18 ديسمبر، 2024 12:08 م

الحقيقة واعدائها الجاهلون

الحقيقة واعدائها الجاهلون

لم اكن حالما …
لم اكن في غفلة …
انا يقظ واشهد الذي يجري بأم عيني .
تمتد يدي الى رأسي واضغطه بهما ,ثم افتح عيني وانظر الافق وتدهشني تلك الصور التي اراها …
اعود وأتساءل :
هل انا في حلم…؟
كأني شهدت خطوات نبي الله أدم ابو البشر توسم ترابك الطاهر بميسم الكبرياء وتعلن للملاء ان هذا هو العراق .
كأني شهدت النبي نوح منقذ البشر يسير بسفينته يعبر المسافات وهي تشق عباب الموج وطغيان الطوفان ثم تهبط عند ارضك الطيبة بأمر الاله إذ عادت حمامة السلام اليه بالغصن الاخضر تحمله بمنقارها والطين بأرجلها فعرف انها علامة الحياة وان هنا ارض يبدأ بها الحياة وهي علامة السلام .
اظل اراقب واطيل النظر……..
ها هي السفينة عند الجودي تحط رحالها ويعلن النبي ان هذا هو المرسى وفي هذه الارض سيكون لنا وطن .هذه هي الاشارة ان هذا بلد المقدسات ومهبط الوحي وارض الحضارة.
كأني شهدت ابا الانبياء ابراهيم الخليل عليه السلام يحطم صغار الاصنام ويضع المعول برقبة كبيرها وعند المحاكمة يقول: ( بل فعله كبيرهم هذا فأسالوهم ان كانوا ينطقون)
ما كذب النبي وما كان كاذبا حاشاه فانهم لا ينطقون
ودونما خوف او وجل واجه النمرود قائلا :
ان الله يحي ويميت
قال النمرود : انا احي واميت
قال ابراهيم عليه السلام:
ان الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب…………………
فبهت الذي كفر
هكذا كان النبي ابراهيم متعبدا لله عز وجل مؤمنا موقنا لديه الحجة والبرهان عن علم لاعن جهل وليس كالأغلبية التي قالت :انا وجدنا ابائنا كذلك يفعلون وانا على اثارهم مهتدون …………………..
انى لهم الهداية وهم يعبدون الاصنام ليس في ذلك الزمان فحسب بل في مختلف ايام الزمان وليست اصنام الحجارة فحسب بل مختلف الاصنام ,الانا, الجاه .السطوة ,التسلط, المال, الذهب ,الشهرة ,و,و,و………………
فيك يا وطني وعلى ارضك الطيبة اضرمت النار لإبراهيم ليحرق فيها بأذن النمرود الطاغية لكن الله تعالى اذن وامر ان تكون بردا وسلاما
يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم
فكانت بردا وسلاما على ابراهيم
………………..
وقف امامي وشد على يدي قائلا:
الحيرة قل لها كفى ,الامس مضى والغد في علم الغيب عليك يومك فاطلب من الله تعالى ان يهبك الارادة والقوة بأن تجعله مزدهرا وبهذا تكون قد حققت مستقبل مشرق واستفدت من دروس الامس وعبرتها.
وهل اثمت اذ قلت ان وطني وطن الحضارة…؟
لا ليس ذلك بالإثم ولكن الماضي مضى ولن يعود .عليك ان تجعل حاضرك متحضرا ,عليك ان تنهي هذا التمسك بالأمس لان حاضرك مؤلم ويحتاج الى جهود جبارة لتنهض بوطنك الذي تحب وترتقي به الى سبل الازدهار والتقدم ليأخذ مكانته السامية بين الاوطان.
بدى كلامه منطقيا لكني رحت أتساءل :
وماذا يمكن لفرد ان يفعل وما مدى تأثيره وسط هذا الخراب…؟
انا اوافقك الرأي ,لكن مع هذا علينا ان لا نستسلم لهذا الواقع وهذا يوجب علينا بناء الانسان اولا, اجل بناء الانسان …فلنبدئ بأنفسنا ولتكن خطوة في طريق الاف الاميال .
سيمضي عمرنا ولا نستطيع ان نحقق ما نرجوه لان الجميع ينادي بالإصلاح ولا ندري من هو المفسد ولا نعلم اين هي الحقيقة…؟
. الحقيقة : اكثر مفردة في التاريخ اريقت حولها الدماء و جاهد من اجلها البشر.
اتراها صعبة المنال الى هذا الحد…؟
اجل خاصة حين تختلط الامور وتتداخل الخطوط وتتشابك القواسم المشتركة
بعد لحظات من الصمت غمغم قائلا:
اجل الحقيقة صعبة وربما تكون قاسية فكم بذل من اجلها الانبياء جهودا بالغة لترسيخ مفاهيم وعقائد ما كانت لترسخ لولا ذلك الجهد وكذلك فعل العلماء والفلاسفة والمصلحين على مدى العصور وكم تعرضوا للأذى فعناد الجهل والتعصب الاعمى سلاح قوي وذو تأثير جهنمي يدار من قبل ذوي الشأن وتصدر احكامهم الظالمة …
اعرف ذلك وادرك ان التضليل المنظم للعقل الجمعي سلاح ذو تأثير عظيم سحق بقوته الكثير من العظماء والعلماء فهو اشبه ما يكون بسم الثعبان الذي ليس دواء.
عبرت نفسي افاقا الى زمن سحيق مضى وكأني شهدت سقراط بيده الكأس كأس المنية تناولها بيديه وكان بإمكانه ان لا يذوقها لكنه اراد ان يؤكد الحقيقة التي يؤمن بها فلو فعل غير ذلك لما كان لتلك الحقيقة من مصداق او لما وجد لها من مصدق …سقراط وسط تلاميذه تناول كأس السم متشوقا للموت كمن يتشوق للقاء الاحبة يقول امير الشعراء أحمد شوقي :
سقراط اعطى الكأس وهي منية شفتي محب يشتهي التقبيلا
عرضوا الحياة عليه وهي غباوة فأبى وآثر ان يموت نبيلا
ان الشجاعة في القلوب كثيرة ووجدت شجعان القلوب قليلا
ان الذي خلق الحقيقة علقما لم يخل من اهل الحقيقة جيلا
ولربما قتل الغرام رجالها قتل الغرام كم استباح قتيلا
اوَّكل من حامى عن الحق اقتنى عند السواد ضغائنا وذحولا
اجل هذا هو الحال الذين يريدون الحقيقة ويعملون من اجلها تنالهم الاحقاد والضغائن من قبل ذوي العقول الجاهلة الذين يقولون هكذا وجدنا ابائنا وانا على اثارهم مهتدون .
رفع صاحبي صوته مقاطعا حديثي قائلا:
قديما قالوا ان الارض هي ( مركز الكون)وهذه الخرافة سيطرت على البشرية لألف من السنين وحين نفى (كوبر نيكون )ان الارض مسطحة وانها هي مركز الكون تعرض الى الاتهام من قبل الكنسية وحكم عليه بالإعدام لهذا لم يجد بدا من الاذعان لحكم الغالبية الجاهلية وكتب على اصبع قدمه وكان مقيدا بالحديد عبارة(ان اعدامي لا يلغي كروية الارض)
نعم هو وافق اولئك الجاهلون حفاظا على الحياة وان كان موقنا بالحقيقة حقيقة ان الارض كروية وهذا ما ثبت بالعلم والبرهان .
هكذا هو ديدن الجاهلون في كل الازمنة والامكنة وازاء الكثير من الحقائق انهم يسيرون في دروب الظلام ويرفضون السير الى طريق النور والجمال والحق المبين.
رفعت بصري الى السماء فوجدتها صافية مشرقة بنور الشمس ,,,الشمس حقيقة لا يحجبها غربال الجهل وهي مشرقة وان عشت عيون الضلالة عن اداركها.