يحصل أن تصبح الغوغائية أو قلة الفهم أو النزعة الثأرية، أو هم جميعاً معاً، الحكم في قضية حساسة ذات أبعاد تتجاوز الشخص أو المؤسسة أو البلد كقضية إغتيال الحقيقة في قتل وتعذيب السجناء والمعتقلين العراقيين في سجون الأميركيين والبريطانيين والمالكي. ثم تصفية وتهديد واعتقال الشهود والنشطاء والمحامين الذين يتابعون تلك القضايا والفضائح ويعملون على كشفها للرأي العام، حين يقومون بحفر بئر الواقع بمخرز.
وأد الحقيقة وقتل الشهود (معتقلين. نشطاء. ومحامين) مسلسل لاينتهي. في أولى حلقاته الجديدة يطل علينا وزير الخارجية البريطاني “وليام هيغ” في 13 ديسمبر الجاري ينفي مزاعم بانتهاكات بريطانية بحق سجناء عراقيين. أي مصادرة حقائق هي عبارة عن خلاصة من الأراشيف والوثائق والتسجيلات والشكاوى التي قدمها محامون بريطانيون ومنظمة ألمانية معنية بحقوق الإنسان إلى المحكمة الجنائية الدولية مسندة بالاتهامات ومفادها بأن قوات بريطانية مارست إنتهاكات ممنهجة في حق معتقلين خلال مهمتها التي إستغرقت “ثمانية” أعوام في العراق. وتسرد الإتهامات تفاصيل ممارسات وحشية إرتكبها الجنود والمحققون البريطانيون نفسية وجسدية مستوحاة من ثقافة التعذيب والاغتصاب إبان العصور الوسطى. ويضم ملف الدعوى أكثر من “ألف” قضية تعذيب ضد مدنيين عراقيين و”مئتي” قضية قتل غير قانوني.
فيما رأى هيغ أنه لاحاجة في أن تحقق فيها المحكمة الجنائية الدولية. وقال هيغ لشبكة “سكاي نيوز” إن أي اتهامات مؤكدة بسوء التصرف جرى التعامل معها من قبل المحاكم البريطانية وغيرها من الدوائر المختصة.
في القضية رأيان أو قولان كما يقولون في الفقه:
الأول: هناك من يؤكد بأن هذه القضايا يتم إثارتها من قبل مؤسسات سياسية تتغطى بالقضاء وتتصفح بالإعلام تسعى للكسب الإنتخابي والتسقيط السياسي والشعبي والأخلاقي بحق خصومها كلما إقترب موعد إستحقاق داخلي معين: إنتخابات نيابية أو بلدية أو محلية. والمحامون يسعون لملء جيوبهم من تلك الدعاوى القضائية. لأن البيروقراطية المتعارف عليها في المحاكم الدولية “الجنائية في لاهاي”، و”العدل في مدريد” أحياناً يتوفى القاضي أو الجاني أو الضحية أو الشاهد أو الإدعاء ولم يتم البت فيها بعد لأنها تأخذ مالايقل عن عقد من الزمن حتى يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الشمس (محكمة رفيق الحريري) 2005- 2014 نموذجاً.
الثاني: تثار هذه القضايا من قبل مؤسسات بريطانية تستطلع آراء عدة مجتمعات عربية وأجنبية يتقدمها الإنكَليزي، فتصل لقناعة تؤكد ضرورة فصل ملف حقوق الإنسان وتعويض المتضررين من الإستعمار البريطاني في العلاقة والتابعية للولايات المتحدة التي تعمل على طمر هذه الفضائح بشتى السبل. لغرض تلميع صورة المملكة المتحدة وإثبات دفاعها المستميت عن ملف حقوق الإنسان وانتزاعه الحق من يد الباطل وإن يمثل طرفاً حكومياً بريطانياً عسكرياً أو مدنياً بضمنه الجيش. وذلك لتوعية المواطن وإثبات أن المملكة بنيت على الحقيقة والدفاع عنها حتى الرمق الأخير، على خلاف الولايات المتحدة الأميركية التي شُيِدّت على شفا جرفٍ هارٍ وعلى جماجم الهنود الحمر وقبائل أُخرى تتبادل مع البيض العداء.
التحليل السياسي: يجد أن كلا الرأيين مصيب في جانب ومخطأ في جانب آخر. الخطأ فهمناه لكن يبقى الصواب. أين نجده..؟ نجده في التدافع في التصريحات والمواقف بين البرلمانيين والساسة البريطانيين والأميركيين. وسعي كلاهما إلى خلق بيئة للحقيقة تناسب أجندته وجمهوره داخل وخارج بلاده. البريطانيين يعملون على تعويض المعتقلين المتضررين بالمال واللجوء. أما الأميركان فيكذبون الإدعاءات والتسجيلات والفضائح التي تنشرها مؤسسات إعلامية وقنوات دبلوماسية كما ترد الشكاوى ويرفض التوطين على أراضي الولايات المتحدة بالإيعاز لمفوضيات اللجوء الأُممية المعروفة بالـ(UNHCR).
مثال ذلك إصدار البرلمان الأوربي بياناً صحفياً منتصف يناير الجاري، وجه فيه الاتهام لنوري المالكي رئيس الوزراء العراقي بالإبادة الجماعية ضد السكان السنة في العراق.
في حين رد على البيان المذكور بشكلٍ أحمق ووحشي السيناتور الجمهوري المتطرف والمرشح الرئاسي السابق “جون ماكين” برهنه مسألة موافقة كتلته الجمهورية في “الكونغرس” بضمنها المحافظون الجدد وحزب الشاي، على صفقة تسليح جيش المالكي بطائرات حربية وعمودية ودبابات ومدرعات وعربات “إبرامز” وذخيرة مختلفة الإستخدامات، بضرورة موافقة خصمه الديمقراطي الرئيس “باراك أوباما” على إعادة تعيين الجنرال المتقاعد “ديفيد بتريوس” مشرفاً على الملف الأمني في العراق. وقال ماكين في مقابلة مع شبكة CNN الأميركية: إن الأوان لم يفت وأنه ما زال بوسع الولايات المتحدة عرض مساعدات لتهدئة العنف المتجدد الذي اجتاح العراق العام الماضي. حيث دعا أوباما، لإعادة الجنرال المتقاعد ديفيد بتريوس إلى العراق للمساعدة في التعامل مع العنف المتنامي هناك. كما إقترح ماكين إرسال السفير الأميركي السابق ببغداد (رايان كروكر) إلى هناك، مدعياً بأن المالكي يثق بهما.