22 نوفمبر، 2024 6:59 م
Search
Close this search box.

الحظر والخطر

منذ بداية انتشار إخبار البلاء الجديد الذي يسببه فيروس كورونا COVID – 19 وحتى دخوله إلى اغلب بلدان العالم بتسارع شديد وتحوله إلى وباء عالمي حسب تصنيف WHO ، ظهرت المئات او الآلاف او الملايين من الآراء والتحليلات في التخصصات الطبية والصحية وغيرها من العلوم والفنون والآداب بعضها متفقة والبعض الأخر مختلفة وسببها هول مفاجأة الوباء ، ولكن القاسم المشترك بين الاتفاقات والاختلافات هو ليس الوقاية خير من العلاج بل إن الوقاية ثم الوقاية ثم الوقاية هي التي تجنب الإصابة بالفيروس وتغني المصاب عن ولوج علاجات أغلبها لا تزال في طور التحليل والتجريب وهي غير مؤكدة تماما حتى وان صرحت بعض الدول باكتشافها علاجات مفيدة تعين المعالجة لأغلب الحالات ، والحقيقة الدامغة بشأن العلاج الأكيد هي وجوب خضوعه لكل المراحل من الدراسة النظرية إلى الفحص والاختبارات المختبرية وبعدها التجريب على الحيوان وبعدها على الإنسان وان نجحت كل الإجراءات بشكلها الانسيابي يتم التسجيل والإطلاق ، وهي مراحل غير خافية على مختص وتستغرق سنة واحدة في أحسن الأحوال ، وفي ظل غياب العلاجات المسجلة يتم استخدام ما يمكن استخدامه على حالات مماثلة مرت على البشرية عند انتشار الأوبئة والنتيجة هي أما إكتساب الشفاء الجزئي او الكلي او فشل العلاج لحالة دون غيرها من الحالات ، وقد ثبت من الناحية العلمية والعملية في تجارب الصين ( التي ظهر فيها الوباء ) وكوريا الشمالية ( التي لم تظهر فيها إصابات بعد ) ، إن إتباع سياسات الحظر والإحتواء والعزل تعد استراتيجيات ناجحة جدا في مثل هذا النوع من الفيروسات لأنه غير معروف السلوك وله القدرة على تطوير نفسه لأنواع أخرى بمرور الوقت وعند عبوره الحدود ، وهذه الاستراتيجيات يمكن إتباعها من قبل الفرد والعائلة والمجموعات والدول ، ولو كانت الصين قد أدركتها بوقت مبكر لما تحرك الفيروس لمسافات من ووهان التي اكتشف فيها الوباء ، وحين أدركتها وعممتها على الدول تباينت ردود الأفعال فالدول التي استخدمت الحظر في الدخول والخروج منها واليها كانت أكثر قدرة على الاحتواء والعكس قد يكون صحيح .
وقد كان بإمكان العراق أن يكون أكثر قدرة على الاحتواء لو انه استخدم إجراءات مناسبة في الدخول والخروج إلى الجارة إيران ( وليس القصد التشهير باسمها قط ) وإنما لكونها الدولة الأكثر انفتاحا على العراقيين في السماح لهم بالدخول إليها برا وبحرا وجوا بدون قيود ، لان اغلب الدول الأخرى لا تسمح بالدخول إليها إلا بموافقات وإجراءات معقدة وقد تصل إلى حد الامتناع والرفض كما إنها من أسرع دول الجوار التي انتقل لها الوباء ، وحسنا فعلت خلية الأزمة عندما أصدرت تعليمات بغلق الحدود بأنواعها كافة لأنها بذلك أعطت الفاعلية لقرار حظر التجوال الذي اتخذته فيما بعد ، والغرض من حظر التجوال هو إعطاء الفرصة للجهات الصحية لاتخاذ إجراءات التحري والفحص على الداخلين قبل غلق الحدود والملامسين لهم من الأهل والأقارب والجيران وغيرهم للتأكد من عدم إصابتهم بالوباء ومعالجتهم بالإمكانيات الموجودة عند ظهور فحوصات ايجابية تشير إلى وجود الفيروس ، وقد كثفت وسائل الإعلام المحلية جهودها للسكان في ضرورة الالتزام بالحظر لغرض تجنب الملامسة مع المصابين وعدم السماح بانتقال العدوى الداخلية وظهور إصابات غير واردة للعراق ، وكما هو معروف فان ذلك لا يعني إن كل قادم للعراق هو مصاب وإنما وجود احتمال بإصابته مما يتطلب عزله لمدة ملائمة لحين ظهور الأعراض فمن لا تظهر عليه الأعراض يطلق بشكل اعتيادي نظرا لسلامته من الفيروس ، وقد كان من المؤسف هو عدم التزام البعض بالحظر إلى حد الاستخفاف واللامبالاة وإتباع دعوات ( جاهلة وربما تكون مغرضة ) لإهمال الحظر ، رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الأجهزة الأمنية بمختلف تشكيلاتها والتي وجدت عنادا أكثر من المعتاد اضطرها لإتباع أساليب أما متراجعة او بالغرامات او التهديد بالحجز والردع ، وهي إجراءات وصفها البعض بأنها قاسية رغم إنها اقل بكثير من المطلوب او التي اتبعتها أكثر وأقدم الدول ديمقراطية في العالم ، ومهما بلغت من شدة فان هدفها الحزم وحماية الشعب من الوباء لان خدماتنا الصحية تعاني القصور والتقصير والدولة تمر بمراحل عصيبة في ظل وجود حكومة لاتمتلك كامل الصلاحيات والبرلمان يتمتع بعطلة غير معروفة الأمد وقد مرت ثلاثة شهور والبلد لم تعرض موازنته المالية بعد .
وما ذكرناه يعد من التحديات والصعوبات والمعوقات التي كان المفروض أن يدركها أي مواطن لأنها من الموانع التي تقلل من فاعلية القرارات التي تتخذها خلية الأزمة التي أعلنت في أكثر من مرة إنها تواجه صعوبات في التمويل وحاجتها لإعلان حالة الطوارئ ، التي يصعب اتخاذها بوجود حكومة تصريف الأعمال لان هذا النوع من الحكومات محدودة الصلاحيات وحالة الطوارئ تعني الاستثناء من كل الصلاحيات ، وان من نتائج عدم الالتزام الكلي بحظر التجوال هو تزايد أعداد الإصابات وظهور إصابات لدى الطرف الثالث أي لدى غير الذين كانوا خارج العراق في ال4 أسابيع الماضية ، مما يعني إن الإصابات انتقلت إليهم بالعدوى بإهمال العزل والحظر وذلك يشكل خطرا على الجميع لصعوبة التمييز بين هويات وجوازات المصابين ، والأخطر من هذا الخطر إن خلية ألازمة وجدت إنها تحت ضغط إنساني يتطلب منح مزيدا من الاستثناءات بالسماح للعاملين في القطاع المالي والمصرفي وما يرتبط بهما بالسماح لهم بالتجوال وفي الدوام لتهيئة رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية والعمال المضمونين لغرض استلامها من قبل المستحقين بعد أن شحت السيولة واستحقت العديد من الالتزامات ، وهذا الاستثناء سيتم توسيعه خلال الأسبوع القادم ليشمل العموم لساعات يوميا وسيكون مؤقتا وقد يزول بزوال الغرض ، ويتوجب أن يكون سريانه بحدود الغرض ومقترنا بشرط اتخاذ إجراءات الحماية الشخصية من الكمامات والكفوف والتعقيم ، وهو ما يتطلب من كل فئات الشعب التمسك بأعلى درجات الحيطة والحذر وان كان لهم استثناء لان البلد سيدخل بتحدي جديد ، لأن الحظر يقلل الخطر وفي هذا الموضوع ليس هناك خيارات واختيارات فالمحافظة على الحياة من دون تفشي الفيروس تتطلب الالتزام بالحظر وإسقاط العديد من الحجج والاعتذارات والتبريرات حتى وان كانت مسوغة بأعذار ، فالخطر قريب والسبيل لمواجهته الآن هو الحظر إن كان لأيام او أسابيع والحظر أشبه بالغائب عن بعض الأحياء والمدن ولا يلقى الانصياع رغم انه أهون من العيش بعذابات المرض والفراق .

أحدث المقالات