منذ ايام وتفكيري منشغل بايجاد مقدمة مناسبة تعالج ما يثار من صراع بين الأطراف السياسية المتناحرة بشان سلاح الحشد الشعبي وربطه بسيادة العراق واستقلالية المنظومة الامنية، على الرغم من ارتباطه بهيئة رسمية تابعة لمجلس الوزراء وقانون أقره البرلمان، لكن ذاكرتي وكالعادة تحتفظ بالقضايا السلبية اكثر من الإيجابية فاستحضرت مواقف سابقة للمعترضين على استمرار وجود الحشد وبكائهم على (السيادة) التي مازالت حتى الان “منقوصة” بفضلهم.
فمرت بمخيلتي المؤتمرات التي كانت تنظم خارج العراق لحياكة المؤامرات بحضور جميع المطلوبين للقضاء والهاربين من العدالة بداية من طارق الهاشمي ولا تنتهي عند رافع العيساوي وبطل المنصات سعيد اللافي، وبعدها انتقلت الى استعداد القوات الامنية لتحرير الانبار، واستذكرت مطالبة هؤلاء بتدخل أميركي لقيادة المعارك وعدم السماح للقوات العراقية بكافة صنوفها الدخول لمدن المحافظة وكأنها قوات جاءت لاحتلال الارض وليس لتحريرها، هذه بعض المواقف ولو أردنا احتسابها منذ 2003 وحتى الان فقد تحتاج لعشرات المقالات والتقارير.
المشكلة ليست خوفا على السيادة كما يعتقد المواطن المسكين والمخدوع بالشعارات الوطنية، وإنما اختلاف في المصالح وخوف على المناصب الذي يحرك هؤلاء هذا اذا ما أردنا تبرئتهم من الاجندة الخارجية والجهات الممولة، فالصراع على بقاء الحشد الشعبي لم يقتصر على الأطراف الداخلية فقط انما، تحول الى صراع إقليمي بين اميركا وإيران فواشنطن تسعى بكل قوتها للحد من هذا التشكيل لعدة أسباب ابرزها، اعتباره البديل لحزب الله اللبناني في العراق وهو يشكل خطرا على مشاريعها المستقبلية وهذا اصبح واضحا بشكل كبير بعد اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، فالدولة التي يحلم بها “الكيان الصهيوني” لاتقتصر على القدس وإنما تمتد لتشمل سيناء مرورا بالعراق وحتى جنوبه عند مدينة العمارة قرب الحدود مع ايران، وفِي الوقت الحاضر ليس هناك قوة تهدد الحلم “الصهيوني” غير حزب الله وفصائل الحشد الشعبي وهذه حقيقة لا تحتاج للمجاملة ولا يمكن إغفالها، فإعلان ترامب الاخير كشف حجم وقدرات العرب وقادتهم التي كانت مخيبة للامال بشكل لا يمكن وصفه، فلم يبقى للإدارة الاميركية غير انهاء هذا التهديد المتمثل بالحشد فجعلت ذلك شرطا امام دعمها لحصول رئيس الوزراء حيدر العبادي على ولاية ثانية، وهو مايجعل القائد العام للقوات المسلحة امام اختبار حقيقي اما المصلحة الشخصية او الحفاظ على سيادة العراق.
نعم الحفاظ على السيادة، التي اصبح الحشد عنوانا لها فبدمائه استعاد الوطن هيبته واصبح في مكانته الصحيحة بين الدول، ومن دونها ماكان للرئيس الفرنسي ان يُسمى العبادي لدى استقباله خلال قمة المناخ الاخيرة بـ”القائد العالمي”،،، واخيرا الى الذين يتحججون بعبارة (حصر السلاح بيد الدولة) هل تستطيعون اجبار مليشياتكم التي لا تنتمي لهيئة الحشد على تسليم اسلحتها، وهل بامكانكم تجريد المواطنين والعشائر من الاسلحة وهل بامكانكم التوقف عن الاستقواء بالطرف الخارجي؟ اذا كنتم قادرين على ذلك وهو مستحيل، حينها تكلموا عن السيادة.