8 سبتمبر، 2024 2:41 ص
Search
Close this search box.

الحشــــد الشعبي بين المـُـراد منه شيعيا ً وبين ما يستدعي لانجاحه عراقيا

الحشــــد الشعبي بين المـُـراد منه شيعيا ً وبين ما يستدعي لانجاحه عراقيا

سأعتمد فيما سأعتمده لبلورة فكرتي , على معاصرتي لأنظمة حكمت العراق و طريقة فهمي لوسائل تثبيت وفرض سلطاتها إضافة الى جيشها النظامي من قبيل تشكيلات مـُنحت صفة الشعبيه والقوميه او الوطنيه لأسباب و أغراض إختلط المعلن عنها مع ما كان مخفي ومبطن لكن الحقيقه استبانت في النتائج الملموسه على الأرض.

ففي أواخرعام 1958 بعد نجاح ثورة 14 تموز التي كان للحزب الشيوعي العراقي دورا رياديا في إنجاحها ودعمها في بداية مسيرتها , ظهرت في الأفق محاولات داخليه مدعومه من أنظمة دول الجوار لإجهاض الثورة ,فما كان امام الحزب الشيوعي وبالتسيق مع الحكومه إلا تبني فكرة تشكيل ميليشيا بأسم المقاومه الشعبيه , إنضم اليها الآلاف من منتسبي الحزب و مؤازريه شباب وشابات دفاعا عن ثورتهم المجيده ومنجزاتها التي شرع القوميون العروبيون والاسلاميون بمعاونة انظمة سوريا ومصر الى أجهاضها واسقاط نظامها , فنال التشكيل في بداية تأسيسه تأييد الحكومه وزعيمها وجماهير الحزب المدافعه عن الثوره , إلا أن ظاهره تسلل المنتفعين وإنضمامهم الى المقاومه الشعبيه كانت القشه التي قصمت ظهر التشكيل فحرفته عن هدفه النبيل خاصة أثناء وما بعد القضاء على مؤامرة الشواف في 1959 , فقد برزت ممارسات مشينه من قبل عناصر المقاومه الشعبيه كالانتقام والابتزاز مشوهة بذلك سمعة التشكيل ومسببة ً الكراهية والاحقاد بين مكونات العراقيين , وبالرغم من تأكيدات شهادات العديدين من الشيوعيين والمستقلين على ان تلك التصرفات كانت شخصيه لا علاقة للحزب الشيوعي في التوجيه بها او التحريض على ارتكابها, الا ان الملامة ألقيت و مازالت تلقى على الحزب و سوء ادارته للتشكيل الذي أحرج موقف الزعيم عبدالكريم قاسم أزاء إلحاح الضباط القوميين والبعثيين مما إضطره الى إصدار اوامر حل المقاومه الشعبيه وتجريد عناصرها من السلاح وزج البعض من قادته في السجون, إذن شئنا ام أبينا فان التجربه فشلت بعد ان كان المؤمل منها ان تستمر في مساندة الثوره ومقاومة التيارات القوميه والبعثيه والاسلامويه والسبب كما اشرنا هو عدم ضبط وترتيب عملية تشكيلها وطريقة قيامها بواجباتها في مواجهة مستهدفي الثوره من الداخل والخارج.

بعد إنقلاب شباط 1963 المشؤوم, ومن أجل أن يستمكن الإنقلابيون(القوميون والبعثيون والاسلاموييون) من مسك السلطة بيد من حديد وفرض نفوذهم على أجهزة الجيش العسكريه و الشارع العراقي الملتهب , لجؤوا الى تبني النمط الذي فشل في إتباعه الحزب الشيوعي لكن باسلوب أعنف وأخلاقيه أوطأ مما يتصوره العقل, حيث تم تشكيل كتائب الحرس القومي التي راحت تمارس الجرائم وبروح انتقاميه بحق كل من ثبت اصطفافه او تعاطفه مع ثورة الرابع عشر من تموز الوطنيه , فأمتلات السجون والمعتقلات بعد ان كثرت المداهمات للمدن والقرى لملاحقة الشيوعيين ومؤازريهم بهدف تصفيتهم, اي ان هذا التشكيل في حقيقته لم يثبت لنفسه اي موقف مشرف بل جّسد أخلاقية الإنقلابيين ومدى كراهيتهم للشعب وحبهم للانتقام منه. بعد اشهر قليله ومع تصاعد وتيرة الصراعات بين قيادات الحرس القومي واطراف بعثيه من اجل الاستحواذ على الحكومه والسلطه, تعاون البعثيون مع الرئيس المرحوم عبد السلام عارف في شن حملة للقضاء على تشكيلات الحرس القومي , وقد تم لهم ذلك في تشرين من عام 1963 بعد القضاء على ميليشيات الحرس القومي لتنطوي صفحه اجراميه وحشيه قادها الحرس القومي الذي ضم عناصر بعثيه وقوميه واسلاميه متطرفه .

في تموز من عام 1968 انقلب البعثيون( احمد حسن البكر وصدام حسين ومجموعة اخرى من الضباط) على نظام الرئيس عبد الرحمن عارف شقيق الراحل عبد السلام , ومن اجل بسط النفوذ الحزبي البعثي على مفاصل سلطة البلاد خاصةفي مجالها العسكري,كان لابد من السير على خطى من سبقوهم لكن باسلوب مغاير نوعا ما حيث كانت فكرة تشكيل عسكري شعبي يضاف الى تشكيلات أفواج ما كانت تسمى بالفرسان او افواج الدفاع الكرديه الخفيفه (الجحوش) التي كانت تضم أكراد العشائر المواليه للحكومه لمحاربة مسلحي الحركه الكرديه في شمال العراق انذاك , لذا تم في عام 1970 تشكيل الجيش الشعبي الذيقيل عنه انه ظهيرا للحكومة والحزب القائد وتولية قيادته لصدام حسين الى عام 1974 ثم تم تسليم قيادته فيما بعد للنائب الضابط البعثي طه ياسين رمضان , لم يكن تسليح هذه الميليشيات ولا تدريباتها يرتقي الى مستوى تقني وفني يستحق الذكركي يؤدي دورا مشهودا مع ان تعداد متطوعيه ومنتسبيه تجاوز النصف مليون مقاتل خاصة اثناء الحرب العراقيه الايرانيه , فقد كان معظم منتسبي الجيش الشعبي من الموظفين والعاطلين من الذين لم تدعى مواليدهم الى الجيش يساقون الى التطوع بقوة التهديد , و بعد تلقيهم تدريبات عسكريه بدائيه خفيفه يوزعون الى مواقع عسكريه داخليه وحدوديه خلفيه ضمن قواطع جبهات مقاتلة الايرانيين والمسلحين الأكراد شمال العراق .

بعد هذا العرض المختصر لبعض التشكيلات الغير النظاميه(الشعبيه الفاشله) التي كان يـُنظر اليها بمثابة ظهير وسند للسلطه ولقوتها العسكريه, لكنها تلاشت حالما سقطت الأنظمه دون ان يكون لها اي دور في الدفاع عن السلطة ونظامها .

اليوم وحديث مقالنا يتعلق بتشكيل الحشد الشعبي الذي جاء إعلان تأسيسه بفتوة من المرجع الشيعي الأعلى ,لم تاتي الحاجة الى هذا التشكيل من فراغ, أنما نتيجة لأمرين متداخلين ببعضهما أولهما خطورة التهديد الذي تعرض له الوجود الشيعي في العراق من قبل

تنظيم داعش وهو في نظر المرجعيه وكما طرحته يشكل تهديد لكل العراق ومكوناته ,وثانيا عجز الجيش العراقي وضعف أدائه في الدفاع عن حياض الوطن وتكرار هزائمه سواء بسبب قلة خبرته وضعف تدريباته او نتيجة خيانات بعض ضباطه , وهنا يجب ان لا ننسى بانه بين عامل قلة خبرة الجيش وخيانات بعض الضباط, هناك جهد سياسي اخطبوطي فرض دوره لم ينفك من حياكة مؤامراته ضد العراق, إشتركت في هذا المخطط الاجرامي أطراف داخليه وخارجيه ترى في امتلاك العراق جيشا عراقيا مقتدرا خطرا يهدد مخططاتها ويمنعها من انجاز مشاريعها , وقد تجسدت بداية هذا الجهد التآمري في القرار المبكر الذي اتخذه الحاكم الامريكي بول بريمر في حل الجيش العراقي وتفكيكه مباشرة حال سقوط نظام صدام حسين, مما أدى الى شرذمة مؤسسه عسكريه متمرسه جسـّد هيبتها الجيش العراقي, تم تفكيك هذه الهيبه وتوزيع قوتها بشكل ذكي بحيث يُذكي الى استدامة صراع و فوضى داخليه يحتاجها المتآمرون على العراق , فتوزعت مراكز القوى بشكل مخطط له بين ميليشيات حزبيه طائفيه مذهبيه شيعيه من جهه وبين قوات كرديه ممثلة بالبيشمركه يهمها انجاز مشروعها القومي المرسوم لها ,توسط بين هاتين القوتين مجاميع سنيه في غالبيتها ( البعثيين الذين خسروا السلطه) اتخذت لنفسها عنوان مقاومة الاحتلال كغطاء رث وهزيل لاستعادة ما فقده البعثيون والمذهب السني من سلطه ,في ظرف كانت حدود العراق وبشكل متقصد قد استبيحت لا حارس ولا رقيب يحميها مما مهد الطريق لمجاميع القاعده الارهابيين للتسلل والاحتماء في حواضن هيأتها لهم ظاهرة الإحتراب السني الشيعي. في خضم هذه الصراعات الفوضويه و تفاصيل ألغازها التي أفضت الى غياب سلطة حكوميه ذكيه , لم يتسنى للعراق فرصة تشكيل جيش قوي يتحمل مسؤولية حماية البلاد, فكثرت عمليات التفخيخ و القتل والتهجير والنزوح أمام تعاظم دور الجهد الاسلامي السني المتطرف المدعوم بعثيا واقليميا (تركيا والسعوديه وقطر والاردن) وبتوجيه وسيطره امريكيه محكمه , فحينما إنكشف أمر القاعده بصحوة السنه المتأخره والخجوله في المنطقه الغربيه,انكمش نجم القاعده بتأثير الضربات التي تلقتها من سكان المنطقه الغربيه, ولكن تخبط الجانب السياسي الشيعي وحكومته المحاصصاتيه وعدم استيعابه لاهمية تعامله السياسي المعتدل مع واقع هوية الصراع , منح للامريكان والمتعاونين خصوبة اكثر للعمل على تهيئة وزج جهد تنظيمي آخر تحت مسمى جديد بدعم سياسي وعسكري ولوجستي اقوى مما كانت تتمتع به للقاعده , حيث ان الملاحظ لقدرات داعش يصاب بالرعب والدهشه لما تمتلكه من اسلحه وعجلات واموال وصلت الى امكانية سيطرتهم على منابع ومصافي نفطيه تكفي لتمويلهم سنوات عديده….

هكذا استطاعت داعش وفي وقت قياسي ان تلحق الهزيمه بالجيش العراقي الاشبه بالكارتونيات و تحتل اكثر من مدينه (نينوى, تكريت, الانبار, ديالى) ثم راحت تهدد بالزحف تجاه بغداد وكربلاء بعد ان غنمت مئات الالوف من قطع ومعدات اسلحة الجيش العراقي, أمام هذا الانهيار كان من الطبيعي ان تعجز العقليه الحكوميه المفككه عن اتخاذ اي قرار او اجراء عسكري نظامي لردع الدواعش وايقاف تمددهم نحو الوسط والجنوب الشيعي , فبادرت المرجعيه الدينيه الشيعيه وبشكل ذكي ومتقن الى استنهاض الوتر المذهبي لدى المواطن الشيعي اولا في فتوتها الجهاديه المشهوره , وعندما انكشفت جرائم الدواعش واستهدافها الوحشي لكل شرائح المجتمع العراقي , إكتسبت دعوة المرجعيه وحشدها الشعبي مواقف تأييد ومسانده من قبل العراقيين من غير الشيعه وغير المسلمين, بدليل وبحسب احصائيات تعلن هنا وهناك, فان قوات الحشد الشعبي الجاهزه والمشاركه في عمليات تحرير المدن قد وصل تعدادها قرابة الـــ 120 الف مسلح , فيهم ما يزيد على 25 الف سني وقرابة ثلاثة الاف مسيحي او ما يزيد بين جاهز يشارك في عمليات التحرير وبين من يتلقى التدريب للمشاركه مستقبلا في تحرير بلدات نينوى وهكذا من الشبك والتركمان والايزيديين,,,,.

في الختام نقول , لو كنا نسعى بإنصاف الى تقييم محايد ومجرد عن اي ميل او تطرف لفكر او عقيده, بإمكاننا ان نصل الى ذلك بمقارنه صريحه بين تشكيل هذا الحشد الشعبي (الشيعي في بدايته ولتكن قاعدته الاساسيه هي الميليشيات) في ظروف قاهره اقتضت تشكيله,وبين تشكيلات المقاومه الشعبيه والحرس القومي وهكذا الجيش الشعبي التي أتينا الى ذكرها في اعلاه, سنجد ان لدور الحشد الشعبي حتى لو تمناه البعض حشدا طائفيا او إتهموه بالطائفيه, فهو في مقارعته ومطاردته لجرذان داعش يؤدي دورا يتمناه غالبية العراقيين خاصة وقد تجاوز الحشد في جهوده حدود الدفاع عن الطائفه ضد طائفة اخرى, أمام صورة كهذه فيها من الأمل بما يشجعنا على ان نطالب رئاسة الحكومه ومسؤولي المرجعيه بتعميق مهمة هذا الحشد وطنيا وتوجيه قادته وافراده نحو التعامل السلس والانساني مع ابناء العراق في مدنهم وقراهم بعد تحريرها , اذ من مصلحة القائمين على جهد الحشد لو أرادوا له نصرا وطنيا, ان يهيئوا من ابناء المناطق المحرره تشكيلات شعبيه او نظاميه مدعومه حكوميا تتكفل مهمة مسك الأرض بعيدا عن روح الانتقام او فرض الوصايات المذهبيه او الدينية او القوميه, بخلاف ذلك لا قدر الله سنكون قد أفشلنا مهمة الحشد الشعبي واستهترنا بدماء شبابه لا سامح الله , اي اننا بعد ان نخلص من براثن داعش انشاءلله لا نريد للعراقيين ان يدخلو في دهاليز اعادة توزيع الادوار من اجل تقسيم العراق بين ماسش او كاردش او تاركش او شابكش اخرى , وهذا ما لا يتمناه اي عراقي شريف واصيل لابناء وطنه.

الوطن والشعب من وراء القصد

أحدث المقالات