خلال الايام الماضية ,عندما تم تكليف (مصطفى الكاظمي) بتشكيل الحكومة , ظهر على سطح الاحداث السياسية بيان لمجموعة من الضباط في جهاز المخابرات وتبنت قناة العالم الاخبارية (1) نشره ينتقد بصورة مباشرة لهاث رئيس الجهاز حول طموحه السياسي والمنصب !؟ بعيدآ عن القسم والضوابط المهنية التي يجب ان يلتزم بها !؟ حيث جاء بإحدى فقرات البيان ما نصه :” نحن (الضباط المهنيون) في جهاز المخابرات الوطني، عدم إنجرارنا وراء الطموحات السياسية للسيد معالي رئيس الجهاز/وكالة (مصطفى الكاظمي) بل ونعتبر مثل هذه الطموحات، خروجاً على الضوابط المهنية، وانحرافاً في المسار الوظيفي والمبادئ التي تأسس بموجبها الجهاز”.
المفاجأة بأن البيان اورد كذلك الالتزام بتوجيهات المرجعية بالنجف,وهي فقرة مريبة تثير الكثير من الشكوك والتوجس والخيفة لدى الطوائف والمذاهب الاخرى دون ادنى شك ,وهي مخاوف مشروعة لن يتم استهدافهم مباشرة من قبلهم لان هناك شواهد سابقة كثيرة جدآ باستهداف رجال دين سنة من خلال المنظومة الامنية والاستخبارية , حيث تضمن البيان ما نصه :” وسيبقى ملتزماً بتوجيهات سماحة المرجع الأعلى السيد علي الحسين السيستاني (دام ظله الوارف)”. نحن نستغرب بان يكون البيان في بدايته موجهآ بصورة مباشرة للمرجعية الشيعية في النجف !؟ وليس موجهآ بصورة مباشرة إلى المرجعية الحكومية أو حتى مرجعية الشعب(مجلس النواب)على أقل تقدير ,وليس إلى مرجعية دينية معينة دون غيرها من بقية مراجع الدين المنتمين للطوائف الاخرى ؟ إذا كانت مهنيتهم الوظيفية حسب ما يدعون أنهم لكل العراق وليس لجهة معينة !؟ فما علاقة المرجع وتوجيهاته بعمل الجهاز !!؟ المعروف بان المرجعية وهذا ما تدعيه بوسائل الاعلام لا تتدخل بالأمور التنظيمية والتوجيهات في كيفية عمل الاجهزة الامنية والاستخبارية,لان العراق بلد متعدد الطوائف والمذاهب والأديان ! فهل على سبيل المثال ان يقبل الجهاز أو هؤلاء المنتسبين الذين يعتبرون انفسهم الضباط (المهنيون) ان يقبلوا بتوجيهات المرجعية ورجال الدين من السنة أو الصابئة المندائيين او رجال الدين المسيحيين وغيرهم من مراجع الاديان والطوائف الاخرى الذي يزخر بها فسيفساء المجتمع العراقي !؟ أم فقط تنحصر بتوجيهات المرجعية الشيعية في النجف …
حتى ان بيانهم أتى على ذكر ( المقاومة ) وهي كلمة فضفاضة ومطاطية ليس لها أي تعريف لغاية الان !؟ فهناك خلط واضح حتى من يدعي (المقاومة) الان ,فهل هي مقاومة المحتل ؟ ام مقاومة الارهاب ؟ ام مقاومة وكشف الفساد وسراق المال العام ؟ ولكن بيانهم كشف لنا من حيث لا يدرون بان (المقاومة) والعمل معهم هم من ميليشيات ما تسمى بـ (الحشد الشعبي) حصرآ دون غيرهم من بقية (المقاومين) على حد تعبيرهم , ومما جاء من بعض فقرات البيان ما نصه :” نجد أنفسنا في صف واحد مع رؤية وتوجهات (المقاومة العراقية) في العمل على حماية سيادة العراق ، وإيقاف تدخلات المخابرات الدولية بكافة أشكالها ، والتصدي للخروقات الأمنية ، وهنا لابد لنا من الإشادة ، وتقديم معاني الاحترام ، لجميع تشكيلات المقاومة العراقية المضحية ، والتي كان لها الدور الأساسي في قيادة النصر على إرهاب داعش ” .
من فحوى هذا البيان نستشف ولو بصورة غير مباشرة بأن هناك تشكيلات خارج (المقاومة) وتشكيلات ضمن (المقاومة) وأهمها ستكون ميليشيات الحشد الشعبي التابعة حصرآ للعتبات الشيعية ( لواء علي الاكبر , أنصار المرجعية , فرقة العباس القتالية , وفرقة الأمام علي القتالية ) التي يشرف عليها وكلاء ومعتمد المرجعية بعد ان رفضت هذه الميليشيات في وقت سابق ان يكون المتسمى (أبو فدك) المسؤول المباشر عن ما يسمى بـ (حزب الله العراقي) قائدآ ومشرف عليها ليس بغض به طبعآ , ولكن كان بصورة مباشرة خوفآ من استهدافهم من قبل القوات العسكرية الامريكية بعد ان تم ادراجهم ضمن الإرهابيين التابعين لفيلق القدس الايراني , فهناك من سارع من قادتهم لغرض الانفكاك والارتباط بوزارة الدفاع ليس أيمانآ منهم ومن مرجعيتهم الرسمية بذلك الارتباط حسب ما روج له من قبلهم ,ولكن كان بالدرجة الاساس خوفآ من المصير المحتوم الذي سوف يلاقونه على يد القوات الامريكية كما مصير كل من ابو مهدي المهندس وقاسم سليماني .
صحيح أن بعد تنصيب (الكاظمي) لرئاسة الجهاز ,ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي وفي المقالات والمقابلات التلفزيونية من النواب الذين علموا بالوضع وحالة التذمر والسخط الواضحة من اغلب الضباط في جهاز المخابرات , معتبرين بالوقت نفسه بان شخصية مغمورة يترأس اخطر واهم جهاز امني بالعراق بعيدآ عن الكفاءة والمهنية والدرجة الوظيفية والاختصاص ,وخارج جميع السياقات والضوابط القانونية , فقط لان الميزة الوحيدة التي تمتع بها هو القرابة العائلية برئيس الوزراء السابق (حيدر العبادي) والذي كلفه الاخير بهذا المنصب دون استحصال الموافقة عليه من قبل مجلس النواب كما تقتضي القوانين الحكومية الرسمية في تعين الدرجات الخاصة من قبل مجلس النواب حصرآ, والتي تنص المادة (61) خامساً من الدستور انه :” يختص مجلس النواب بتعيين -رئيس أركان الجيش، ومعاونيه، ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق ، ورئيس جهاز المخابرات ، بناءً على اقتراحٍ من مجلس الوزراء” . ضارب بعرض الحائط بالوقت نفسه من يكون امينآ على تنفيذ القرارات أو هكذا يدعي …
الرأي العام العراقي من حقه ان يتسائل عن حقيقة ما وراء فحوى هذا البيان , وسط هذا الكم الهائل من فوضى القوانين والإجراءات والتعيينات الحكومية والحزبية والولاءات الخاصة والعائلية والعشائرية والتي ضربت مجتمعة مختلف مؤسسات ودوائر ومراكز ووزارات الدولة العراقية!؟, جدير بالذكر ولتذكير وحسب قانون جهاز المخابرات الذي لم يتم التصويت عليه حسب علمي لغاية هذا اليوم في مجلس النواب(2) نظرآ للخروقات الفاضحة في بعض فقرات هذا القانون ,والذي يحول جهاز المخابرات الى اداة طيعة وغير مهنية وغير وطنية بيد الاحزاب السياسية الحاكمة حصرآ ,ولن تكون السلطة التشريعية أي دور لها , وحسب المادة التاسعة / أولآ/ الفقرة “د” تنص :” يقوم جهاز المخابرات الوطني العراقي بجمع المعلومات ، وتقويم التهديدات الموجهة للأمن الوطني ، وتقديم المشورة للحكومة العراقية ، ويكون تحت السيطرة المدنية ، ويخضع لرقابة السلطة التشريعية ، ويعمل وفقاً للقانون ، وبموجب مبادئ حقوق الإنسان المعترف بها .”
[email protected]
(1)
https://www.alalamtv.net/news/4774211/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D9%86%D9%84%D8%AA%D8%B2%D9%85-%D8%A8%D8%AA%D9%88%D8%AC%D9%8A%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%AC%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%86%D8%AD%D8%AA%D8%B1%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D8%A9
(2) رئيس القضاء يبحث مع الكاظمي مشروع قانون جهاز المخابرات الوطني : إعلام القضاء / 2 شباط 2020