23 ديسمبر، 2024 2:21 م

الحشد مقاومة شعبية للاحتلال        

الحشد مقاومة شعبية للاحتلال        

المسلَّمة التي يؤمن بها الجميع ان للوطن سيادة ، عرفت في معاجم القوانين بانها “وصف للدولة الحديثة يعني أن يكون لها الكلمة العليا واليد الطولى على إقليمها وعلى ما يوجد فوقه أو فيه”، وعرفت على وفق الاسلام “السلطة العليا المطلقة التي تفردت وحدها بالحق في إنشاء الخطاب الملزم المتعلق بالحكم على الأشياء والأفعال” ، وقد جاءت الدساتير مؤكدة على ما يصون هذه السيادة ، ويمنع المساس بها ، فسيادة الوطن تعني سيادة ابنائه وكرامتهم التي لا يمكن التنازل هنا او التفريط بها.
   عندما تتعرض هذه السيادة الى الخطر في الحروب يكون الجيش هو المدافع عنها ، يقف وراءه كل الشعب يرفده بكل القدرات التي تؤمن صموده لدحر المعتدين ، وعندما تخترق دفاعات الجيش ويشكل المعتدون جيوبا داخل الوطن ينخرط الشعب الى جانب الجيش في مقاومة تلك الجيوب ، وهذه مسلّمة يتعارف عليها الجميع ، ومن امثلتها المعاصرة ما حدث في اوربا ابان الاحتلال النازي لمعظم اجزائها ، فقد تشكلت منظمات لمقاومة الاحتلال الألماني في كل من الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا واليونان وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها، وتجلى فعل المقاومة في ارقى صوره في فرنسا التي انطلقت مقاومتها من خلال مجموعات صغيرة من رجال ونساء مسلحين تتالف من طبقات المجتمع كافة ، ومن كل اطيافه الممتدة من الكنيسة الى الشيوعيين ، وقد انتظمت في هذه المقاومة اسماء لامعة ، مثل الشاعرين لويس اراغون وبول ايلوار وقد خاضت فصائلها بقيادة شارل ديغول معركة تحرير باريس جنبا الى جنب مع قوات الحلفاء ، وفي لبنان عندما اجتاحت القوات الاسرائلية بيروت عام 1982 تشكلت خلايا المقاومة الاولى التي اجبرت المحتل على الانسحاب من بيروت وكانت الشرارة الاولى في مقهى “الويمبي” في الحمراء، في 24 أيلول 1982، حيث قتل شاب من الحزب القومي الاجتماعي الشوري ضابط اسرائلي وجرح جنديان ، والتحول الكبير هو كان في العملية الاستشهادية التي نفذها احمد قصير احد شباب حزب الله والتي قضت مضاجع المحتلين ثم تلتها عملية سناء محيدلي وتوالت العمليات حتى اجبر المحتل على الخروج من لبنان والاحتفاظ بشريط يحرسه العميل انطوان لحد الذي اجبرته المقاومة الاسلامية وفي عام 2000 على الهروب من الشريط الجنوبي
   اما في العراق الامر فلا يختلف ، فقد احتل تنظيم داعش ثلث الاراضي العراقية ، وقد كانت القاصمة هي احتلال عصابات داعش لمحافظة الموصل التي كان يحرسها جيش عراقي جرار ، وقد جاء هذا الاحتلال نتيجة لاسباب سياسية تتمثل في وجود ساسة لا يترفعون ترفع الوطن وسموه ، وانما هم قابعون في مستنقع اوهامهم ومصالحهم الضيقة ، وانعدام اي افق سياسي لحوار وطني يعيد صياغة الهوية الوطنية العراقية بعيدا عن ضغوط القوى الاقليمية في الخارج والشحن الطائفي في الداخل ، وقد نتج عن هذا الوضع السياسي خلل عسكري ، تمثل في تسلق ضباط غير اكفاء لا يتمتعون بعقيدة عسكرية وطنية صالحة ، تسلقوا الى مواقع قيادية عسكرية ، واذا ما فسدت القيادة انهار الجيش ، فلا يلام الجندي الذي ترك ارض المعركة اذا انهزم الضابط الذي يقود ، فما حدث في الموصل فضيحة يجب ان يقام حد القتل على القيادة العسكرية التي تسببت فيها ، اذا ما كانت هناك دولة تحترم نفسها ، فكل جرائم داعش في انتهاك الاعراض والاعتداء على الحرمات ما كان لتحدث لولا هروب القادة الكبار الذين تركوا الجنود لمصيرهم هروبا ما كان ليحدث لولا انعدام العقيدة العسكرية الوطنية عندهم
وقد زاد هذا الانكسار من طمع داعش في ابتلاع العراق كله ، فاتجهت عصاباتهم نحو بغداد ، واذا ما سقطت بغداد لا قدر الله سقط العراق كله ، حينها افتى الامام السيستاني بوجوب دفاع الناس عن انفسهم وهذا حكم ثابت في القران الكريم والسنة الشريفة ، فعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ انه قَالَ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ ، أَوْ دُونَ دَمِهِ ، أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وفي وجوب رد الصائل ، كما يصطلح على الذي يهاجم غيره عدوانا ، يروى أنَّ رجُلاً قال: يا رسولَ الله، أرأَيْتَ إنْ جاءَ رجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مالِي؟ قال: “فَلا تُعْطِه مالَك”، قال: أرأَيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قال: “قاتِلْهُ”، قال: أرَأَيْتَ إن قَتَلَنِي؟ قال: “فأنت شهيدٌ”، قال: أرأيْتَ إن قتلتُه؟ قال: “هو في النار”، ويفسر قوله تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} بأن الاستِسْلامُ للصَّائل إلقاءٌ بالنَّفْسِ للتَّهْلُكة، فيكونُ الدِّفاع عنْها واجبًا ، اما اذا كان الصائل هو تنظيم داعش فان الاستسلام له القاء بالنفس والعرض وكل القيم والمقدرات الى التهلكة ، لانه تنظيم اثبت من خلال ممارسته انه تنظيم ليس للقيم او الفضائل مكان عنده ، فالدفاع عن الدين والنفس والاهل والعرض والمال واجب مؤكد ، ترتضيه الفطرة الانسانية وتعاف القعود عنه ، ولو لم يفت الامام السيستاني لكان لزاما على العراقيين من كل الاطياف والمذاهب الدفاع عن وطنهم مثل ما دافع الفرنسيون وغيرهم من الاروربيين عن بلادهم ضد المحتل النازي ، ودافع اللبنانييون عن وطنهم ضد المحتل الاسرائيلي ، ودافع الكويتيون عن وطنهم ضد الاحتلال الصدامي ، وقد تشكلت فصائل المقاومة العراقية للاحتلال الداعشي تحت عناوين شتى يجمعها اسم الحشد الشعبي ، الذي لولاه لكانت بغداد في خبر كان ، لان الجيش الذي انهزم في الموصل وصلت تداعيات هزيمته الى بغداد ، فان للحشد الشعبي وحده يعود الفضل في ايقاف المد الداعشي المرعب ، كما ان الجيش وعلى وقع انتصارات الحشد قد اعاد تشكيل كيانه ونظف نفسه من الجبناء والمتخاذلين وتسلمت زمامه قيادات شجاعة ، لم تصب بلوثة الانكسار والهزيمة ، من ضباط اكفاء قادوا بكل شرف وبسالة معركة تحرير الفلوجة ، التي مسحت عن وجوه العراقيين اثار الذل والانكسار ، التي سببها سقوط الموصل ، فلا يمكن ان يجازى الحشد الا بالتقدير والاحترام الذي يستحقه ، ولا قيمة لاي كلام آخر خارج هذا السياق ، ولكن ما يجب ان يقال هو ان الحشد مقاومة جماهيرية وليس جيشا نظاميا ، وان مهمة حماية العراق والذود عن سيادته هي مهمة الجيش العراقي وحده ، اما الحشد فهو قوة احتياطية جاهزة لتكون ظهيرا للجيش عندما تنفرض الحاجة اليها ، ولا قيمة ايضا ، لاي كلام آخر خارج هذا السياق ، فان الفقرة باء من المادة التاسعة اولا من الدستور العراقي تنص على “يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة” ما يؤكد ان الحشد ليس مليشيا ، وانما مقاومة فرضتها ظروف احتلال ، الا عند اولئك الذين لم يروا ان الموصل محتلة ، ولم يروا ايضا ان الفلوجة قد تحررت ، وهؤلاء سقط متاع لا ينبغي ان يعتد بما يقولونه او يفكرون به ، ان كانوا قادرين على التفكير.