4 مارس، 2024 6:59 ص
Search
Close this search box.

الحكمة من الزّواج وإنجاب الأطفال

Facebook
Twitter
LinkedIn

مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم وبعد .
لقد كرم الله تعالى بني آدَمَ على سائر المخلوقات وجعلهم أكرم الناس وأكملهم خُلُقًا وخَلـقًا، وخلقهم في أحسن تقويم وجعلهم خليفة الله في الأرض، ومن أجل الإنسان تم خلق الدّنيا والأفلاك والأنعام والخيرات والكائنات كلها من قبل الله تعالى، وبشّرهم بسعادة الدارين وبالجنة ونعيمهما، مقابل الإيمان به وبرسوله محمد وبطاعة أوامره كما جاء في القرآن والسّنة. ولأجل عبادة أكبر عدد من الناس لله تعالى وطاعة أوامره يحتاج إلى الزواج والإنجاب وكثرة الذريات، وهكذا تتجلى صفات الله تعالى على خلقه، لذا يمكن أن نؤول ونقول أن أحد أسباب هبوط آدم وحواء من الجنة هو من أجل تجلي صفاته وعظمته على خلقه.
ومعرفة الأباء واجباتهم تجاه أولادهم من تنشئة أولاد صالحون مؤمنون بالله والصبر على أذاهم وعلى تربيتهم وفتنهم، وأن يحموهم من كل سوء ومكره، ومثل ذلك على الأولاد أن يعرفوا واجباتهم تجاه الأباء منها طاعة أوامرهم وأن يتعاملوا معهم بالحسنى وأن يخاطبوهم بالقول الجميل اللّين. كما أن للأباء حقوق وواجبات على الأولاد، وكذلك للأولاد حقوق وواجبات تجاه الله تعالى من الطاعة وتطبيق أوامر الله مع إعمار الأرض بالخير والاشتراك في بناء الحياة الكريمة من دون أن يطغوا ويظلموا ويفسدوا في الأرض.

الغاية من الزّواج

يمكن أن نقول أن الغايَة الأساسية من الزواج فهو عبادة خالصة لأوامر الله تعالى، وإيفاء عبوديته وخضوعه لأوامره. والدين الإسلامي يشجع الزواج ويمنع التبتل، وجعلهما سببا للتوالد، ومظهرا للتكامل والتناسق، ومنبعا للمودة والرحمة والسكينة والسعادة الأبدية، لمن رآه أنه عبادة قال تعالى (ومن آياته أنْ خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة). والزواج يخفف عبء الإنسان الحياة الثقيلة لكي يجد الفرصة الكافية لذكر الله تعالى، والزواج يعني التناسل وتكاثر الذريات واستمرار الحياة والتفاخر بالأنساب، وهو وسيلة لتكاثر الأمم الاسلامية، فقال رسولنا الاكرم (تزوّجوا فإنّي مُكاثرٌ بكم الأُممَ يوم القيامة ولا تكونوا كرهبانيةِ النصارى) رواه البيهقي. (تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مُبَاهٍ (أُباهي) بكم الأمم يوم القيامة) رواه عبد الرزاق والبيهقي عن سعيد ابن أبي هلال. ولا فرق بين الذكر والأنثى عند الله تعالى فقال الله عز وجل (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الذاريات، 49. والسبب الأخر هو غض للبصر وحصن للفرج، قال نبينا (ص) (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ؛ فإنه له وجاء) رواه البخاري. وقال النبي (ص) (أربع من سنن المرسلين: الحناء، والتعطر، والسواك، والنكاح) وقال (ص) (النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني) رواه البخاري. وقال الرسول (ص) (إذا تزوّج المرء فقد استكمل نصف الدّين، فليتّق الله في النّصف الباقي) البيهقي عن أنس ـ وعدم الزواج يعني زوال الشعوب وهلاك الأمة، وتشجيع الزواج يعني إدامة حياة هذه الأمة. وكما نجد أن الزواج سنة أما متى يكون واجبًا أو فرضُا أو حرمًا يمكن أن نجدها في كتب الفقه. وديننا يأمر المسلمين بالزواج الحلال التي تقي الانسان شرور الوقوع في الزنا ومن تفشي الامراض واختلاط الانساب. ولقد حلل الاسلام الزواج بأربع إذا توفرت الشروط لديها أو له ظروف مادية وإجتماعية وسياسية أو لأسباب جنسية خاصة به أو بسبب كثرة الحروب وقتل الرجال في ميادين الحرب، فجوز الاسلام بأكثر من زوجة قال الله تعالى (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النساء، 3، وقال تعالى (ولا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا آتيتموهنّ أجورهنّ).

الغاية من إنجاب الأطفال

الغايَة الأساسية الثانية من الزواج هو إنجاب الأطفال وتكثير النسل والذرية وتكوين أسرة سليمة والمحافظة على بقاء النوع البشري واستمرار وجوده على الأرض والاستخلاف فيها. كما نعلم أن حفظ وحماية النوع البشري لا يتم إلاّ بالزّواج الشرعي كما أمرنا الله تعالى ويحث ويشجع على الإنجاب ولا يقبل الإسلام الاتفاق بين الازواج على عدم الإنجاب، والمرأة اذا كانت قادرة على الإنجاب، فيما إذا لايوجد سبب يمنع ذلك من مرض أو عقم أو سجن أو يوجد هناك ضرر ومشقة على المرأة كونها طالبة في المدرسة أو موظفة ليست لها من يساعدها ولأسباب أخرى عندها فلا مانع من التوقف عن الانجاب. أما موضوع الفقر وصعوبة العيش فلايمكن أن يكون عذرًا لأن الرزق على الله تعالى (وَلَا تَقْتُلُوٓاْ أَوْلَٰدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَٰقٍۢ، نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ، إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْـًٔا كَبِيرًا)،. فالشريعة الإسلامية تحث على الإنجاب وتكثير الأمة، فالإنجاب هو مقصد شرعي لما يترتب عليه من إعمار الأرض، حيث قال تعالى (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيه) وبذريات صالحة تعم الخير والسلام والآمان بفضلهم في ربوع الأرض. فقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ..) النساء،1. وقال (إعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ) وقال أيضًا (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) النحل،72، وقال (ولقد أَرسَلْنَا رُسلاً مِن قبْلكَ وجعَلنا لهُم أَزواجًا وذُريَّةً). وقد تكون الغاية الأخرى في الزواج والانجاب ظهور ابتلاءات من الله تعالى للناس كما نجد في بقية نعم الله تعالى، فعليهم الشكر على النَّعماء والصبر عند البلاء التي قد تنشأ من التربية والتعليم وجعلهم أولاد صالحين قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) التغابن 14-16، والمراد بالعداوة والفتنة أن الإنسان يلتهي بهم عن العمل الصالح، أو يحملونه على قطيعة الرحم، أو الوقوع في المعصية، فيستجيب لهم بدافع المحبة لهم. بالإضافة إلى ذلك أن الغاية من إنجاب الأطفال هو تنشئة الأولاد على الصلاح والتقوى والاستقامة، لكي تنال الناس رضا الله تعالى وجنات تجري من تحتها الأنهار. قال تعالى (اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ) 8، الرعد. وهناك عبر وابتلاءات في موضوع انجاب الاطفال فالله تعالى قد يرزق من يشاء بنين فقط أو بنات فقط أو بنين وبنات أو لا يرزقهم أو يرزقهم وهم مرضى وفيهم اسقام وفي كل ذلك حكم إلهية كثيرة، فقال تعالى (يهبُ لمن يشاء إناثًا ويهبُ لمن يشاء ذكورًا، أو يُزوّجهم ذُكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا إنّه عليمٌ قدير) الشّورى 49 ـ50. وإنجاب الأطفال سنة من سنن الأنبياء وسنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) الرعد،38.. كما نعلم أن قطع الإنجاب تماماً لغير ضرورة محرم الا اذا كانت المرأة لا تطيقين الحمل والولادة أو لها حالة نفسية شاقة أو مرض تمنع عن الإنجاب يجوز ذلك. ويمكن أن نقول أنه لا حرج في اتفاق الزوجين على عدم الإنجاب، بشرط أن لا يتخذا لتحقيق ذلك وسيلة من أجل تحديد النسل، وأن لا يكون الدافع إلى ذلك الاتفاق هو الخوف من أن لا يجدا ما يطعمان به أولا دهما وينفقانه عليهم؛ بل يكون الدافع هو تحقيق مصلحة معتبرة شرعاً.
ويمكن أن نذكر هنا فوائد الاولاد الصالحون للأبوين من بعد موته بدعاء ولده الصالح له، ثم بشفاعة ولده له إذا ماتوا صغارا في حياته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم) رواه البخاري وغيره. وحتى يمكن أنهم ينفقون لهم من أموالهم في الخيرات وفي سبيل الله تعالى ثوبًا لهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
وكل هذا لا يعني أن تكون انجاب الأولاد موضوع الافتخار والتباهي أمام الذين ليست لهم أولاد أو جرح شعورهم بالكلام، بل التباهي يكون في التقوى وكونهم أولاد صالحين. وهناك آيات تدل على عدم التفاخر بالاولاد من دون البنات. فقال الله تعالى للكافرين (الكم الذّكر وله الأنثى، تلك إذًا قِسمةً ضيزى) النجم، 26. ضيزى بمعنى نقصه وبخسه. (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) آل عمران، 36. ( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ .بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) التكوير 8،9. لذا علينا أن نشكر على النعم التي أنعمها الله علينا، وأن نصبر وأن لا نعصي الله ابدًا عند عدم كسب بعض نعم الله تعالى في الدنيا والصبر على قضاء الله وقدره. وسوف يعوض الله تعالى على صبرهم جنات الفردوس العالية. لأنّ الغاية الأساسية من خلق البشر أو الإنس في الأرض هو طاعة أوامر الله تعالى ورسوله الكريم ثم النجاح في إمتحانات وابتلاءات الدنيا. ويمكن القول أن عدم الإنجاب، أو إنجاب البنات فقط، أو إنجاب الأولاد فقط. وعدم الإنجاب لأسباب مرضية او تربوية مثل أصابة أحد الزوجين بالأمراض وقد تكون ناتجة عن وراثة أو تكون ناشئة من أخذ الأدوية المضرة أو عدم أخذ الأطعمة الصحية أو بسبب الحالات النفسية أو تعرضه للحوادث والعنف الجسدي، أو تأجيلها لفترة حتى يخلصا من ضغوط العمل والدراسة الضرورية ليست فيها حرج أو أنها يدل على وجود نقص عند الانسان، وقد تكون فيها إرادة الله الشاملة وقدره، وإن إختلفت الأسباب.

نظرة الاسلام إلى إنجاب الأولاد ووظائف الأباء تجاه ذلك

1ـ الإسلام حافظ واهتم على الكليات الخمس الضرورية وهي: حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال ووضع الحدود والقيود التي تحافظ على هذه الضروريات الخمسة. وحفظ النسل كما نرى من أحد العوامل الأساسية في الدّين الاسلامي. والأبناء مطالبون بحسن اختيار الأب أو الأمّ، بحسن الأخلاق والتقوى وهذا أمر من الله تعالى ومطالبون بأن لا يطيعوا أوامر الآباء إذا خالفوا أوامر الله، ومطالبون باختيار المكان الملائم لتنشئتهم، ومطالبون بأن ينشاؤا تنشأة اسلامية صحيحة، لأنّنا في حاجة إلى جيل واع يدرك مقاصد أعماله ولا يتصرّف كيفما يشاء.

2ـ خلق الله تعالى الذّكر والأنثى وشرّع لهم الزواج الحلال لأجل إدامة النوع البشري وحفظ الذريات الصالحين والأصحاء إلى يوم القيامة. وخلق لكلا الجنسين صفات ومميزات خاصة ومختلفة حتى يتمكنا من إكمال بعضهما وأن يتمكنا من أداء واجباتهما بشكل أفضل. ثمّ أوجب لهما أن يذوقا طعم حياة الدنيا من مسراتها وأفراحها ومصائبها وابتلاءاتها. وفيها يزداد علمهم ومعرفتهم وثقافتهم وتجاربهم ويتكامل عقولهم وهكذا يتقربوا إلى الله تعالى بإخلاص وحب ويقين ومنهم من يتقرب إلى الله تعالى إليه خوفًا أو طمعًا لأجل أن ينالوا سعادة الدارين. فالذين لم يصبروا على الابتلاءات الدنيا وعصوا ربهم إستمروا على طغيانهم وجبروتهم فسيخسرون سعادة الدنيا والأخرة. لذا يجب على كل انسان أن يكون عباد الرحمان وخليفته في الأرض وأن ينال رضاء الله ونعم الله الكثيرة والمختلفة كما ذكرنا. وبتجلى صفات الله تعالى على عباده فيزداد أعداد الناس ويدخلهم أفواجًا واعداد كثيرة جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا، تليق كرم الله وجوده ورحمته على خلقه. وهذا لا يتحقق إلاّ بعد النجاح من ابتلاءات الدنيا والعبادة العمل الصالح.

3ـ وقد جعل الله من الأطفال والأولاد زينة الحياة الدنيا وطريق السعادة في الدارين. وبهم ابتلى الله الناس فقال الله تعالى (المالُ والبنون زينة الحياة الدّنيا) الكهف، 49. (أفرأيت الذي كفر بأياتنا وقال لأوتين مالاً وولدًا) مريم، 77. (كالذين من قبلكم كانوا أشدّ منكم قوّةً وأكثر أموالاً وأولادًا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الّذين من قبلكم وخُضتم كالّذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والأخرة وأولئك هم الخاسرون) التوبة، 69. ولأجل أن يتذوق ويتنعم الإنسان بهذه النّعم الكريمة، وخاصة بنعم الأولاد عليه بالزواج وانجاب الأطفال، فمن حرّم عليه هذه الفطرة الإلهيّة وحرّم عليه الأولاد خوفًا من الفقر وصعوبة العيش أو غير ذلك، فقد خسر سعادة الدنيا والأخرة ونال عذاب الله في الدنيا والأخرة، فقال الله تعالى (وَلاَ تَقْتُلوا أَوْلاَدَكُم خَشْيَةَ إمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُم وَإيَّاكُم) الأنعام، 151، والأجهاض بدون سبب يعتبر جريمة، وعلماء المسلمين الذين يرون تحريم الإجهاض يستدلون بآيات تحريم قتل النفس وإهلاك الحرث والنسل، (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) البقرة،205. وقوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) سورة الأنعام:151. (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) البقرة، 233.

4ـ ونجد في الإنجاب في مرحلة تكوين الجنين في رحم الإناث لفترة معينة عمومًا تسعة أشهر نجد فيها العبر والدروس الكثيرة، منها تعويد وتعليم الانسان على الصبر وتحمل الصعاب والأذى، وتعليمهم على التأني عند إنجاز الأعمال الدّنيوية، لأنّ في العجلة تكثر الأخطاء ولاتتم إنجاز الأعمال بصورة جيدة. ونستنتج منها في بقية أعمالنا وأمورنا من تعليم وتربية الأولاد على مراحل وبالتدرج وحتى تستمر سنين لكي يكونوا متعلمين وصالحين وأتقياء، وكان بإمكان الله تعالى أن يلد الجنين في الرّحم بدقائق بدلاً من أن يمر بتسعة أشهر، كان بإمكانه أيضًا أن يجعلهم في سنّ الرّشد بدقائق دون أن يربي ويعلم الوالدين أولادهم وينتظرا سنين عديدة وأن يتحملوا المتاعب والصعاب الثقال من أجل تنشأتهم. وكذلك في آذاهم ابتلاء للمؤمنين وعند صبرهم عليهم سوف ينالون رضا الله تعالى وجناته. والله لم يخلق شيئًا باطلاً كما يدعي الأعداء في إنكارهم خلق الله الكائنات فقال تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران، 190ـ191.

5ـ كما نعلم أن الله تعالى قد يبتلي الناس كذلك بأن يرزقهم لهم أولاد كثيرة من الذكور والإناث، وهذا لا يعني أنهم يغترون ويتفاخرون بهم أمام الذين لم يلد لهم أولاد، لذا لقد نهى الإسلام عن العجب والاغترار والتفاخر بالأولاد فقال الله تعالى (الم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم انفسكم فتربصتم وارتبتم وغرتكم الاماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور) الحديد،15. لأنّ الغرور والتّفاخر قد يؤدي إلى جرح شعور الأخرين. ثم الحقد والبغضاء والحسد بينهم مما يؤدي إلى نتائج سلبية. فعلى الذين وهبهم الله تعالى أطفالاً أيًّا كانت جنسيتهم، فإذا كانوا في تمام الصحة والعافية عليهم أن يشكروا الله كثيرًا وأن لا يغتروا بعددهم أو جنسيتهم بل عليهم أن يغتروا بهم أمام الناس في تربيتهم وأخلاقهم وبتعلم أمور دينهم، وخاصة أمام الذين لم ينعمهم الله بهذه النعم.
ويقول الشيخ سلمان عودة في هذا الموضوع: أن الأولاد ذكورًا كانوا أم إناثًا هم ابتلاء، فحينما يولدون يبتلى الإنسان برعايتهم وبرزقهم وبالقيام على شئونهم وبتربيتهم، وبالمحافظة على صحتهم، فالإنسان يسعى وراءهم، والله عز وجل كتب هذا في نفوس الآباء برحمته ليستمر البشر على ظهر هذه الأرض، ويقوما بعبوديتهم له جل وعلا وعمارة الدنيا، ثم هم ابتلاء بعد ذلك حينما ينـزل بهم قضاء الله تعالى وقدره بالموت، فيحزن لذلك الآباء، وكم من أب بكى ابنه بدموع حارة. وربما يكون من أعظم البلاء أن يبتلى الأب بوقوع ابنه في شرك الانحراف، ولذلك فإن على الأب، أن يُعنى بصلاح ولده، واستقامة خلقه ودينه، أكثر ما يُعنى بصحته وعافيته وسلامته. رزقني الله تعالى وإياكم الذرية الصالحة. ووفقني وإياكم إلى تربيتهم، والقيام عليهم، ورزقنا برهم، وجعلهم ذخرًا لنا يوم نلقاه، واِستغفر الله تعالى لي ولكم، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

6ـ وقد يكون في عدم إعطاء الأولاد حكمة إلهيّة لا يعرفها إلاّ الله تعالى. وعلينا أن نؤمن بقضاء الله وتقديره، أما عن عدم إنجاب الزوجين الأولاد، يمكن لنا أن نحكم على ظاهر الأمور إما سببها يكون لمرض طارىء أو إرثي قد أصابها أحد الزوجين أو أنهما منعوا الإنجاب سنين عديدة وبعدها صعبت الإنجاب أو أنهم استعملوا بعض الأدوية والعقاقير الطبية مما أدّى إلى عقم أحدهم، أو حالات نفسية وعنف جسدي أو تجلي إرادة الله وقدرته كما ذكرنا في السابق، ومع كل ذلك لا نعرف أيهما خير للانسان. أما الذين لم يرزقهم الله تعالى بانجاب الأطفال فعليهم بالصبر الجميل وعدم الطغيان والعصيان لأمر قد يجعله الله لهم خيرًا كثيرًا، لأن الهدف الأساسي من وجود الإنسان في الدّنيا كما ذكرنا هو النّجاح من كافة الابتلاءات والامتحانات. لأننا لانعرف هل في إنجاب الأطفال خيرٌ أم شرّ لنا في الدنيا أو الأخرة فقال الله تعالى (وعسى أن تحبّوا شيئًا فهو شرّ لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة، 216. وفي القرآن قصص حول الولد الصالح والطالح، مثل قصة ابن النبي نوح عليه السلام “كنعان” عصى ربه وغُرق في البحر ودخل النار. والأنبياء كذلك مرّوا بابتلاءات من العقم ثمّ بشرهم بغلام مثل النبي زكريا بعد مرور سنوات رزقه الله له بيحيى، وكذلك بشّر النبي إبراهيم بغلام عليم. وقصة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أصبح له أولاد سبعة 3 بنات و4 ذكور ثم فقدهم وهو في الحياة إلاّ فاطمة. كما قلنا فالله يرزق من يشاء بغير حساب، ويأخذها ممن يشاء.

7ـ كما نعلم أنّ الإرادة الكلية في إنجاب الأطفال هو لله وحده، أما أخذ الأسباب المؤدية إلى ذلك فهو من إرادة الانسان الجزئية، من إختيار الزوجة وقبول الزواج أو رفضه أو الانجاب أو منعه، ويكون الانسان مسؤول عنها. أما الارادة الكلية والقرار النهائي يقع على الله تعالى فهو يعلم أيهما أخير لنا، كما ذكرنا أننا لا نعلم أيهما خير لنا، ثم أننا نعلم أن الله يسعى من أجل خير البشرية وإسعادهم، فالحسنات تكون من عند الله والسيئات من أنفسنا، والله يضاعف حسنات المؤمن ويكون عونًا له إذا تقرب منه.
لذا قد يرزق الله تعالى الاولاد لبعض أو قد لا يرزق لبعض أخر، وقد يهب لمن يشاء ذكورًا وإناثًا أو يهب فقط الذّكور أو فقط الإناث لأنه بيده كل شيء. فقال تعالى (الذي خلق الموت والحياة ليَبلوَكُم أيُّكم أحسن عملاً) تبارك، 2. وقال الرسول الأكرم (إذا أحبّ الله قومًا ابتلاهم) رواه الطّبراني وابن ماجة، ويتبين لنا من الأحاديث أنّ الابتلاء يصيبه المؤمن المحبوب من قبل الله تعالى، والأولاد وسيلة لفلاح أو فشل الأفراد من ابتلاءات الدنيا. وقد يتدخل الإنسان بنفسه في تحديد قسمته في أنجاب الأطفال كما ذكرنا أعلاه، وذلك بأن يهمل نفسه فيتمرض بمرض شديد أو يأخذ الدواء خطاءً، فيتأثر به الجنين ويكون مانعًا للإنجاب. أو أن إرادة الله تعالى يدخل في الأمر، هو الذي وفي كلا الأمرين أيضًا بلاء على المسلمين، فلابد لنا من الصبر والرّضاء بقدر الله تعالى وأن ننجح من كافة ابتلاءات الدنيا لكي نحصل على رضا الله تعالى. لأنّ وجودنا في حياة الدنيا هو رضا الله والتخلص من عذاب الله (يوم لا ينفع مَالٌ وَلا بَنُون إلاّ مَن أتى الله بقلبٍ سليم) الشعراء، 88.

8ـ الأطفال لا تغني ولا تنفع الأباء والأمهات يوم الحساب ولكن قد ينفعهم إذا ربّوهم على التقوى والتربية الإسلامية الجيدة، وكونهم على خلق طيب، فيدعون لهم ويقراؤن لهم الفاتحة والقرآن الكريم ونحو ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد: يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله) متفق عليه.
وقد يكون التنعم بالأطفال نقمة على الوالدين ولا نجد عندهم الرّاحة والسعادة والطمأنينة في الحياة.
قال الله تعالى كذلك (إنّما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجرٌ عظيم) التغابن، 15. (لن تُغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيء) آل عمران، 10. فلا تُعجبك أموالهم ولا أولادهم) التوبة، 55. (وإخشوا يومًا لا يجزي والدٌ عن ولده) لقمان، 33. (إنّ من أزواجكم وأولادكم عدوًّا لكم فأحذروهم) التغابن، 14. وآيات كثيرة. هنا الغاية من كون الاولاد فتنة أي سيختبرهم ويمتحنهم بهم، وكونهم اعداء للأباء هو تحذير للآباء بشكل عام وللأباء المتقين المؤمنين بشكل خاص ويريد الله تعالى أن يقول عدم الإفراط في حب الأطفال أكثر من حبهم لله تعالى ورسوله وعدم الإنشغال بهم وتركهم العبادات وعدم السكوت على أخطاءهم وظلمهم للأخرين وعدم التساهل معهم عند تقاعسهم في العبادات. والأولاد كذلك يكونوا أعداء للأب المؤمن إن كانوا يلهونه عن القيام بالعمل الصالح، أو يحملونه على معصية الله تعالى أو عندما يطيعهم ويساعدهم على ارتكاب المعصية كالأب الذي يعطي ولده المال وهو يعلم أنه سيصرفه في سفر محرم، أو يرسله الى بلاد الغرب للدراسة، وهو يعلم أنه لا يقـــــــــاوم الفســـــاد أو يغدق عليه بكل انواع الدلال وبلا تربية، ليجده سالكا لطريق حرمه الله تعالى ونحو ذلك. لذا على المسلمين أن لا يتنافسوا بالأموال والأولاد وفي بقية متاع الدنيا الزّائلة وقد لا يجدي الفائدة من كثرتها إلاّ الضّرر الكثير، لأنّ الغاية الاساسية من كل الابتلاءات هي كسب رضاء الواحد الأحد بأحسن صورة. والله يأمر المسلمين بالتّنافس في العبادة والتّقوى والعمل الصالح.

9ـ ويُمكن للأشخاص المحرومين بنعم الأولاد أن يعوض الله تعالى لهم في الأخرة وفي الجنة بأفضل منها وأكثرها. وبنعم الله الكثيرة كذلك في الدّنيا كالأموال من الذّهب والفضّة والنقود والبيوت الفاخرة والمزرعة والرّعي والأغنام الكثيرة، أو بالعلوم الجليلة والأخلاق الفاضلة والإيمان والزّواج والمقام والشّهرة والشّهوات من الأكل والشّرب والملّذات الأخرى مثل لذّة شمّ الرّوائح العطرة أو بالسفر والنّظر إلى جمال الخالق ومشاهدة المناظر الخلاّبة أو السّماع لأصوات الطيور والبلابل. وقال الله تعالى (زيّن للناس حبّ الشّهوات من النّساء والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا والله عنده حُسن مآب) آل عمران 14. (وإن تُعدّوا نعمة الله لا تُحصوها) النحل.

10ـ وللأولاد حقوق على الآباء بالإضافة إلى التربية الصحيحة وتأمين العيش السعيد منها اختيار الاسم المناسب، فقال (ص) (تسموّا باسماء الأنبياء … وأحب الأسماء إلى الله: عبدالله وعبدالرّحمن … وأصدقها: حارث وهمام …وأقبحها حرب ومُرّة) رواه أبو داود والنّسائي، وقال (ص) (كلّ غلامٍ رهنٌ بعقيقتهِ، تُذبح عنهُ يوم سابعهِ، ويُحلق، ويُسمى) رواه أصحاب السّنن. وأن يُعينهم على برّهِ، ولا يُكلّفهم من البّر فوق طاقتهم ولا يلحّ عليهم في وقت ضجرهم، ولا يمنعهم من طاعة ربّهِ ولا يمنّ عليهم بتربيتهِ . بل عليهم التّشجيع في أداء الفرائض. فلكي يبرّنا أولادنا لا بدّ أن نبرّهم، وأن نلتزم بحقوقهم وواجباتهم كما هو مبين في شريعتنا الغرّاء. وكذلك العطف والشّفقة عليهم، ومسؤول في أداء كافة متطلّباتهم من مسكن وملبس ومأكل وتداوي وتعليم العلوم والفنون فقال (علّموا أولادكم السّباحة والرّماية وركوب الخيل). (علّموا أولادكم الصلاة في السبع) ونحو ذلك.

والله ولي التوفيق.

 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب