19 ديسمبر، 2024 1:47 ص

الحــــــــــروب العشائــــريــــــــــة 

الحــــــــــروب العشائــــريــــــــــة 

امتد الصراع من مجلس النواب بشأن استجواب وزير الدفاع خالد العبيدي الى المجتمع، لا نقصد من ذلك الانقسام بين التأييد والانحياز مع العبيدي وضده، وان كانت الحالة الاولى هي الطاغية ونال الوزير من الحضوة لدى الجمهور ما لم ينله احداً من قبله فيما بعد التغيير، نقصد دخول العشائر على خط الازمة، فكل عشيرة نصرت المنتمي لها، عشيرة العبيدي نظمت مؤتمراً تساند وزير الدفاع والجبور اعلنوا صراحة انهم مع المتهم رئيس مجلس النواب والكرابلة ايضاً حذروا عشيرة الوزير من مغبة الضرر الذي سيلحق بالنائب محمد الكربولي اذا ما ثبتت الاتهامات عليه.
للاسف برزت الولاءات البدائية وازاحت الاحتكام الى القانون والقضاء وكل طرف يشحذ ادواته المشروعة وغير المشروعة في صراعه مع الاخر ومحاولة ضربه تحت الحزام ليخر صريعاً وينتشي بانتصاره حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة العليا.
الواقع ان العشائر استخدمت من الحكام ابان الحكم الصدامي البغيض، مرة يقدمها ويعزز مكانتها ومرة اخرى يضربها ويزيحها جانباً ويهمشها بحسب الحاجة والاستخدام والتوظيف والكثير منا تابع هذه المراحل ولمسها…
الان تعود العشائر في زمن المحاصصة والطائفية والاثنية باقوى صورها وتأثيرها، وذلك لضعف الدولة والعجز عن تنفيذ القوانين والتقييد باحكامها، فأسهل الطرق للوصول الى الحق ان كان حقاً كما يعتقد البعض هو اللجوء الى العشيرة والاحتماء بقوتها وسطوتها وهيبتها.
المسؤولون بعضهم ارتد من الحالة المدنية والمواطنة اليها لانها تحقق اهدافه في الانتخابات والسطوة والحماية، فيما يوفر لابناء العمومة الجاه والنفوذ والمكاسب المادية بما في ذلك من استغلال للمنصب ..
اما البعض الاخر لم يجد بداً من مواجهة الاخر الا باستخدام اسلوبه وسلاحه وتداخلت الامور مع بعضها وتشابكت والسلطة ذاتها تشجع اللجؤ الى حماية العشيرة والاحتكام  الى جلسات العشائر والحصول على الفصول في المنازعات فيما بقى القلة متمسكون بالقانون برغم انه يضعفهم في الموقع الاضعف.
ففي أي مركز للشرطة او مشكلة يدفع المتخاصمون الى الاحتكام الى الحل العشائري الحكومة ذاتها اعلنت مراراً وتكراراً عندما تبحث مشاريع قوانين العفو تضمينها رضى اهل الضحية وتنازلهم وحل الخلافات ودياً عن طريق دفع (الدية) المحددة التي تتوقف قيمتها ومقدارها على قوة العشيرة.
كما ان المسؤولين في الاحزاب والحكومة والمجتمع ذاتهم اصبحوا يلجأون الى الحل العشائري كلنا نتذكر الفصل الذي دفعه ابو كلل جراء مناضرة مع حنان الفتلاوي في احدى القنوات التلفزيونية ومارس اكثر من مسؤول هذا الاسلوب السيء  في الوقت الذي يدعو الى بناء دولة المواطنة والقانون الذي اتضح انه ادعاء لفظي ليس الا.
ان العشائر اصبحت قوة تتحدى الدولة والمؤسسات الرسمية في بعض المناطق، وها هي البصرة الصراعات العشائرية فيها تتفجر باستمرار وتقع ضحايا وتقطع طرق وتمنع ممارسة الحياة الاعتيادية اليومية جراء هذه النزاعات التي تستخدم فيها حتى الاسلحة الثقيلة والحكومة لا تلوي على شيء مجرد متفرج وشاهد على ما يجري لا يحرك ساكناً.
ان هذا النزوع لزج العشائر لتحقيق مكاسب آنية او الحصول على ميزة على المنافس لا يؤدي الا الى تعقيد المشاكل وتعميق الانقسام في المجتمع واثارة التوترات فيه وتحويل الاخطاء الى خطايا وهي عودة الى الجاهلية البغضية ومنعاً لتطبيق القانون والى ان تأخذ المؤسسات الدولة وفي مقدمتها القضاء دورها الدستوري في اداء مهماتها ان الضعيف وغير الواثق من قضيته هو من يلجأ الى العشيرة لحسم نزاعه.
ان احتكام وزير ورئيس مجلس النواب ونائب بارادتهم او من دونها الى عشائرهم عامل ضعف وليس قوة وهو ركون الى كل ما هو مفتت لوحدة المجتمع والوطن، وتكريس للمحاصصة واشكالها وصورها البدائية والقيم والعادات البالية وعملاً على اساس انصر اخاك ظالماً او مظلوماً.
ان الطبقة السياسية المتنفذة كلها مدانة ومتخلفة عن روح العصر ومسايرته وان كنا نميز بين هذا او ذاك هو تمييز بين السيء والاسوء كي تتم تسوية الطريق نحو بناء دولة المواطنة بازاحة الطرفين وانهاء عملية سياسية حملت في كل المراحل اسباب فشلها في ثناياها ولا يمكن ان يتم الاصلاح الشامل بادواتها وعناصرها.
في النهاية ان هذه المؤتمرات العشائرية والتجاذبات والصراعات فيما بين الولاءات البدائية تعيق اعمال القضاء والثقافة الوطنية وتحاصرها في مشاريع ضيقة ومحلية جداً

أحدث المقالات

أحدث المقالات