23 ديسمبر، 2024 4:44 ص

الحصار على إيران ولد ميتاً ومصيرَهُ الفشل المحتوم…( تحليل)

الحصار على إيران ولد ميتاً ومصيرَهُ الفشل المحتوم…( تحليل)

لا شك أن منطقة الشرق الأوسط والخليج تشهد أزمة تتشابك فيها مصائر شعوب وأمم وترتهن بها قضايا الحرب والسلام وتتصارع على أرضها قوى عظمى واقليمية على جوائز استراتيجية ليس لها مثيل في التاريخ .. ومن تداعيات هذا الصراع المحتدم هو اصطدام المصالح الأمريكية غير المشروعة بتطلعات الشعوب الساعية نحو الحرية والإستقرار والسلام والولايات المتحدة في ظروف عالمنا المعاصر تعتقد أن أي تغيير في موازين القوى سيكون على حساب قوتها ومصالحها وهذا تفسير أحادي وغير واقعي ، ولذلك ليس من المستغرب أن نرى هذه القوة العاتية تدفع بالزمن إلى الوراء أو تحاول إيقافه عند نقطة تاريخية جامدة وهي لحظة انهيار( الإتحاد السوفييتي) وما تمثله من تحول النظام الدولي الى القطبية الواحدة..!! وهذا السلوك أكثر مما تتحمله الموازين الطبيعية وتشاكس حركتها التاريخية.. ودليل على مستوى المأزق والأزمة الأخلاقية التي تعيشها الإمبراطورية الأميريكية التي يعتريها الكثير من عوامل الضعف والتراجع الحتمي ومنها العجز الواضح في تغطية تكاليف انتشار جيوشها وأساطيلها وقد نجد لذلك تفسيرا في طلب الرئيس الأميركي من السعودية تحمل تكاليف بقاء القوات الأمريكية في سوريا إن وجدت ذلك من مصلحتها وهذا طلب غير مسبوق ويمثل تراجعا عن دور واشنطن على الصعيد الدولي بصفتها قوة ضامنة..
في اعتقادي أن أمريكا تحاول إعادة تثبيت الخطوط الحمراء في الفضاء الإقليمي والدولي وإعادة صياغة أوضاع المنطقة على نحو استراتيجي كامل والعودة إلى حقبة الحروب السرية خاصة بعد تعيين جون بولتن مستشارا للأمن القومي والذي ترتبط فيه عملياتيا وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية وبما يضع المنطقة أمام أسوأ سيناريو وهو تفجير الأوضاع من الداخل خاصة لدى الدول المناوئة للنهج الإستعماري الأمريكي ومن أجل تنفيذ هذه الأجندة فأن واشنطن تهيأ المسرح الإستراتيجي للمخطط القادم والذي يستلزم أن يكون ( مشوشا، مضطربا، منكسرا)،عبر احتواء المجتمعات المحلية بأساليب متعددة وأبرزها( الغواية، العنف،التخويف الإرهاب ، الحصار) وتحويلها إلى كيانات سلبية غائبة عن الوعي وعاجزة عن الفعل وحشرها في أزمات اقتصادية وخدمية عاصفة تنقل اهتماماتها واهتمامات حكوماتها إلى طوارئ الأزمة الاقتصادية والخدمية فيما تمرر واشنطن مخططاتها بعد أن تكون قد شاغلت الشعوب عن المخاطر الحقيقية المحدقة بالأمن الوطني والقومي تحت ضغوط الأزمات الداخلية.. وهذا ما تحاول أمريكا ممارسته على الجمهورية الإسلامية في إيران عبر الحصار الإقتصادي ، وليس مستبعدا أن تلجأ واشنطن إلى كل الأساليب القذرة لتحقيق أهدافها ومنها إيقاظ الكثير من التناقضات ودفعها الى مسرح الأحداث مع تفجير أزمات متتالية (اقتصادية،خدمية،اجتماعية، طائفية،أمنية)…
وأهم الأساليب التي ستستخدمها واشنطن في معركة الحصار الإقتصادي هي:
الإعتماد على ربيبتها (إسرائيل) باعتبارها (العصا الغليظة) التي تستهدف من يحاول الإعتراض والتصدي للمخططات الأمريكية وهذه العصا في اعتقادي ستتكسر على صخرة المقاومة الإسلامية والفلسطينية ورفض الشعوب المحبة للسلام للنهج العدواني والعنصري للصهاينة…
ستحاول أمريكا تسويق حصارها بواسطة منابر الدفاع الإعلامي التي تشيع العمى الإستراتيجي على المستويين الوطني والقومي وهذا يحتاج إلى ردود مدروسة.
ستسعى واشنطن إلى اعتماد سياسة الابتزاز والتخويف والعقوبات ضد الدول والشركات التي لا تلتزم بالحصار وهذا الأسلوب سيتم اختراقه والإلتفاف عليه لأنه يحتكم إلى المصالح وليس المبادئ.
لا يمكن المراهنة على الأزمة الإقتصادية في حرف البوصلة الوطنية للشعب الإيراني المسلم فلا اعتدال بين المقاومة والاستعمار ولا خيار بين المقاومة والانحياز للعقيدة والمصلحة الوطنية في مواجهة الحصار والعدوان والهيمنة حين تكون الأخيرة سيفا ومدفعا…
فرض الحصار الاقتصادي على الجمهورية الإسلامية في إيران يستخدم في سياق غير متجانس لأنه يناقض البيئة المناهضة للحصار ويخالف الذاكرة الإستراتيجية للحروب الأمريكية ويفتقر للمشروعية السياسية والقانونية والأخلاقية.
ستعتمد امريكا مقاربة جيراسيموف في صراعها المحتدم مع ايران وهي الاعتماد على القوى المحلية في تمرير خططها ومشاريعها وهذه القوى قد تكون دول بعضها خليجي أو قوات أو مؤسسات غير رسمية.
وأخيرا أقول أن الحصار الإقتصادي على ايران رغم الماكنة الإعلامية والسياسية الضخمة التي تسوّق له إلا أنه ولد ميتا وهذا ليس كلام سياسي إنما إحدى الحقائق الناشئة عبر التاريخ وتؤكد على أزمة المصداقية والتضليل والتناقض في الخطاب السياسي والإعلامي الأمريكي فهذا الحصار ليس من قماشة تحرير الكويت أو الدفاع عن الأكراد أو أسلحة الدمار الشامل العراقية أو نصرة الشعوب المقهورة..!! فتلك ادعاءات لم تعد تنطلي على أحد وعليه فأنني أهيب بالحكومة العراقية الحالية والقادمة أن تسجل موقفا تاريخيا في الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني المسلم في محنته وعدم الإنصياع والرضوخ للاملاءات الأمريكية فالعقل الاستعلائي الأمريكي لا يرى في أسلوب المهادنة غير استجابة مذلة لمنهج الضغط والإكراه.. ولعلي أذكّر الإدارة الأميريكية بما نصحهم به المفكر الإستراتيجي الكبير ( والتر ليبمان) حينما قال لهم ( إحذروا من البر الآسيوي لا تبتلعكم موجاته البشرية فأنتم دولة بحر ولستم دولة بر)، ولعلي أنصح وأحذر الأمريكان من غضبة الشعوب الإسلامية على التمادي في نهجها العدواني ضد إيران وشعبها المسلم فذلك الصاعق الذي سيفجر المنطقة ويطيح بما تبقى من هيبة الإمبراطورية الأمريكية تحت مطارق الغضب والمقاومة الوطنية والاسلامية وستذهب أمريكا العجوز إلى نهايتها مثل الأفيال المرهقة بالسنين الطويلة…