الملاحظ ان حكام ما بعد عام 2003 ، يخضعون مفهوم السيادة للتفسير السياسي ، بتعبير ادق يرون ان السيادة هي مسألة نسبية ويفسرون علاقاتهم بالغير وفق هذا السياق مبعدين من أذهانهم كون السيادة هي من عالم الزولن ، أي من عالم القانون ، الغير قابل للتأويل ، فالسيادة هي قدرة الدولة على التمتع بالاستقلال قبل اعضاء المجتمع الدولي ، والهيمنة على الاوضاع الداخلية بما يمكن الدولة من فرض سلطة القانون ، فسيادة الدولة تكمن في قدرتها على ضبط الأوضاع على نحو مستقل عن إرادة الغير ، سواءا أكان هذا الغير داخليا ام خارجيا ، والاحتلال أيا كان نوعه هو عمل يؤدي إلى الإخلال بسيادة الدول ، كما أن توجيه سياسة الحكومات الداخلية بإرادة الغير هو أيضا عمل مخل بالسيادة ، عليه فان السيادة تعني أن لا جيوش أجنبية على أرض الدولة ولا تدخلات سياسية في شؤون الغير ،
ان العراق منذ الاحتلال يحاول جاهدا تثبيت مبدأ السيادة على أراضيه ، ولكن بأساليب سياسية بعيدا عن تفعيل قواعد القانون الدولي ، وهو محكوم بقلة القدرة على ممارسة السيادة لتدخل الغير الإيراني في شؤونه الداخلية او التواجد الفعلي الامريكي العسكري على أراضيه او التواجد العسكري التركي عند تخومه الشمالية ، وقد عمل المحتل الامريكي على الاخذ بحواشي قواعد القانون الدولي عندما اوعز للحاكم المدني بمغادرة العراق ،،لأنه كان الحاكم الفعلي لهذا البلد طيلة عام واحد،، وان الويلايات المتحدة والمملكة المتحدة اخذتا تعملان في العراق بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1546 ، الذي وضعتا بموجبه خارطة طريق لانشاء الدولة العراقية وبناء هياكلها القانونية والسياسية ، مبررتا خرقهما للسيادة بانهما يستندان الى قرار دولي ، وتم الحاق هذا الفعل بتوقيع معاهدة الامن والدفاع المشترك التي تجير الابقاء على وحدات عسكرية امريكية لاغراض الدعم اللوجستي وتقديم المشورة الميدانية والتدريب ، وما لحقها من بروتوكولات تجيز التحرك الامريكي على نحو لا يثير الشك او يشكك بالسيادة ، أما إيران فإنها تتصرف على وفق قاعدة الاخوة الإسلامية ، معتقدة ان هذه السلوكيات السياسية ترقى لان تكون قواعد بينية قانونية لا تتعارض مع قواعد القانون الدولي ، والمسؤول العراقي يقبل بخجل سلوك أمريكا لأنه لا يستطيع أن لا يقبل ، أما هذا المسؤول فإنه يقبل طواعية السلوك الإيراني لأنه لا يريد أن يرفض ، وفي كلتا الحالتين تصبح السيادة مرهونة بالرفض والقبول ،
ان ما يجري في العراق وما ينتج عن خرق مستديم لسيادته إنما ينبع من قلة وطنية المسؤولين وقلة خبرتهم القانونية ، وان سلوكهم السياسي ينبع من حقيقة واحدة إلا وهي أنهم غرباء عن العراق ، وانهم لا يطلبون من ايران ان تسير الى جنب العراق لا ان يسير العراق خلف ايران ، كما وان الايرانيون يصرحون علنا انهم يصنعون الاوضاع في العراق ، وهذا يدخل في حكم الخرق الفاضح للسيادة ، أما تركيا فهي تعيد تاريخ الصراع العثماني الفارسي على العراق رغم انها تتحجج بتواجد حزب العمال الكردستاني التركي في العراق ، وأنها عملت على الإخلال بالسيادة العراقية من خلال تحريك قواتها إلى داخل الاراضي العراقية وتقصف القرى العراقية حسبما تشاء ، وأنها لا تعير أهمية لدعوات العراق بسحب قواتها كونها تعد قوات غزو لاغير ، ويمكن ايضا ان نشير الى امتناع الاقليم عن السماح للقوات العراقية بالدخول الى مناطق كردستان على انه امتتناع مخل جدا بسيادة الحكومة الفدرالية على أراضيها في شمال العراق ،
ان التواجد الامريكي غير محدد المقاصد والأهداف بموجب معاهدة يبرمها ندان لها مدة واضحة وتودع وثائقها لدى الأمم المتحدة ، تعد معاهدة أذعان وهذا عمل مخل بالسيادة ، أما التدخل العسكري التركي رغم كل التبريرات ورغم الاتفاقية مع أركان النظام السابق ، فإنه يعد عملا منافيا لقواعد السيادة ، أما ما يظهر ويبطن من تصرفات إيران قبل العراق ، فإنه يعد بمثابة خرق لا تفسير له لسيادة العراق ، عليه فان الحكومة العراقية اية حكومة مطالبة بوضع ضوابط للتواجد العسكري الامريكي والتركي والمقاصد محددة ولمدة ايضا محددة ، أما إيران فيجب عليها قبل العراق ان تحترم سيادة شقيقها ، وأن لا تطلق التصريحات التي لا تليق ومبدأ السيادة وان تتعامل مع العراق على وفق قواعد القانون الدولي ، خاصة ما يتعلق بأتفاقية 1975، التي أبرمها النظام السابق ، والاخذ بمدأ العدل فيما يخص المياه والابار النفطية المشتركة ، وان تعمل الحكومة الايرانية لدفع الاذى عن العراق لان خرق سيادة هذا البلد اليوم ستشجع الغير على خرق سيادة ايران على وفق مبدأ من يمتلك القوة يمتلك القدرة على التلاعب بسيادة الدول .
ان خرق السيادة لأي سبب كان يعد سابقة لايقرها المجتمع الدولي منذ مؤتمر فينا عام 1815 ، وما استقر عليه التصرف الدولي بعد الحرب العالمية الثانية ، وان الحكومة العراقية يجب أن تتحسس لسيادة بلدها وان لا تضييع هذه السيادة كما ضيعت أمور أخرى…