منذ كنت صغيرا كانت مدينتي تتشح بالسواد، وأنا أرى الدماء تسيل من رجال طويلي القامة، وهم يرددون ( حيدر.. حيدر) بالرغم من خوفي من الدماء، كانت أمنيتي شراء سيف لأضرب به رأسي مقلدا ما يقومون به الناس وهم يزدحمون على هذه المواكب..وأنا أردد في نفسي: إن مدينتي لا تعترف بالزمن ولا تقر بالتغيير .
أوقفتني زوجتي عند أحد الباعة لتشتري قارصات شعر،لكن ما أثارني هو الكمية التي اشترتها، وعند اعتراضي عليها قالت: سوف أعطيها إلى (الملاية) لتقرأ عليها وتوزعها على النساء العوانس حتى تفك عقدتهن، وعند اعتراضي ثانية، أجابت، إن الحسين سوف يشور بك.
– أدفع كفارة لكي تمحو ذنوبك.
– ما هي؟ وما مقدارها ؟
– ربع دينار إلى فقير في الشارع .
أصبح عندي اعتقاد أنه لا فرق بين الملحد والكافر الذي يحسب حقيقة الموت إلا موت الحقيقة، فيظل في قياس وهمه عائشا ًما عاش، كأنه بدن ميت لا نفس فيه، لسنا نبكي عليك أيها العزيز، وإنما نبكي على أنفسنا، فان ما أمامنا لا يمكن أن يكون دنيا غير الدنيا لها تاريخ غير التاريخ والحقيقة التي ضمتها ملايين المجلدات المحفوظة في القبور.
واني لأرى قوماً يطلقون لحاهم ليجعلوا أسبالها الطويلة حبالا تتعلق بها النفوس الهابطة من السماء، وآخرين يقيسون ما بين حيطان المساجد بجباههم، فلا تجد شبرا إلا وقد سجدوا عليه،تمادوا في غيهم على الله ليراهم الناس أقوياء فلا يجرأ عليهم احد، ولم يبالوا بان الله سيأخذهم بذنوبهم ما دام ذلك عقابا عليهم.