18 ديسمبر، 2024 4:12 م

الحكم في العراق صار خارج بوصلة علم السياسة

الحكم في العراق صار خارج بوصلة علم السياسة

لو نظر اي ممعن او مختص في علم السياسة الى واقع الحكم في العراق بعد العام 2003 ،واستعمل ادوات البحث المعروفة ، لوجد ان الحكم في العراق (العملية السياسية حسب تعبير شخوصها ) لا مثيل له في التأريخ منذ ان نطق افلاطون بفلسفات الحكم او ما تكلم به توينبي عن صناعة التأريخ او حتى ما يأخذ به الإسلاميون من فلسفة الخلافة او ولاية الفقيه ، وقد يقول البعض ، هذا تجني على المتحقق من فسحة للحرية يتمتع بها المواطن الآن ، بعد زوال الحكم الشمولي، اقول نعم ولكن الاحظ كالاخرين فتور همة الناس تجاه حرية مطلقة حرقت الأخضر واليابس ، او ديكتاتورية فقدت هويتها، اذ لم يعد في العراق دولة وفق معايير علم السياسة ، بل صارت دولا لكل منها سيادتها وموالوها بل وحتى ارضها المحددة وفق جغرافية التلون الطائفي او القومي ، ويقبع داخل هذه الدول مؤسسات حاكمة هي الاخرى كأن تكون مؤسسة سياسية وهي ما يطلق عليها اليوم تجاوزا بالكتلة ، او مؤسسة دينية لها قدرة تحريك الانصار والموالين وقتما تشاء خارج سياقات الدولة الحاضنة او حتى الدولة الرسمية، وهناك ايضا المؤسسة العشائرية المتمثلة بالعشيرة التي هي بدورها تحرك الموالين وتمولهم بالسلاح والعتاد حتى يمكنها ان تقاتل الدولة الحاضنة او الدولة الرسمية ، ويمكن القول ايضا ان هناك دولا اخرى لها قوة الدولة الرسمية كالمافيات او عصابات تهريب النفط التي باتت من الثراء ما يمكنها من صنع كتائب عسكرية لحماية طرق التحاييل على القانون العام والتهريب.
ان الحكم في العراق بعد مرور أكثر من ثمانية عشر عاما هو حكم الدولة العميقة متعددة الزعانف والتي اعتاشت طيلة هذه الفترة على مقدرات الدولة الحقيقية ، بل وذهبت الى حد امتصاص هذه القدرات وجعلت من الدولة كعصف مأكول ، وصارت هي مصدر قوة ينافس الدولة في قوة تحدي القانون وسؤ تطبيقاته ، وصارت معارك العشائر خارج قدرة الدولة على منعها ، او صارت جهات مسلحة تستعرض قواها ملوحة لأذرع الدولة المسلحة بالويل والبثور ، وعندها يقف علم السياسة عاجزا عن إعطاء تحليل موضوعي ما دامت هناك عوامل إجتماعية تتحكم بالمشهد السياسي او هناك عوامل خارجية تتحكم بالتوجه السياسي ، وهناك ايضا قبول داخلي للتحلل من المخرج السياسي ،
ان العراق بعد هذه التجربة المريرة بحاجة إلى صياغة نظام ينسجم ومتطلبات علم السياسة القائمة على صياغة دستور يعترف بدولة مدنية يتساوى عندها الكل الحاكم والمحكوم ، وتظهر من خلاله سلطة مدنية تمسك بلجام الحكم بيد مسلحة بالقانون ، ويقف الى جانبها جهاز مسلح قادر على تنفيذ القانون لا تنازعه جهات مسلحة اخرى ، وان يرفع فيه شعار بالعلم والعمل نبنيك ياعراق…