إن صح التعبير فقد هضم الحداثيون كيفية خطابهم الذي يتحدثون فيه لمواجهة مارافق الشعر من الإنجازات الفكرية والعلمية بحيث يرقى هذا الخطاب باللامدرك الشعري ضمن مايستطع الشاعر من خلاله التأثير بالمسميات وإزالة السمة عن الأشياء الكثيرة اللصيقة داخل تلك التجربة المتناقضة التي تبقي كل شئ على قيد الحياة إزاء ذلك لم تكن تلك المهمة باليسيرة أمام الأفق الجديد الذي امتلأ بالرمز المبهم وباللغة المتحولة فقد اصطفت تحتها المئات من المفردات الجديدة التي كانت في الماضي تثير القئ والصدأ أمام
المتلقي ومما ساعد على ترتيب تلك المفاهيم الحداثوية الجديدة ذلك الازدهار الفكري وأهم من ذلك ذلك الأشتغال لا على ماضي التركات ولا على توقع المستقبل الزمني بل كان المؤثر النفسي للماضي والحاضر وأستحداث مفهوم اللحظة التي عني بقبولها ذلك النمو المتسارع والذي لايتيح مجالا للركود أو للتوقفات لالتقاط الأنفاس أنها شبيهه بما أصطلح عليه فيما بعد بمفهوم الومضة الشعرية كونها مقاربة لما عبر عنه بودلير في مفهومه لذلك القنص الزمني السريع (من أنها لحظة عابرة سريعة الزوال )، غير قابلة للتريث أمام الواقع وغير قابلة للأنسجام معه إذ سرعان ماتتحول العلائق الواقعية إلى شكل من أشكال الإيهام أو الحلم أو السحر الغريب بفعل ماتقوم به المخيلة من إذابة ذلك الواقع وفك إرتباطه بعضه مع بعضهُ الأخر فك الأرتباط بوقائعه المتداخله وبأحداثياته المكانية والزمانية ليتم قبوله بشكله الجديد والذي يؤمن لعميلة التخيل الفرصة المتوافقة في أعادة تشويه الواقع والقبول به وهو قبول يتم على أساس تفهم المشكلات البنائية والإستقرار البنائي وموقع مركزية الذات من الإستخدامات الفلسفية
وكيفية الخروج من المصادفة في تكرار المعنى وكذلك التحولات المفاجئة أثناء الإنتقالية بالمقاطع الشعرية من غرض لأخر،
لتأمين الشطحات الخيالية وعدم المنطق وكل ذلك يعني أن هناك حضورا للبعدين الخيالي والواقعي لتجديد أبهامها والنظر إليهما بالرؤية التي تليق والتحول باللغة من فهمها وإدراكها العفوي ألى عدم مشروطية ربطها بالواقع ليتسنى للشعر العمل بطاقة قصوى لتهذيب اللغة وتعويضها عن سباتها والالتفاف على وسائلها الإتصالية والتعبيرية،
إن الصراع بين سمات لغة ولغة يؤمن الطرائق الإستدلالية للحاجات وبما أن اللغة في ظاهرها ترمز إلى محتوياتها النفعية فأن ذلك خلق أشكالا في كيفية النظر للحاجات النفسية وكيفية الخروج من الباطن بلغة قادرة على معرفة الغيب وكتابته فقد أعتبر رولان بارت أن الكلمة لاتلزم بمعنى شائع كونها مشحونة بالتعدد الدلالي والوصول لتلك الطاقات وإلى تعددها الدلالي يستدعي تفكيك ترابطها ومعاينة أجزاءها وأستبدال أنساقها التتابعية وهي أي اللغة الجديدة إن بُنيت على هذا الخروج بالتعامل مع اللغة الشائعة القديمة فأنه لايعني أنها قد تخلت عن أسسها التقليدية ونظامها الإثرائي وأنسجامها المنطقي المحدود وهذه الانتقالية في اللغة هيأت لإنتقالية العمق الشعري المتمثل بالصورة الشعرية فمن الصورة الشارحة والوصفية إلى الصورة التي تزدوج في وعي المتلقي وتتداعى وأحاسيسه وتتشكل ضمن غاياته البعيدة في بيان أن الصورة الشعرية التي تكون في غاية السحر تلك التي لايمكن ترتيبها وتحقق جمالها من تنافرها واللامنطقية فيها وهو مايعني أن اللحظة العابرة سيكون لها حضورا أبديا وبأوجه مختلفة ،
[email protected]