتتحول إلى مؤسساتية بنسب عالمية (رخترية) Richter’s magnitude scale متقدمة أو مؤشرات (داوجونزيه) The Dow Jones Industrial Average (The Dow) أو بـ (وصفات الأعشاب) أو (الخلطات السرية) أو (السيناريوهات الميثولوجية) أو (القوالب التجريدية) أو (البوّابات الألكترونية السالبة) لكن الشعب و (ثورة المظاهرات المدنية) تطمح بأن تكون الحكومة الاتحادية العراقية بكافل مفاصلها الهرمية (حكومة تكنوكاريزمية) صريحة واضحة غير كاذبة مع (الشعب العراقي المقهور) وعقله الجمعي الواعي وتتعامل معه بشفافية عالية مع طرائق عيشه وخدماته وثرواته التي تنهشها (المحاصصاتية السلالية) ليس بـ(خطابات سياسية مفبركة وبرامج ورقية على صفحات الجرائد والمجلات ولكن برؤيا واضحة في (منظومة الفضاءات المعاشية والخدماتية والوظائفية والثرواتية) المتوازنة العادلة.
لا يريد الناس (كاريزما) ذات ألوان قزحية ولا (تكنوقراطية) مشوَّهة تدعيان المؤسساتية من فراغ إنما يريدها الشعب العراقي المقهور (تكنوكاريزمية) سياسية مبدعة تضع ثنائية الرب بقانونه الإلهي والوطن بقانونه الوضعي نصب عينيها ومن ورائها قوة القانون والدستور اللذان لا يخشيان في إقامة العدل لومة لائم وأن لا أحد فوق الحق.
(يا دولة رئيس مجلس الوزراء) إنها دعوة مخلصة أمينة وطنية حريصة على إقامة دولة عراقية مؤسساتية ديمقراطية معاصرة مدنية وحكومة (تكنوكاريزمية) ذات توجّه قيمي وأداء متميز بعيداً عن حناجر الخطابات السياسية المتصنعة وشعاراتها الخانقة وزعاماتها الموهومة الزائفة التي لم ولن تكون قوتاً لـ(الشعب العراقي المقهور).
هذه الحناجر المريضة هي التي أشعلت فتيل (ثورة المظاهرات) وأسهمت في تحول (صوت الشعب) من (قطبه الموجب) إلى (قطبه السالب).
(يا دولة رئيس مجلس الوزراء) (التكنوكاريزمية) في المنظور المهني القيمي هي القدوة القيادية الموصوفة بحُسن الأداء والإصرار على أن الإنسان العراقي قيمة عليا علمياً وحضارياً وثقافياً واجتماعياً ودينياً وفقاً لمباديء العدل والسلام والمساوات والعيش المشترك بعيداً عن العنصرية والطائفية في ظل دولة الإنسان والحقوق المدنية.
(يا دولة رئيس مجلس الوزراء) الدولة العراقية الحديثة في سياقاتها المؤسساتية المدنية تحتاج إلى حكومة (تكنوكاريزمية) تجمع بين التكنوقراطية والكاريزمية الشفافة وهي تحتكم الى الخبرة والقيم الأخلاقية والمناقب المتميزة في الميادين المهنية وليس إلى أولئك (الأكاديميين السياقيين) الذين لا يعرفون سوى المناهج المقررة المرصوفة ورقياً في مدارسهم التعليمية ولا ينتجون أفكاراً متميزة وليس لهم شأن مخصوص بالقيادات الإدارية في السلطة ويفتقرون لأدنى متطلبات القوة (الكارزمية) والمهنية والخبرة (التكنوقراطية). فهم (معلمون سياقيون) قد يكونون ناجحين أو فاشلين في كلياتهم مع طلابهم لكنهم ليسوا (تكنوقراطيين) لا يصلحون قادة في المسار الإداري.
ليس كل من يحمل شهادة عليا في (ميدان بحثي ضيق) من جامعة أو كلية أهلية باهتة الألوان أو حكومية (غير رصينة) سواء في الداخل أو الخارج يمتلك الخبرة الفنية والشفافية والأهلية لتحقيق نتائج تنموية إدارية واقتصادية تحاكي (قوت الناس) وجودة مفرداته الحياتية.
(يا دولة رئيس مجلس الوزراء) هناك مشاهد متعددة وسيناريوهات في الوسط الإداري الحكومي وقفنا نحن ووقفت أنت عليها خلال السنوات الـ 16 الماضية من عمر العراق المعاصر وشاهدنا ممن يحملون شهادات عليا في مواضيع بحثية ضيقة المنحى ذات قوالب (باردة ميتة ومحنطة) فشلت إدارياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً فأثارت فتنة وأشعلت فتيل ثورة المظاهرات لافتقارها لأدنى متطلبات جودة الأداء التكنوقراطي.
هؤلاء (الأكاديميين المحنطين المصابين بالروتينية الباردة) لا يمكن تصنيفهم ضمن شريحة الـ(تكنوكاريزمية) فليس كل من يحمل (شهادة عليا) ويتعالى بزعامة موهومة في فضاءات الإدارة والعيش اليومي هو (كفاءة تكنوقراطية) صاحبة (كاريزما شفافة) يمكن أن تصلح لعضوية (الحكومة التكنوكاريزمية). فالشهادة في كثير من الأحيان ورقة تؤهل صاحبها للقيام بمهمة تعليمية وليست شهادة تكنوكاريزمية وإن أغلب تلك الشهادات إذا ما تتبعنا مسارها نجدها مصابة بزهايمر التداعي والتراخي والذبول وأن الكليات التي منحتها لا طعم لها ولا لون ولا رائحة في الميادين العلمية والأكاديمية والإدارية وأغلبها لا يصلح إلا أن يعاد تدويره لأغراض حياتية هابطة.
(يا دولة رئيس مجلس الوزراء) إن الحكومة (التكنوكاريزميةTechno-Charismatic ) في القادم من الزمن وحركة الأيام ستلتقي أصنافاً من (الأجيال الرقمية) التي ستؤثر بقدر انتمائها للأرض والإنسان وحركة التكنلوجياً التي تتوالد في جزئيات من الزمن عبر شبكات خطوط الطول والعرض في الكرة الأرضية والتي يمكن أن نصطلح عليها بـ (أجيال التقنية المتسارعة) من التي ولدت قبل الألفية الثانية وبعدها .
هذه الأجيال الرقمية جرى الباحثون على الإشارة إليها بدلالات حرفية وقد صنفتها في هذه الهيكلية البنائية تصاعدياً ((WXYZ
الجيل الرقمي W
الجيل الأول ـ الذي توارث أهله وتعلموا خبرات الجيل السابق الذي يمكن أن نرمز له بـ (V) من الذين تتراوح أعمارهم بما يزيد أو يقل عن الثمانين عاماً في الآن سواءً بالمعاصرة أو (التوريث المعرفي). هذا الجيل اصطلح عليه مفكرو السوسيولوجيا بـ (الجيل الرزين) الذي مزج بين (التكنوقراطية) و(الكاريزمية) تميُّزاً في التاريخ والسياسة والاقتصاد والإدارة وبقية العلوم المعرفية الإنسانية.
الجيل الرقمي X
الجيل الثاني ـ أهل هذا الجيل هم من الذين تبلغ أعمارهم الآن بما يقرب أو يزيد على ستين عاماً ويتميزون بعدم اليأس والتردد ومحاولة الوقوف على بيانات التكنلوجيا المعاصرة وبعضهم ممن توصل إلى معارف ومعلومات متقدمة عن (الشبكات التقنية المعاصرة) ومحاولة استخدامها بشيء من التثبّت وموازنتها بين أخلاقيات المهنة والسلوكيات الرصينة.
الجيل الرقمي Y
الجيل الثالث ـ هو جيل الألفية الثانية الذين يسجلهم الباحثون في الميدان السوسيولوجي أنهم الذي ولدوا قبل 40 عاماً من الآن أقل أو أكثر بسنوات. ويلاحظ أهل الاجتماع أن هذا الجيل من خلال مخالطته بالأجيال الأخرى قد تعلم مهارة الأداء والاستخدام المتوازن لـ Social Media.
الجيل الرقمي Z
الجيل الرابع ـ وهذا الجيل يمكن أن يكونوا ولدوا قبيل نهاية الألفية الثانية بسنوات 10 أقل أو أكثر بقليل. وتسجل الدراسات البحثية عن هذا الجيل بأنه (جيل التكنلوجيا الحديثة) حيث التقى بمبتكراتها منذ الولادة حتى تخطى العشرين من عمره متدرباً على غالبية استخداماتها التقنية ومبدعاً في كثير من جوانبها. تشكل رؤية هذا الجيل للأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية والمعرفية ظاهرة ملفتة للنظر جديرة بالاهتمام والمعاينة والتتبع والأخذ الجاد بنظر الاعتبار لتقنية رؤيتهم الفنية والإدارية على الرغم من حداثتها وزمنية خبراتهم لمصاحبتهم التكنلوجيا منذ أيام ولادتهم.
(يا دولة رئيس مجلس الوزراء) لنعمل معاً وفق (تكنوكاريزمية) مهنية شفافة مؤسساتية قيمية ونحن نؤسس شيئاً لـ(الأجيال الرقمية القادمة) تفخر به مرفوعة الهام منتصبة القامات شديدة العزم والحزم فقد كفانا من الخنوع والخضوع والتواضع والتصنّع والإنكفاء سنوات طوال ونحن أهل الحضارة والثقافة والعلوم الهندسية والرياضيات والفلك والجغرافيا والطب والكيمياء والفيزياء والبصريات والبايولوجيا التي ترجمت مؤلفات علمائها لكل لغات العالم ودرسوها في جامعاتهم العملاقة منذ أزمنة سحيقة.
أولئك علماؤنا ومفكرونا الذين نشأوا على أرض الحضارات وموطن الرسل والأنبياء وها هي متاحف العالم ومكتباتها تشهد بذلك بأننا من ألهم البشرية فن القول والكتابة والأبجدية وزودها بالعلوم المعرفية.
نحن كأكاديميين تكنوقراط نعمل منذ سنوات في أعرق الجامعات الأمريكية وغيرها نطلع طلابنا كلما تطلب السياق العلمي والأكاديمي على جوانب من مُنْتَج علمائنا الأولين الذين أفادت من علومهم ومبتكراتهم جامعاتهم الغربية فكراً ومناهجاً ومعارف مما يثير فضولهم رغبة في البنية المعرفية.
لهذا حق لنا أن نفخر بهذا الإرث السلالي والمعرفي الذي أسهم بفاعلية في بناء الحضارات العالمية ودولة مؤسساتها وحق للأجيال القادمة أن تفخر بحكومة العراق المعاصر إذا كانت (تكنوكاريزمية) لأنها ستقيم عرشها ومنظوماته مؤسساتياً مهنياً شفافاً على وفق مباديء وقيم تمتلك موجبات القدرة في متجهات الأجيال الرقمية.
***