22 ديسمبر، 2024 2:11 م

الحقائق المغيبة في الدراسات الاجتماعية التاريخية ..

الحقائق المغيبة في الدراسات الاجتماعية التاريخية ..

قراءة في كتاب النظام الابوي واشكالية تخلف المجتمع العربي .. هشام شرابي
المجتمعات العربية مدعوة اليوم الى اعادة مفهوم الثورة الشاملة من اجل النهضة الحضارية العربية،عبر اعادة قراءة ودراسة وتحليل التاريخ والتراث الحديث،ومراجعة كل ماكتب عنهم بطريقة نقدية مجردة من الاسقاطات العاطفية او النفسية،بغية احداث طفرة نوعية في ادارة الدولة والمجتمع،دولة الامة وليس دولة الفرد وانتماءاته الاثنية او العرقية او الطائفية او القبلية والعشائرية ،ولهذا نحن مؤمنين بحاجة المجتمع العربي الضرورية او المصيرية بعد ثورات الربيع العربي والارهاب الدموي الاسود الى فتح جميع الصناديق الموروثة المغلقة دون قيود لغربلتها ومعرفة مدى تأثيرها وقدرتها على الوقوف ضد اومع التقدم والازدهار والحداثة العربية الحضارية)
التحليل الاجتماعي عادة مايكون اعمق واشمل من اي تحليل اخر ولاي مجال كان،وجهة نظرنا التي نصرعليها ولانعلم ان كانت هي متطابقة مع وجهات نظر اخرى قد تكون تم طرحها من قبل او لا هي القائلة ان اي علم او نظرية او فكر واي تحليل او بحث علم لايبنى على اسس رياضية علمية صحيحة لايمكن اعتمادها او القبول بشرعيتها بشكل مطلق،لهذا يمكن معرفة او تقييم قدرة او قوة حجة ودلالة اي بحث على الاقناع بمنطقها الرياضي-العلمي اي العقلي السليم(هذا ليس ردا اكاديميا على كتاب الباحث شرابي انما مجرد اعطاء وجهة نظر اخرى متعلقة بذات الموضوع او الاشكالية.)..
بالعودة الى اغلب كتب التوثيق او التحليل والدراسات التاريخية والحضارية نجد هناك اخفاء متعمد واخطاء مكررة في اغلب الاحيان عند الكتاب والباحثين المهتمين والمنشغلين بالدراسات الانسانية والاجتماعية او التاريخية عموما،وكانك ترى صندوق كبير مغلق توضع فيه تلك الامة او هذا الشعب، ثم تبدا سهام البحث تضرب وترفع منه حسب الرغبة والهوى والظروف والحاجة والبيئة المحيطة بهذا الكاتب او ذاك،بينما من الحكمة او الاخلاق ان يكون الباحث والمحلل والكاتب واقعيا وشاملا في القضايا والمعالجات والمناقشات والاطروحات الشاملة ،بمعنى اخر عندما يراد ان نضع اي امة او دولة في ميزان البحث والتحليل او النقد(وهي دراسات شاملة لرقعة جغرافية واسعة ولكثافة بشرية كبيرة) لابد ان نذكر جميع الظروف والحالات والظواهر السلبية القريبة اوالشبيهة بأية امة معنية بالبحث،اذ لايمكن لنا ان نقول ان الامة العربية او الاسلامية تعيش ثقافة نظام الابوة ،ولانذكر ان العالم بأسره كان يعيش تلك الظروف المتقاربة،وان اوربا الحديثة ولدت نتاج تفكك الامبراطوريات والصراعات والمؤامرات والحروب الداخلية والخارجية،ولعل الكاتب رحمه الله كان يعرف جيدا كيف نشات الولايات المتحدة الامريكية بعد ابادة الهنود الحمر ،وانتهاء الحرب الاهلية الطويلة،ام لعله نسى او تناسى وحشية بعض الامم او الشعوب الاوربية كشعب الفاكينغ (والحروب الصليبية،وابادة السكان الاصليين لبعض الدول الحديثة،واستعباد الملونين الافارقة والمتاجرة بهم.
يعد اسم الكتاب اساءة مسبقة للامة العربية”النظام الابوي واشكالية تخلف المجتمع العربي” ،بينما التاريخ يثبت بالادلة والشواهد ان الامة العربية لم تنقطع يوما عن الحضارة ،بل هي مهد الحضارات القديمة والاديان السماوية الثلاث،وكانت لهم نتاجات فكرية وفلسفية وعلمية عبر مر العصور والازمنة،الا ان الفترة التي تعد مظلمة في تاريخه الحديث اي العهد العثماني حجبت عنه التواصل الطبيعي مع العالم،وهذه ليست ادانة له كضحية مستسلمة لقدرها،انما لان المستعمر كان قريبا منهم دينيا وثقافيا ،كما كان ذلك الامر موجودا بينهم وبين الامبراطورية الفارسية،لكن لايمكن ان نجعل من التخلف الاجتماعي العربي (الذي لاينكر)تخلف موروث من العهد النبوي الشريف واعزله تماما عن التخلف الاجتماعي العالمي السائد انذاك لبقية الامم والشعوبغية تحميل الدين مسؤولية هذا التراجع الحضاري،متعكزين على شماعة حضارة بندقية ومدافع نابليون التي ضربت مصراواخر القرن السابع عشر..
يقول شرابي في كتابه(النظام الابوي واشكالية تخلف المجتمع العربي ص٤٦من خصائص التشكل الاجتماعي الابوي هناك خاصيتان اساسيتان المقاومة العنيدة لنمط القبيلة-العشيرة في وجه التغيير البنيوي ونشوء نظام عقائدي/تشريعي قوي)الحقيقة ان البناء الاجتماعي القبلي منذ العهد العباسي وصولا الى القرن التاسع عشر كان شائعا في مختلف دول العالم(العوائل او الاسر الكبيرة او الذي تحول فيما بعد الى مافيات)،وليس محصورا بالمجتمع العربي ابان الاحتلال العثماني،حيث كان القانون والنظام غائبا تماما عن تنظيم وتطوير المجتمع حتى داخل عاصمة السلطنة،ولعل الكل يعرف ان ظاهرة الفتوة والشقاوات والجماعات المسلحة وقطاع الطرق كانت منتشرة في المجتمعات العربية ايضا،وهي ظاهرة عامة تنتشر في اية دولة تضعف فيها سلطة الدولة والقانون،اذن هي ليست نزعة او طبيعة عربية بدوية متوارثة، انما نتاج وضع سياسي واجتماعي واقتصادي قائم،قد يكون امر تشخيص اسباب تخلف المجتمعات العربية مقبولة لكنها ليست ظاهرة عامة ومعزولة عن بقية الامم والقبائل الاوربية او الاسيوية(الامبراطورية النمساوية..وبقايا الشعوب الجرمانية الحديثة) ،ثم من قال ان التكنولوجيا هي فقط المعيار الوحيد الذي يمكن ان تقاس عليه حضارة الامم والشعوب،هذا يعني ان هناك فرق بين التقييم والادانة او هو عبارة عن تشخيص افوقي للازمات الاجتماعية والظواهر السلبية الناجمة عن اسباب خارجية او لا ارادية…
نجد في مورد اخر من هذا الكتاب المهم (سلبا وايجابا)،الذي كتب اولا بالانكليزية ثم ترجم للعربية (عادة الكتاب العرب المقيمين او الذين يعيشون في اوربا او امريكا ينظرون الى الامة والوطن العربي من فوق تحت ناطحات السحاب والابراج العالية وليس بطريقة مستوية واحدة)حيث يقول ” ان العناصر التي تميز التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي شهدته اوربا منذ عصر النهضة وحتى الازمنة الحديثة تنحدر من تجربتها الاقطاعية وموروثها ،لقد مثلت الاقطاعية نمطا اقتصاديا واجتماعيا ارقى واكثر تقدما من نظام الابوية السابق على الحداثة وذلك مرده لتجاوز الاقطاعية لنظام القرابة وروابط الدم التي استبدلت في اوربا بروابط اجتماعية وسياسية بينما بقيت على صلابتها في المجتمع العربي الابوي)قد يكون هناك فرق واضح بين الاقطاعية الشرقية والغربية،الا ان الاسلوب او الغاية والنتيجة واحدة هي سلطة رأس المال،لكن ان يتم ربط تحول المجتمع الغربي من حياة الاقطاع الى عصر الحداثة بهذه الطريقة الشائكة،امر غير واضح ولعل العرب عايشوا فترات الحكم الثوري بعد اسقاط الانظمة الملكية الشبه اقطاعية عبر حركات الضباط العرب الاحرار والانقلابات العسكرية الجمهورية،الذي انهى الاستعباد الاقطاعي من خلال اصدار عدة قوانين تنموية مهمة، وتتفيذ مجموعة من الاصلاحات الزراعية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية ذات الاسلوب والنمط الاشتراكي،نجحت الى حد ما في احداث نقلة نوعية في حياة وثقافة المجتمعات العربية،وكذلك رفع مستوى الاداء الحكومي الاداري والخدمي،تم تأسيس مؤسسات امنية وعسكرية وبناء مصانع ومعامل وبنى تحتية مقبولة بوقت قياسي تحسدهم عليه الامم والشعوب الاخرى،الا ان الانتكاسات والانكسارات ليست غالبا هي نتاج المجتمع الابوي، انما هي حصيلة مجموعة من العوامل الخارجية المنهكة او المؤثرة بقوة كالمؤامرات والازمات والتدخلات الاقليمية والدولية، وحتى الحروب والفتن والارهاب المنظم والاستعمار والحصار الاقتصادي الشامل،من هنا نقول ليست هناك حالة عربية موروثة مطلقة هي من ادت الى هذا التراجع الحضاري العربي،انما هي حالة عامة تتحكم بها الظروف والبيئة والعوامل المحيطة(القنبلة او الصاروخ الدقيق الموجه لضرب حافلة مليئة بالاطفال الابرياء او اهل قرية زراعية امنة لاتمثل حضارة انما ظاهرة توحش)،نفهم من صياغة عبارة الاقطاعية هي الصورة الاولية لاشكال الراسمالية الحالية،التي مرت بعدة حقب وفترات متعددة ومختلفة مع تغير الانظمة السياسية الغربية(طبقات مختلفة ،رجال الدين،طبقة النبلاء،اللوردات،والبرجوازية
،والارستقراطية )،فالاقطاع هنا هي العوائل او الاسر(العشيرة الاوربية الصغيرة)الثرية التي ظهرت قبل وبعد الحقب الاستعمارية(القرن التاسع عشر)،والتي ابتركت اسواق المضاربة والرهان والربا والمقايضة ومن ثم المصارف والبنوك واسواق الاسهم والسندات والعملات الخ.
كانت نهضة اوربا الحديثة بعد نهاية العهد الاندلسي،ومن ثم ظهرت الفترة الكونيالية العالمية،وهي ايضا اكبر واطول واوسع واكثر انتشارا في تاريخ البشرية منذ النشوء،هي عبارة عن مراحل متعاقبة للامبراطوريات الاستعمارية الكبيرة، التي توسعت وابحرت في كل الاتجهات شرقا وغربا ،شمالا وجنوبا،لقد شملت كل القارات الخمس،كانت بمثابة حقبة الهيمنة الامبراطورية الواسعة الاولى،رحلة البحث عن الكنوز والذهب وثروات الشعوب وتجارة الرقيق ،حتى قبل وصول البيض الى امريكا(الامبراطورية الفرنسية والاسبانية والبرتغالية والروسية وصولا الى البريطانية الايطالية والنمساوية وبضمنهم بالطبع العثمانية الخ.)،هذا التفاوت الكبير بين القدرات العربية والاجنبية او العثمانية لايمكن اعتبارها حالة خاصة لاتمس ثقافة وتربية او ابوية المجتمع المهزوم عسكريا وحضاريا،بالعكس هي بمثابة العقبات الطارئة المقيدة لحركة المجتمعات وتطورها وازدهارها،من جهة اخرى لايمكن اعتباران المجتمعات الغربية كانت بمستوى عال من الثقافة والوعي يفوق مايجري في بلداننا،مع ان مايقول عنه شرابي انه عصر الانحطاط وهو خضوع المجتمع العربي للسلطنة العثمانية،هو لايمثل حقبة خالية من الانجاز والابداع العربي المحدود،(بل حتى في حقبة الامبراطورية المغولية المتوحشة كانت هناك انجازات علمية وفكرية عربية واسلامية مشتركة ،ظهرت مدارس ودور لنشر العلوم والمعرفة والتدوين،منهم على سبيل المثال لا الحصرعالم الفلك والموسوعي نصيرالدين الطوسي وعالم الاجتماع ابن خلدون، والمؤرخ ابن منظور ،وعلماء الطب ابن البيطار، وابن ابي اصيبعة،وابن النفيس، وكذلك
كان هناك في الفكر والفلسفة ابن رشد، وبقية العلماء) ،ثم ينتقل الكاتب ايضا الى تفصيل وتوضيح مفهوم اللغة والخطاب والفكر يقول”تقوم العربية الكلاسيكية بأنتاج صنف من الخطاب يعبر عن الواقع بأيديولوجيا مزدوجة كامنة في سحرية اللغة وهي ناجمة عن استخدام الالفاظ الرنانة والمفردات الخطابية والاساليب البيانية والاحالات الداخلية وايديولوجيا مستمدة من سلطوية اللغة وهي ناتجة عن ومنتشرة في ظل حماية السلطة السياسية الحاكمة التيار الديني السائد،ان هذا النوع من الخطاب مهيأ للتعبير عن نوع خاص من الوجود ولتنظيم اللامعقول ولرد الحياة الى الخيال الاجتماعي”،
بالطبع ان لكل امة او شعب او ملة على وجه الارض لغة،وهي وعاء التواصل والخطاب والتفكير والابداع والمعرفة عموما،مايصفه الكاتب هي حالة وصفة عامة شاملة لكل لغات العالم،فكيف بلغة القران الكريم الاعجازية،ثم اين تلك الدولة التي لاتمتلك سلطة الخطاب الرسمي،وماعلاقة اللغة بثقافة او طرق التفكير اللامعقول او الخيالية،بالعكس ان اللغة الوحيدة في العالم التي كانت شاملة في خطابها للعقل الانساني هي اللغة العربية القرأنية ،وهل كانت الالفاظ الرنانة حصرية في اللغة العربية ام استعملتها جميع الامبراطوريات والانظمة الحاكمة الديمقراطية والدكتاتورية(على سبيل المثال لا الحصر الم تكن هناك الفاظ وعبارات رنانة في خطابات هتلر وستالين ام كانت ساذجة بائسة لاحماس فيها ايام الحروب الصليبية التي تداخلت اللغة في خطاب التحشيد المقدس مع خطاب الكنيسة)،هذه الطرق الاكاديمية المنهجية المتبعة في تفكيك الطبيعة الاجتماعية لاي امة او شعب لايمكن اعتبارها ظاهرة فردية خاصة بأمة دون اخرى،انما هي بالطبع احد جوانب او اسس البحث العلمي الدقيق لتحليل طبيعة اي مجتمع،كبقية الجوانب المهمة كالدين والطائفة والعرق والبيئة الخ.
اللغة هي مفتاح ثقافة الشعوب بما تمتلكه من عمق لفظي حسي ونفسي وتوصيفي،عبر مجالاته وافاقه الواسعة الموزعة بين الخطاب المباشر العادي الرسمي،وبين الانتاج الفكري والادبي والابداعي،فضلا عن ان لغتنا العربية غنية بثروتها القرانية،ولهذا نعتقد انها كانت احد اهم العوامل الرئيسية المساعدة في بقاء التراث والمحافظة على هوية المجتمعات العربية وحمايتها من التشرذم والاندثار بعد سقوط الدولة العباسية…
ايضا اشار الكاتب في مغالطات كثيرة الى مسألة انتشار الكتاب المقدس بعد اختراع المطبعة ،التي ادت الى انتشار قراءة الكتاب المقدس على نطاق واسع”ان قراءة الكتاب المقدس التي اتيحت للفرد عملت على احداث قفزة ثورية في مجال الفكر انها تحول من الخطاب الى تأويل النص المقدس وتفسيره….بينما في المجتمع العربي فأن الثقافة الابوية التقليدية لم تساهم ابدا على قراءة القران”
،قد يكون صحيحا ان انتشار الكتاب المقدس اتاح الى ظهور وانتشار الثورة البروتستانية كما ي
ذكر الكاتب،الا ان المقارنة ليست واقعية بين تعلق المجتمعات العربية بالقران قراءة وتفسيرا وتأويلا وكذلك حفظا،وبين علاقة اللغة اللاتينية او الانكليزية بأحداث نقلة معرفية عبر انتشار الكتاب المقدس(مع ان الحضارة الاوربية حضارة علمانية)،فقد نتج عنه وكذلك عنن اللغة العربية عموما المشتقات الخطابية الثلاث النحو والبلاغة وعلم الصرف،ثم الم يحدث القران نقلة نوعية في العهد العباسي وظهورمايعرف بالمذاهب الاربعة او المدارس الفقهية المتعددة(حركة اخوان الصفا)،وكان سببا رئيسيا في ظهور الفلسفة والطرق الصوفية،لقد كانت المطبعة اليدوية العربية متقدمة في اداءها الفكري والعلمي على غيرها من الحضارات(احياء كاملة كانت تطلق على جماعة الوراقين والنساخين في بلاد الهلال الخصيب)،بل ان اول مدرسة وجدت في العصر الحديث هي مدرسة الكتاتيب(الملا الذي يعلم الاولاد حفظ القران الكريم عبر تعلم القراءة والكتابة)التي كانت عبارة عن صفوف بسيطة لتعليم القراءة والكتابة ومعاني الكلمات وتفسيرها،ومنها تخرج اهم رواد النهضة العربية الاوائل قبل وبعد ولاية محمد علي باشا في مصر،ان الانتقال المسيحي المتأخر عن المجتمعات العربية كثيرا في الاصلاح الديني(كما اطلق عليه الكاتب الثورة البروتستانية)ليست لها علاقة وثيقة بأختراع المطبعة انما هي عبارة عن صراع داخلي طويل الامد بدء منذ العهد الروماني وانتشار المسيحية على نطاق واسع(صراع الكنائس او
الطوائف المسيحية الشرقية والغربية)،وعلاقة او تحالف الامبراطوريات مع طبقة او السلطة الدينية (البطريكية) المرافقة لجميع مراحل التطور الحضاري الاوربي،الذي ابتعد في نهاية المطاف عن الدين بجميع تفرعاته وتوجهاته وانتقاله الى مابات يعرف بالمدنية العلمانية،نتيجة التغيير العلمي الصناعي والتكنولوجي الحديث،فقد بات من الصعب اقناع الاجيال المسيحية بأن الرب هو يسوع المصلوب في الارض،اما بخصوص المسلمين فلازالت الحجج والادلة والبراهين القرانية قوية ولم تواجه او تفند بطريقة علمية عقلية مقبولة،حيث يعتبر الدين الاسلامي الاول في الاطلاع والاقبال العالمي.
اما بخصوص الاعتراض الذي يساق على ان العرب ليس لهم اي انجاز حضاري عبر التاريخ الانساني فألاثار شاهد شاخص في المتاحف الاوربية وفي ارضهم،حيث يورد الكاتب وجهة نظر مختلف عليها تاريخيا،”الاخذ برؤية الماضي العربي المجيد الذي فهم الحضارة الغربية على انها حاصل الحضارة العربية والاسلامية….ادى بدوره الى القصور الاساسي في اليقظة العربية..وسبب فشل استيعاب منطلقات الحداثة”،بالعودة التاريخ سنجد بالفعل ان الحضارة العربية والاسلامية(بما فيها الحضارات المندمجة معها السومرية والفرعونية والفارسية وبقية الحضارات المؤثرة)لديها انجازات تاريخية مهمة لانها الاولى، اي هي كما هو معلوم اصل الحضارات والاديان والخلق والتكوين،بينما كانت اوربا غائبة ولم يكن لها وجود حضاري بارز،اما ان كان القصد ان التفضيل بين الامم والشعوب على اساس الانجازات العلمية الابداعات الانسانية،فهذا الامر لايمكن انجازه او حصره بمحيط جغرافي معين،انما لازالت البشرية تتفاعل وتتواصل وتتحرك داخل ميدان حضاري مشترك،مايصنع في اوربا قد تكن مواده الاولية موجودة في افريقيا،ومايستخدم عندهم من وقود للمحركات والعجلات والطائرات والصناعات المختلفة ،هو في الحقيقة يستخرج في بلاد العرب،وبحساب بسيط كانت تجارة المبادلة قبل صناعة النقود(اعطيك تمرا فتدفع عنه قطنا او تأخذ نفطا تدفع عنه سلاحا او طائرة)هي اضا احد اهم الاسباب التي تبقى على نوعية التفاوت العلمي قائما،فالارض الزراعية منتجة وكذلك المصنع او المعمل،
اما اذا اردنا ان نحدد من الاكثر حضارة وتقدما وعلما، فهذا الامر يرجع لحاجة الناس وطبيعة حياتهم،حضارة السلاح ليست افضل من حضارة المدن الزراعية الاصيلة (الحضارة الاصيلة التي لاتتلاعب بتركيباتها وزراعتها كيميائيا كي لاتفقد طعمها وقيمتها الغذائية واصبح السرطان والامراض والفيروسات الخطيرة تهدد البشرية جميعا،فقد اورد توماس فريدمان الكاتب الامريكي في كتابه السيارة ليكساس وشجرة الزيتون،وهو يذكر كيف اثرت العولمة على حياة الشعوب،بما فيها حتى نوعية الزراعة ..لم تغير طعم الفواكه والخضروات،يروي بمامعناه كيف ان اقرباءه كانوا غير سعداء لانه لم يعد بمقدورهم الحصول على نفس الطعم… )،فأنماط الحياة الاجتماعية والمتغيرات العلمية ليست نتاج حركة شعب شاملة،انما هي نتاج الثروات التي تضخمت عبر الاستعمار والاحتلال والاستعباد ،فكل ما ابتكرته البشرية او صنعته او انتجته هو جزء من حركة الكون الطبيعية،اي انها لم تتغير وفقا لارادتها الحضارية فقط ،لكنها جزء من منظومة الخلق والتكوين(السنن الكونية)،فحالة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة الغير مسبوقة في التاريخ حاليا، ليست حالات معزولة او منفصلة عن حركة الكون بأكمله،هذا فضلا عن وجود فاصل جوهري وجذري بين الحضارة الغربية العلمانية ،وبين الحضارة الاسلامية التي تؤمن بحياة مابعد الموت،ولديها حجج وادلة عقلية على صحة القران الكريم وكل ماجاء فيه،وفقا للتجربة الاسلامية العملية التي امتدت الى يومنا هذا،مع ان الكاتب يطرح الاسماء المجددة الاولى او المهتمة بالدراسات النقدية والتحليل العقلاني لعلاقة الاسلام بالتاريخ والمجتمع ،وطريقة تفكير وتكريبة العقل العربي(محمد عابد الجابري،محمد اركون،وعبد الله العروي)،مع ان كل هؤلاء وبعكس طريقة تفكير وطرح الدكتور محمد شحرور،اعتبروا ان كل مشاكل المجتمع العربي متعلقة بالقران الكريم ونصوصه والسنة النبوية،الا ان الحقيقة لاشيء في كتاب الله يدعوا العرب الى التخلف والجاهلية،انما يحثهم دائما على التفكر والتأمل واستخدام العقل في الاعتقاد والعمل التخلص من الاصنام والمعتقدات والطقوس الخاطئة المتغلغلة في تفكيرهم وحياتهم اليومية،بمعنى اخر ان الذي ينظر للقران الكريم على انه العقبة الاساس وحجر معثرة امام تقدم المجتمعات العربية،نعتقد انه اخطأ في التحليل وخرج عن اطار التحليل العلمي الرصين،فجميع تجارب المسلمين(حتى في حياة الرسول محمد ص وازمة المنافقين ومحاولات الاغتيال والتصفية)بعد وفاة النبي محمد ص تعد مشوهة وغير مكتملة او مستقرة،كانت مابعد الرسول محمد ص فترات امبراطورية بعيدة عن روح الاسلام واهدافه،هناك تفاوت في اداء الخلفاء الراشدين (وقد شهدت اول ثورات الاحتجاج الشبه اصلاحية بعد واقعة السقيفة وصراع اختيار الخليفة الاول في عهد الخليفة الاول والثالث،حروب منع دفع الزكاة او مايسمى بحروب الردة،وكذلك واقعة مقتل الخليفة عثمان،)،وكذلك الاوضاع المتذبذبة في الفترة الاموية والعباسية،حيث شكلت مرحلة ظهور فرقة الخوارج والحركات الدينية المتطرفة قبل وبعد ظهور ابن تيمية وصولا الى الارهاب الحالي،هي انعكاس لمايسمى انحراف الخلافة او الدول الاسلامية وابتعادها عن ماجاء في القران الكريم،الازدواجية او الاشكالية المؤثرة في ثقافة المجتمع العربي،هي وليدة صراعات وازمات داخلية وخارجية غير منقطعة منذ القدم،لانها منطقة صراع الحضارات التاريخية القديمة والحديثة،فهم بعد سقوط بغداد على المغول (القرن الثاني والثالث عشر)،لم ينهضوا من اثارذلك الطوفان المدمر،الذي استمر الى اواخر الدولة العثمانية،الا انها ليست حالة فردية او ظاهرة احادية لايوجد فيها انجازات او ابداعات عربية،لكنها على كل حال حقب سوداء مرت بها اغلب شعوب الارض(الحروب الصليبية)،وكما قلنا ان حركة تطور الامم والشعوب ليست حركة معزولة،هي حركة شاملة ودائرة حول وماوراء البحار والمحيطات،مع ان التفوق الحضاري يبقى مرتبط ومتعلق دائما بالقوة الامبواطورية العسكرية والقدرات المالية،لكنها ليست معيارا وحيدا لقياس تحضر المجتمعات وتقدمهم كما قلنا ذلك سابقا ,حيث يمكن ملاحظة التراجع الديمقراطي الاوربي وصعود الديمقراطية الرأسمالية المتطرفة،وانحسار الحدود المطلقة للحريات السابقة وخضوعها لمايسمى بضرورات الامن القومي عبر مراقبة المجتمع والخصوصيات الفردية،وكذلك تنامي صعود التيارات اليمينية المتطرفة او العنصرية،وعودة الخطاب الفوقي العرقي الى الواجهة،وهي ادلة على تذبذب وتفاوت وتراجع الوعي الحضاري لدى المجتمعات الاوربية الحديثة،وقد وصف نعوم جومسكي المفكر الامريكي الاعلام وهي واجهة المجتمع وصناع القرار بأنهم يتعاملون مع الشعوب
وكأنهم اطفال او بلهاء وسذج وقد لخصها بعشر استراتيجياا مهمة (إستراتيجية الالهاء ..وابتكار المشاكل.الخ.)..
الاجحاف واضح وكبير في اعتبار ان جميع الانجازات العربية الفكرية والثقافية سلبية”يقول شرابي يمكن تسمية جميع المفكرين والكتاب العرب المنصرفين الى معالجة قضايا النقد الحضاري الحديث نقادا من الدرجة الثانية،اذ لايمكن اعتبار ايا منهم مؤرخا او فيلسوفا او عالما اجتماعيا او ناقدا ادبيا من ذوي الابداع او الاصالة،فأكثر نتاجهم الفكري تطورا لازال سلبيا في معظمة،يعالج المشاكل اكثر من التنظير لمحتواها”،ليس من الانصاف ان تقارن الحركات النقدية الخاصة بمجتمع ما مع مجتمع اخر،فلكل امة خصوصية تراثية وثقافية قديمة وحديثة،تبدأ من اللغة والدين والبيئة والمهن او الحرف، والطبيعة الجغرافية لارضهم،فالانجازات الابداعية لايمكن عزلها عن كل تلك الظروف المحيطة بالمفكر او المثقف والمجتمع،فقد كانت حركة المجتمعات العربية ومفكريها قبل وبعد الحرب العالمية الثانية مؤثرة،حيث تم طرد من جاء بعد العجوز المريض(العثمانيين) مستعمرا بفترات قياسية،لم يكن احتلالهم فيها مستقرا او بلا مواجهات مسلحة مع الثوار ،الذين كان قادتهم موزعين على مختلف شرائح المجتمع،من النخب الوطنية السياسية والدينية والعشائرية ،حيث لعبت الابوة الدينية والاجتماعية (كما يسميها الكاتب الابوة المستحدثة)دورا بارزا في تحرير الارض والمجتمع،عكس بقية الامم التي بقيت مستعمرة لعقود، بل مئات السنين(تحررت الهند بالابوة الغاندية)،وخلال تلك الفترة كانت هناك حركات ثقافية وادبية وسياسية بارزة(تأسيس اول حكومة عربية بعد خروج العثمانيين في دمشق ثم المملكة العربية السورية بدايات القرن الماضي،ثورة الشعب الجزائري بلد المليون شهيد،الخ. )،واستمرت رحلة المعاناة (وليس التخلف) بعد اتفاقية سايكس-بيكوا،وتكوين دولة اسرائيل،ورواج تجارة النفط في شبه الجزيرة العربية،لازالت الصراعات الاقليمية والدولية الامبراطورية الحديثة قائمة في منطقة الشرق الاوسط بلا رحمة.
نؤكد على ان عصر الصناعة والتكنولوجيا ليس عصرا حضاريا تراكمياخاصا،اي لم تكن هناك اي علاقة بين حركة التطور الانساني الحضاري والاكتشافات العلمية،لانها حركة بشرية مشتركة،يسهل اقتباسها وانتقالها بين الامم والشعوب في مختلف بقاع الارض،وخير مثال على ذلك تجربة ظهور دول منتجة للتكنلوجيا الحديثة في اسيا وافريقيا بشكل ملحوظ،وهي ايضا مجتمعات ابوية(متخلفة اجتماعيا ثقافيا وحضاريا )،وهناك صناعة محلية لبعض البلدان العربية بسيطة لكنها مهمة،مع العلم ان التطور والتفوق العلمي والحضاري الاوربي (والامريكي)،هو نتاج العقليات اليهودية المفكرة(الشرقية الاصل تاريخيا)المتواجدة في اوربا،وهؤلاء هم اكثر الاقليات الدينية المغلقة داخليا،وهومجتمع معزول صغير كان غالبا مايتعرض الى الاضطهاد والعنصرية، لم ولن يندمج مع المجتمعات الاوربية او اي مجتمع اخر،تبعا لخصوصيتهم الدينية والتاريخية،ولهذا تجد انه مضطرا ان ينتج فكرا لا ابويا(لاقوميا ولاطائفيا او اثنيا)،كما فعل المفكرين او المثقفين من المسيح العرب ،بطرح الافكار القومية العربية الوحدوية(كالحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يؤمن بوحدة دولة الهلال الخصيب الذي كان الكاتب احد اعضاءه)،التي هي ايضا احد اهم الوسائل للتخفيف او الحد من قوة وسطوة الحركات الاسلامية الاصولية او الدين عموما في بلدانهم،مع ان الاصولية الاسلامية(حركة اخوان المسلمين)وصلت للحكم بعد الربيع العربي ،الا انها فشلت في البقاء طويلا وخسرت كل قوتها وجماهيرها،بعد ان تحولت الى خندق الارهاب الدموي ،المحاصر من قبل جميع دول العالم،الا اننا لايمكن ان نقول ان الاصولية الاسلامية الشيعية في ايران ولبنان وسوريا والعراق واليمن لاتملك اية انجازات ناجحة شهد لها الجميع،بالاخص التجربة الصناعية والنووية الايرانية السلمية،وهي مثال على ان الاسلام لايتعارض مع العقلانية او العلم والمعرفة كما تريده الحركات الاصولية الاسلامية السنية،هناك فرق شاسع بين المدرستين،اما بخصوص ماطرحه الكاتب تحت باب مالعمل،نتفق معه حول ماقال عنه، من متطلبات المرحلة المقبلة(هذا الكلام قبل الربيع العربي فقد صدر عام١٩٨٨بالانكليزية وتمت ترجمة الكتاب للعربية بعد تحرير الكويت وتدمير العراق١٩٩٢)،”المطلب الاساس،ابتكار انماط تنظير جديدة وواقعية”
،لكننالانتفق معه على ان بناء المجتمع الحديث يتطلب القضاء على ادهى الامراض”النظام الابوي”،نعتقد ان التقدم والازدهار الحضاري الاوربي-الامريكي دخل مرحلة التراجع منذ نهاية الحرب الباردة،وصعود مايسمى بنظام القطب الواحد،فنتائج تلك الهيمنة الامبريالية العودة الى حرب باردة جديدة بعد الربيع العربي ،وصعود القوة الروسية من جديد في منطقة الشرق الاوسط (ونتائج الصدام مع اوكرانيا، وتبعات ضم جزيرة القرم لروسيا)،وتنامي القوة الصناعية والمالية والعسكرية الصينية،وتغير تركيبة الولاءات الاقليمية بين تلك القوى العظمى والدول الناشئة الاسيوية،لازالت التوترات الدولية في المنطقة،واستمرار التدخلات الامريكية الاوربية في سوريا من جهة،وكذلك التواجد العسكري المباشر للروس وحلفاءهم(ايران وتركيا)،وتصاعدة حدة الحرب البربرية في اليمن من جهة اخرى،كل هذه الازمات المفتلعة في المنطقة العربية،ليست منفصلة عن تاريخ طويل من الهيمنة والصراع المباشر منذ العهد العثماني،اذ لايمكن اعتبار ان الثقافة الابوية للمجتمع العربي هي احد اهم اسباب التخلف،او ان تأخر عملية تحرير المراة(وكأن الدول العربية جميعها مختزلة في صورة المراة السعودية التي حصلت اخيرا على حق قيادة السيارة) هي ايضا عامل من عوامل التراجع الحضاري،انماالحقاىق يجب ان تذكر دون اية تغييرات او اعتبارات شخصية او نزعات عنصرية،ان قوى التخلف المصطنعة في المجتمعات العربية المهيمنة على السلطة هي قوى يطلق عليها في الاوساط النخبوية والشعبية العامة عميلة للاجنبي،لابد ان يتم التحليل وفقا للسياق التاريخي او الواقعي العام،بحيث ان لايتم عزل حركة المجتمعات وتطورها عن حركة البشرية عموما، هذا لايعني ان المجتمع العربي لايعاني من التراجع الحضاري وفي جميع المجالات وعلى كافة الاصعدة والمستويات،لكنها ليست حالات شاذة عن تغيير وتراجع بقية الامم والشعوب،اذا اعتبرنا مرة اخرى ان التقدم العلمي ليس معيار تحضر المجتمعات(وهذا احد اهم شروط التحليل الاجتماعي النقدي الواقعي)،هناك بالفعل حاجة ماسة لاحداث ثورة اصلاحية شاملة في المجتمع العربي،اولا لمواجهة المؤامرات الامبريالية العالمية،والتصدي للسلاح الداخلي المستخدم من قبل تلك القوى المعادية ضدهم اي الارهاب (الحركات الاسلامية الارهابية المدعومة والممولة من قبل بعض دول الخليج والقوى الامبريالية الاجنبية)،وثانيا احداث طفرة نوعية في المؤسسات والاجهزة الحكومية التربوية والعلمية ،وانشاء مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية،وتشجيع قيام مؤسسات المجتمع المدني،ومنظمات حقوق المراة والطفل،ومن الجدير بالذكر ان اغلب الدول العربية بدأت تعمل بمبدا الانفتاح الاجتماعي (شبكات التواصل الاجتماعي)والتربوي والعلمي والاقتصادي والاعلامي الحر،وهذه هي احدى اهم مقومات النهضة والتحديث الاجتماعي،المرتبطة بأليات التحرر من القيود التراثية او الجغرافية(ولكن ليس على غرار الرأسمالية الامبريالية)بابعاد سلطة القوة الابوية السابقة التي يدعواالكاتب لتفكيكها بالكامل،(الابوة تعني من وجهة نظر الكاتب تبدا من سلطة الاب والقبيلة والعشيرة ورجل الدين وصولا الى النظام والسلطة الحاكمة)
لقد تغير كل شيء في هذا العالم،ولم يعد المجتمع العربي اسير تلك العوامل المتحللة تلقائيا،قد يكون للنزعات القبلية والعشائرية اثارا في حياة المجتمعات العربية،الا انها نتاج غياب سلطة الدولة بعد ان اضعفتها وزعزعة قوتها القوى الاستعمارية المتربصة بثروات تلك المنطقة…الشعوب العربية لازالت مضطهدة دوليا ولهذا تراجعت وتعثرت وتأخرت وانكمشت داخليا..