في كل فصل للامطار تغرق المدن وتجتاح السيول القرى والارياف الحدودية مع دول الجوار . وبالتالي تلحق اضراراً كبيرة بالمواطنين وتنهار بيوت على رؤوس ساكنيها وتقع ضحايا بشرية. هذا حالنا في الشتاء وفي الصيف شحة مياه وغبار وعواصف ترابية ، وكل عام نسمع ذات التبريرات ووعوداً بنهاية لها في الموسم المقبل ، وحفظنا بصم ما يقولونه امناء بغداد ومديرو البلديات واعضاء مجالس المحافظات ، بان شبكات المجاري متهالكة وطاقتها الاستيعابية اقل من كميات الامطار الساقطة .. وما الى ذلك من الكلام الذي تجرفه الامطار ساعتها .. واقع الحال ان هطلت الامطار وان جفت فضحيتها المواطن حالنا مثل الدجاج مذبوحين في افراح ومآتم المسؤولين ، لاشك ان الكثير من المسؤولين فرحون الان ، فغرق بعض المدن والحواضر والقرى يعني لجان تعويضات ومخصصات لن تصرف الى المتضررين من دون ( عمولات ) و (اكراميات ) .. حتى اننا بدأنا نشك بانهم يتعمدون عدم صيانة شبكة المجاري او استكمال ما هو قيد الانشاء ومتابعة التنفيذ الجيد لهذه الغاية ، فمصائب قوم عند قوم فوائد .. في كل العالم المسؤولون يخططون وفقاً للعلم وهناك شعب للتخطيط والدراسات تستكشف المستقبل وتضع مشاريعها وتنفذها على اساس علمي وتقديرات لا تخطئ ولا تترك للارتجال .. فاليوم التوقعات للانواء الجوية تحسب بدقة كبيرة لا مجال فيها للخطأ الا بنسب تكاد لا تذكر ، الا في بلادنا لا تستطيع امانة بغداد ولا محافظاتها ان تستند في عملها الى ذلك .. العام الماضي كلنا يتذكر كيف ان عبعوب برر توقف شبكة تصريف المياه بصخرته الشهيرة ، واردف ذلك لعدم انجاز خط التصريف ( خط الخنساء ) بتجاوز بضعة بيوت مازالوا باقين في اماكن ولم تستطع الامانة والحكومة ترحيلهم الى مكان آخر بتخصيص قطع اراض من عشرات الاف قطع الاراضي التي وعد بها المتجاوزون ايام الانتخابات كي لا تترك بغداد تغرق .. وتحل المزايدة السياسية بشأن ترحيلهم .. اذا استمر العمل بلا تخطيط وايكاله لمن هو غير مؤهل وعلى اساس المحاصصة فان بغداد وغيرها ستغرق مرات ومرات وسيعوض بعضهم بفتات ، وحتى هذا لا يصل اليهم كاملاً بفعل البيروقراطية والفساد . في زمن النظام السابق ، لم يكن المسؤول ينام في بيته اذا حدث عشر ما يحدث كل شتاء ، ويحمل المسؤولية ويدخل السجن وما الى ذلك من شديد العقاب لهذا واقل منه .. فيما اليوم يسرقون المليارات من مشاريع فاشلة واخرى وهمية وثالثة تراوح في مكانها منذ سنوات ، ورابعة لا تتطابق مع المواصفات وما الى ذلك مما ينهب علناً من دون حسيب او رقيب ، وفي احسن الاحوال ينتظرون منهم ان يملأوا حقائبهم ويغادروا البلد كي يصدروا احكاماً غيابية بحقهم . نعم ، في بعض المناطق تجرى الصيانة ولكن اي صيانة تترك الاطيان والاوساخ بجانب فتحات المجاري لكي تطمرها مرة اخرى ، وتتم بطرق بدائية ومن دون فحوصات وتأكيدات انجاز الاعمال بصورة مرضية . مثل هذه النعمة من الامطار حولتها الحكومات والمسؤولون الى نقمة على الفقراء والنازحين واغرقتهم في وحولها والمياه الثقيلة .. لو كان المسؤولون لديهم غيرة على هذا البلد لأقيمت السدود والخزانات للمياه للأفادة منها في شح الصيف بدلاً من الندب والخضوع لابتزاز دول الجوار . على كل حال اغلب المدن غرقت ، ولابد من تقدير علمي دقيق لحاجة البلاد الى شبكة تصريف للمياه بطاقة استيعابية ضامنة لعدم حدوث مثل هذه
الكوارث ، وليس لتقديرات اعتباطية او اعتماداً على مواسم جفاف وقراءات ( فتاح فال ) .. وانما تنشيط دائرة الانواء الجوية واقامة الندوات العلمية وكتابة البحوث والدراسات ..واذا كان هناك بعض العجز فليس من العيب ان نستعين بخبرات الاخرين في هذا المجال الى ان تتكون لدينا الطاقات والكفاءات اللازمة . لقد ضيعت الحكومات المتعاقبة ثروات البلاد واهدرتها على الحروب وجعلت منها مرتعاً للفاسدين واهملت تقديم ابسط الخدمات وجعلتنا نتحسر على سارق