18 ديسمبر، 2024 6:54 م

الحشد والمرجعيّة وبناء الدولة!

الحشد والمرجعيّة وبناء الدولة!

ليس من السهولة الحديث عن الكثير من المسائل (الغامضة) في الساحة العراقيّة، ولربّما يعتبرها البعض من (الخطوط الحمراء) التي يفترض عدم الاقتراب منها، فضلاً عن مجرّد التفكير بمحاولة بيان حقيقة دورها في هذه المرحلة الخطيرة والحرجة والقلقة من تاريخ العراق!
يمرّ العراق منذ عشرة أيّام بمرحلة مفصليّة في العلاقة ما بين الحكومة من جهة وفصائل الحشد الشعبيّ بزعاماتها الكثيرة والكبيرة وقوّاتها المدجّجة بالسلاح المتطوّر من جهة أخرى.
الإشكاليّة بدأت مع اعتقال قاسم مصلح قائد عمليّات الأنبار في الحشد، وهو قائد سابق للواء “علي الأكبر”، التابع لحشد المرجعيّة الشيعيّة.
وبعد اعتقال مصلح بساعات أصدر الحشد بياناً تعهّد فيه بإطلاق سراحه قريبًا. فيما قال الجيش العراقيّ ” نفّذت قوة أمنيّة عمليّة إلقاء القبض على المتّهم قاسم مصلح، وفقاً للمادّة (4) من قانون مكافحة الإرهاب، وجاري التحقيق معه من قبل لجنة تحقيقيّة مشتركة في التهم الجنائيّة المنسوبة إليه”.
مصادر أمنيّة عراقيّة قالت إنّ عمليّة الاعتقال تمّت لضلوع مصلح في الهجمات التي استهدفت قاعدة عين الأسد الجوّيّة التي تتواجد فيها القوّات الأمريكيّة، وكذلك لاتّهامه باغتيال الناشط إيهاب الوزني في محافظة كربلاء!
حادثة اعتقال مصلح أعقبها كم هائل من التصريحات والتغريدات المليئة بالتهديد والوعيد لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي ولأذرعه العسكريّة من طرف غالبية قادة الحشد ومنهم: (هادي العامري، وأبو علي العسكري، وقيس الخزعلي وغيرهم)، وأعقبها انتشار كبير لبعض فصائل الحشد عند بوّابات المنطقة الخضراء التي تضمّ المقار المحلّيّة والأجنبيّة المهمّة، وجميع هذه التطوّرات أجبرت الحكومة على غلق بوّابات المنطقة الخضراء، ورفع جاهزيّة الجيش تحسّبا لردود الفعل غير المدروسة!
التهديدات والاتهامات لم تتوقّف عند شخص رئيس الحكومة بل وصلت إلى وزير الدفاع، جمعة عناد، الذي تورّط وتحدّث عن ضرورة معالجة موضوع (مصلح) بالطرق المنطقيّة والعقلانيّة بعيداً عن الأساليب الخاطئة!
هذه الدعوة للقانون والمنطق أدخلت الوزير في قائمة (التخوين)!
ولا ندري كيف يكون وزيراً للدفاع ويتمّ اتّهامه من قوّات تأتمر بأوامره بجملة من الاتّهامات البعيدة عن (روح الجنديّة)؟
ومع كلّ هذه التوتّرات تستعدّ ألوية الحشد بكافّة صنوفها هذا الأسبوع للمشاركة في الاستعراض العسكريّ الخاصّ بذكرى تأسيسها، وكأنّها تؤكّد للجميع أنّها كيان غير قابل للذوبان، وبأنّ الحشد، وكما قال قيس الخزعلي، قبل يومين: إرادة الله!
وبالمتابعة الدقيقة يمكن النظر لمآلات هذه التطوّرات الخطيرة كما يلي:
أتصوّر أنّ هذه العمليّة الجرّيئة لم تتّخذها حكومة بغداد من تلقاء نفسها وإنّما تمّت بالتنسيق مع قوّات التحالف الدوليّ بدليل التحقيق معه من قبل القوّات المشتركة!
الحادثة أحدثت شرخًا كبيرًا في العلاقة ما بين زعامات الحشد من جهة والمنظومة الرسميّة من جهة أخرى، وهذا الشرخ سيؤثّر حتماً على مجريات الأحداث السياسيّة والأمنيّة.
هذه التوتّرات قد تجعل العراق على أعتاب مرحلة جديدة، تتضمّن عدّة سيناريوهات، وأبرزها:
بداية بناء الدولة: وهذا يتمثّل بقدرة الأجهزة التنفيذيّة على ملاحقة المجرمين وسرّاق الأموال العامّة دون الالتفات للجهات التي تقف وراءهم، ولا لمناصبهم، وهذا الأمر صعب جدّا، حتّى الآن، ولا يمكن تطبيقه بسهولة.
بداية مرحلة الفوضى: وتتمثّل بالمواجهة المسلّحة المفتوحة بين القوّات الرسميّة وغالبيّة فصائل الحشد، وهذا السيناريو هو الأقرب والأخطر.
استمرار حالة اللادولة: وهذا يعني بقاء حالة الضياع القائمة الآن في ظلّ هشاشة غالبيّة السلطات التنفيذيّة وتمرّد عشرات القوى الفاعلة على القانون، وتحكّمها بالملفّات السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة وغيرها.
الحشد الشعبيّ الذي شُكّل بموجب فتوى (الجهاد الكفائي) للمرجع الشيعيّ علي السيستاني منتصف حزيران/ يونيو 2014 بعد سيطرة (داعش) على عدّة مدن عراقيّة، هذا الحشد أصبح، بمرور الوقت، أكبر وأضخم من الدولة، وأقوى من المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة والسياسيّة، وبالذات مع توظيف فتوى تشكيل الحشد، وسلاحه لمغانم سياسيّة وشخصيّة لا تتّفق مع الشريعة والقانون!
لقد ذكرت مراراً أن مبرّرات فتوى (الجهاد الكفائي) قد انتهت، وبالتالي يتوجّب على مرجعيّة النجف التراجع عن الفتوى، وذلك لتغيّر موجباتها، ومعلوم في العلوم الشرعيّة أنّ الفتوى تتغيّر بتغيّر الحال والزمان والمكان.
مَنْ يُريد أن يخدم العراق عليه ألا يسمح للقوى الشرّيرة أن تستخدم (فتوى الجهاد الكفائي) لذبح الإنسان والدولة والقانون، والحاضر والمستقبل!
فهل مِن مُجيب؟
dr_jasemj67@