لا يخفي على المتابعين للشأن السياسي, اختفاء عبارة “التحالف الوطني” والذي كان سابقاً يعرف “بالائتلاف الوطني العراقي” كمصطلح شائع الاستخدام في العملية السياسية, بعد وفاة السيد عبد العزيز الحكيم, وتشظي مكوناته إلى أحزاب وكتل, تختلف في أهدافها السياسية وغاياتها الانتخابية.
فلقد كان السيد عبد العزيز الحكيم, جامعا لمكونات هذا التحالف موحدا لكلمتها, لا يكاد احد يجرئ أن يغرد خارج سربه, لأنه سيضيع سياسيا وشعبيا,وهذا الأمر انعكس على تأثير التحالف الوطني داخليا وإقليميا وعالميا,وبالتالي انعكس على مجمل سياسية العراق الداخلية والخارجية. فلو نظرنا إلى وضع التحالف داخلياً, كان التحالف متماسكاً في القرارات المهمة التي تحدد مسار العملية السياسية, رغم الخلافات بين مكوناته التي كانت أحيانا تصل للاستهداف السياسي, فسرعان ما ينبري لها الحكيم ليؤدها في محلها.
وهذا الأمر انعكس على علاقة التحالف مع شركائه بالعملية السياسية في العراق, فلقد كانت الأطراف السياسية الأخرى تعرف مع من تتحاور, وما هو حجمها السياسي؟, وما هو حجم طلباتها التي تتفاوض فيها مع التحالف الوطني, رغم ما اعترى العراق من هجمة طائفية, على إثر تفجير قبة الإمامين العسكريين, وما كادت تحدثه من انقسام بالساحة العراقية, لو لم تنبري لها زعامة التحالف الوطني وتطفئ تلك النار. وبوفاة السيد الحكيم, ونتيجة للتفكير الحزبي الضيق, وطمعا للاستئثار بالسلطة, تفرقت أطراف التحالف الوطني وصار “كل يغني على ليلاه”, حتى وصل الأمر للمطالبة بعض فقرات الدستور, من اجل البقاء بالسلطة, بعد أن تيقن الجميع أنها لن تغادر التحالف الشيعي أبدا, وصار أطرافه يتفاوضون في ما بينهم من اجل تشكيل حكومات ضعيفة لا تمتلك برنامجاً سياسياً أو خدمياً للجماهير التي انتخبتها.
وصار جميع أطراف التحالف السياسي مطمعاً للشركاء السياسيين, فالأكراد أصبحوا يريدون أكثر من ميزانيتهم التي اقرها الدستور, وحصصا غير معقولة من النفط المصدر, والسنة يريدون تمثيلا سياسيا وأموالا, تفوق حجمهم السكاني والسياسي, ومن يعقد معهم الصفقات المخالفة للقانون والدستور, كاجتثاث البعث وإلغاء قانون المسائلة والعدالة, والكثير من التنازلات التي صار لزاما أن يمنحها من يريد أن يستلم دفة الحكم . وهكذا غاب وغيب التحالف الوطني, حتى وصل الأمر ببعض أركانه الأساسية أن يسميه تخالفا وليس تحالف, ظنا منهم أنهم سيكونون أقوياء وإنهم سوف يستأثرون بحكم العراق, ويتحكمون بسياساته بعيدا عن شركائهم, وأن مصطلح “فرق تسد” سوف يوصلهم إلى طموحاتهم, فما كان إلا أن الضعف أصاب الجميع, وأصبحت التحديات اكبر من الجميع, وأصبحت الأوضاع السياسية الداخلية والإقليمية والعالمية أكبر من الجميع. كل هذه التحديات جعلت التحالف الوطني يعود لمراجعة نفسه, ومحاولة لملمة كياناته, وكانت أولى خطواته ناجحة بان اختار السيد عمار الحكيم رئيسا له, فهو ابن ذلك الرجل الذي يفيض حكمة حتى مع خصومه, والسيد الحكيم الذي لم يصمت مرة, عن المطالبة بإعادة توحيد مكونات التحالف وتحويله لمؤسسة شاملة تمتلك برنامج سياسي واضح مبني على الالتزام بالقانون والدستور, بعيدا عن المناكفات السياسية, وهو صاحب الخطاب المعتدل.
رغم ما اعترى العملية السياسية من تأزم, فبقى محتفظ بعلاقات طيبة مع جميع الشركاء السياسيين, سوءاً الأكراد أوالسنة, إضافة للمقبولية الإقليمية, تجعلنا نستشعر إن التحالف الوطني سوف يعود لسابق عهده. إذا ما توفرت النية الصادقة من جميع مكوناته, وتعاونوا مع السيد عمار الحكيم على إنجاح هذا المشروع, الذي جربوا غيره وفشلوا, وبالتأكيد فإن نجاحه سوف ينعكس على مجمل ما يجري, من أوضاع سياسية بالمنطقة, التي تتطلب التعامل بحكمة وموضوعية وتلك هي ابرز صفات السيد الحكيم.