يُستخدم الحائط في التراث الشعبي العراقي المتكون هذه الايام بطريقة هزلية فيها الكثير من العبرة. ويبدو أن الشباب العراقي الذي لا يعجبون بعضنا من حيث سلوكياتهم وقيمهم وعاداتهم الجديدة لديهم رؤى وإبعاد لا نستطيع أن نراها الا ان نكون منهم ومعهم. وهنا أود أن اتطرق إلى واحدة من المصطلحات الجديدة التي تعكس سلوكا جديدا لم يكن معروفا في المجتمع العراقي الذي فرضته وقائع احداث ما بعد الاحتلال في 2003. ثم سأستعير المصطلح الجديد من أجل إبراز فكرة ارقتني ولمدة طويلة تقرب من العقدين من الزمن.
أن الشباب اليوم يستخدمون كلمة “الحائط” استخداما مجازيا طريفا، فعندما يجلس مجموعة من الشباب ويتحدث أحدهم بأمر محرج أو يتطلب صراحة ليس مكانها اجتماعهم ذاك ولا زمانها أيضا. أو أن الأمر يجلب معه مشاكل يريد الشباب أن يتجنبوها، لذلك فان الجالسين لا يتفاعلون من صاحب الفكرة أو الحديث إلى حد التجاهل الكامل، ومن موروثنا القيمي والثقافي أن يقوم صاحب الحديث الذي تم تجاهله بالتهجم على من تجاهله ويرد على من تجاهله بردة فعل أشد من ذلك التجاهل، فتحدث مشكلة قد تؤدي الى ما لا يحمد عقباه. ويبدو أن الشباب اليوم اسهل من جيلنا والأجيال التي سبقتنا، وكذلك يبدو إنهم ميالون للحلول وتفريغ الأزمات من محتواها بدلا من صب الزيت على النار، فيقوم صاحب الحديث بتوجيه كلامه لأقرب حائط اليه بعد توجيه النظر إليه ليقول له “عيني حائط مو دا احچي وياك” حتى يبدأ الجميع بالضحك ويتذكرون أنهم جميعا قرروا في وقت واحد أن يتجاهلوا كلام جليسهم مما اثاره فيبدأون الحديث ويتجاوزون الأزمة. اعجبني هذا الالتفاف على بذرة المشكلة وتحويلها إلى سبب للضحك والفرفشة. وأنها، سواء اتفقنا جميعا أو لم نتفق على حسنها، بالتأكيد طريقة جديدة في التعامل مع الصعوبات والتحديات وهذا هو دليل على فاعلية الجيل الجديد.
وهنا أتحدث اليوم مع الحائط، واقول له لقد تعبنا في سنوات الاحتلال الاولى ونحن ننبه اهلنا في العراق عن محاولات إيران للسيطرة على العقل الجمعي العراقي ونشر التخلف والجهل والأمية والفقر في العراق، وانهم يستغلون الاحتلال الامريكي لتحقيق أهدافهم بتدمير العراق واخلائه من العقول والموارد والاموال. وإن ما يسمى بالمرجعيات الدينية ما هي، في أغلبها، الا أدوات المستعمر الأمريكي أو المستعمر الايراني ومن ورائهما تحقيق الأهداف الصهيونية. ولكن اغلب الناس لم يسمعوا. فحصل ما كنا نخشاه وننبه عليه، إذ جاءت فتوى الجهاد الكفائي ليتم تقنين وتشريع وجود الميليشيات القاتلة في المجتمع العراقي، لتصبح التنظيمات المسلحة التي ترعى الجريمة والمخدرات والاتجار بالبشر وباجزائه، بموجب الفتوى الخبيثة جزءا من القوات المسلحة العراقية، حتى تجاوز أثرها الكارثي جغرافية العراق الى سوريا والخليج العربي واليمن والقادم ابعد من ذلك. وتعبنا يا حائط ونحن ننبه اخواننا العرب على كارثية أن يبقى العراق هكذا بعد أن قرر الحكام العرب أن يؤيدوا الحكومة غير الشرعية المبنية على باطل احتلال العراق. ولكنهم لم يسمعوا واصطفوا من حيث يدرون أو لا يدرون إلى جانب الميليشيات التي دخلت اليوم إلى مجتمعاتهم وهم لا يشعرون. وسيتذكرون كلامنا هذا قريبا جدا. ولولا هبة الشباب العراقي الذين تُركوا لوحدهم ضد ميليشيات تدفعها إيران وتغطي أجورهم وتسليحهم اميركا والمال العراقي المسروق، لما عاد الامل برؤية العراق موحدا من جديد. أن تراجيديا مسرح الحرية تحدثنا عن مئات من شهداء الحرية وآلاف الجرحى منذ سنتين فقط. ولكن لنتذكر جميعا ونذكر الشباب العراقي المنتفض اليوم وكل العراقيين أن ست محافظات عراقية ظلت تقول لا وتقف ضد التدبير الصهيوصفوي في العراق لمدة أكثر من عقد من الزمن ودفعت ثمنا باهضة قتلا وتغييبا وتهجيرا وافقارا وتجهيلا، واخيرا تسليمها الى إدارات مرتبطة مباشرة بالحرس الثوري في عاصمة الشر طهران، في الوقت الذي كان الجزء الشمالي من بلدنا يهادن التجربة الإيرانية في العراق واخرون من العراقيين يمدون الميليشيات بالشباب المغرر بهم حتى أصبحوا حطبا لحرب خططت لها إيران الخامنئي مع أميركا في عهد الخبيث اوباما ليتم التنفيذ بقيادة مجرم الحرب نوري المالكي الذي أخرج سجناء ما يسمى بالدولة الإسلامية من سجن ابو غريب في حين أن سجونه السرية مليئة إلى اليوم بالمغيبين من أبناء المحافظات الستة. ولذلك نقول أن عودة العراق ليس مرتبط باستمرار الثورة فحسب بل بعودة الثقة بين كل أبناء الشعب العراقي والوصول إلى الايمان بالمصير المشترك والمستقبل الواحد، فضلا عن أن هناك عامل رئيس منسي هو عودة الوعي إلى الحكام العرب لا سيما في تلك الدول القريبة من العراق بحقيقة أن عودة العراق موحدا وقويا كفيل بتجاوز ازماتهم السياسية ولا يحتاجون آنذاك للتطبيع من أجل التخلص من التهديدات الخارجية والداخلية على السواء. تحياتي حائط