الحشد… لماذا يُستهدف؟

الحشد… لماذا يُستهدف؟

منذ فترة ليست بالقليلة ومقولة “التاريخ يعيد نفسه” تتجول بين افكاري، حتى تحولت لعبارة تلازمني بشكل يومي مع تصاعد الاحداث في ارض بلادنا المعمورة، التي سجلت وقائع دفعتها لاحتلال الصدارة في نشرات الأخبار العالمية ومراكز التحليل والرصد المتخصصة، لكونها شكلت ظاهرة في استيعاب الصدمات التي مرت عليها بعد العام 2003، من حرب تغيير إلى عنف طائفي، وبعدها ظهور التنظميات الإرهابية، ومعارك التحرير، وصولا إلى تطورات الصراع السياسي وكيفية تحديث ادواته بما يخدم المشاريع الخاصة ويخلق الأجواء المناسبة “لشيطنة” خطوط الصد التي تمنع المتصيدين من تحقيق اهدافهم.
بالعودة لصفحات التاريخ وتحديدا في سنوات 2012 و 2013 وصولا الى العام 2014، سنشاهد جملة من المواقف والاحداث بدايتها كانت دعوات للتحرر من ظلم الحكومة الذي تمارسه ضد مكون معين كما يدعي اصحاب تلك الشعارات، وعمليات الاعتقال التي قالوا عنها تعسفية، لكونها تستهدف الابرياء حتى ان الفقرة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، اصبحت ضمن هتافاتهم يطلق عليها “اربعة سنة” ليرتفع بعدها صوت اخر ينادي بالافراج عن “الحرائر” وهن النساء المعتقلات في السجون والتي يمارس بحقهن انواع الاعتداءات، باعتبار ان السجينات من مكون واحد، ومايجري عمليات انتقام طائفية، بحسب الماكنة الدعاية بايامها، لتدخل بعدها الاحداث مرحلة جديدة تمثلت باتهام الجيش العراقي والقوات الامنية بالاعتداء على النساء في محافظات معينة، ليتصدر تلك الحملة محافظ نينوى اثيل النجيفي الذي خرج علينا “عاقدا حاجبيه” صارخا “بان ضابطا من اهل الجنوب اغتصب امراة من الموصل”، وحينها عُقدت الندوات وُحشّدت الجيوش في ساحات التظاهرات للمطالبة بالثأر، ليتضح بعدها بان الضابط من مدينة الموصل والحادثة لم تكن عملية اغتصاب.
هنااا.. وصلنا لساحات الاعتصام التي “غزت” محافظات الانبار ونينوى وصلاح الدين، ولان الحديث عنها يحتاج عشرات المقالات سنختصرها بالتركيز على بعض النقاط ومنها خطابها الموحد وتحريضها ضد القوات الامنية وخاصة الجيش العراقي الذي وصفته منصات الساحات بانه “جيش المالكي او “الجيش الصفوي”، يرافقها تهديدات لاجتياح العاصمة بغداد واسقاط النظام السياسي وفرض قواعد جديدة تبعد المتهمين بانهم “صفوية ويمثلون الفرس” عن السلطة، ولا ننسى تطوع الاعلام العربي وبعض الفضائيات المحلية ووسائل الإعلام لمساندة تلك التحركات والتضخيم من الاحداث وردود الفعل، بالتزامن مع تدفق الاموال والدعم الخارجي الذي كان يصل لبعض الجهات التي تدير مشروع ساحات الاعتصام، وهذا باعتراف العديد من قياداتها التي كشفت المخفي والمستور بعد هروبها للبلدان المجاورة، ومنهم الشيخ سعيد اللافي، وحتى لا نبتعد عن سلسلة الاحداث، فان ساحات الاعتصام ببعض المدن تحولت وقتها الى مراكز تدريب تحتضن عناصر من التنظيمات الإرهابية وحركة النقشبندية المحسوبة على نظام البعث، استعدادا للمرحلة الاخيرة التي كانت تمهد لظهور داعش واحتلاله للمدن، من خلال اسقاط هيبة الجيش العراقي واظهاره بصورة جيش طائفي لا يمثل العراق وينفذ اجندات خارجية وانتقامية وعناصره لا يملكون القدرة على حماية المواطنين والدفاع عن شرف العراقيات.
صحيح.. ان تلك التحركات المدعومة خارجياً وداخلياً وكانت واحدة من اسبابها الانتقام لاخراج القوات الامريكية المحتلة من ارضنا في العام 2011، وقد حققت بعض اهدافها بسيطرة داعش على ثلث مساحة بلادنا، والتي دفعنا مقابل تحريرها الدماء والالاف من الشهداء الذين قدموا ارواحهم في سبيل استعادة الارض، لكنها ساهمت بولادة جهاز امني، عنوانه “الحشد الشعبي” الذي ادى دوراً اساسياً بافشال مخططات التنظيمات الإرهابية والداعمين لها، واحبط جميع المشاريع التي كانت وما زالت تسعى لاشاعة الفوضى وتخريب النظام السياسي، وخلال سنوات معدودة تحول الحشد لقوة ضاربة وكابوس “يزعج” الامريكان والمتحالفين معهم في مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي يقوده الكيان الاسرائيلي برعاية من البيت الابيض.
نعم… ولان الحشد يشكل حجرة عثرة امام مشاريعهم ويمنعهم من الاستحواذ على بلاد الرافدين، عادت تلك الجهات للسيناريوهات ذاتها التي استخدمتها مع الجيش سابقا، لكن هذه المرة مع قوات الحشد الشعبي، فمرة تنطلق حملات مدفوعة وموجهة تشمل تصريحات على الفضائيات وبيانات ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب بحل الحشد وتعتبره مليشيات خارج سيطرة الدولة، رغم ارتباطه بالقائد العام للقوات المسلحة ولديه هيئة تعمل بقانون اقره مجلس النواب قبل سنوات وقانون جديد يسعى البرلمان لاقراره رغم رسائل الرفض الاميركية، ومرة نسمع مطالبات بدمجه مع بقية التشكيلات الامنية، واكثرها “غرابة” نزع سلاحه وتحويله لمؤسسة مدنية تقدم الخدمات على طريقة وزارة البيئة، وحينما اصطدم رعاة تلك المطالب برفض شعبي لجميع محاولاتهم، توجهوا لخطة مستهلكة مضمونها “تشويه” سمعة الحشد من خلال الصاق التهم بتشكيلاته وتصويره وكانه منظمة إرهابية لا يمكن السيطرة عليه، ولعل ماحدث في دائرة زراعة الدورة، ومحاولات جعل صراع على منصب اداري تطور لاستخدام السلاح بين جهازين امنين، حدثا يهدد النظام السياسي ومؤشرا على تمرد الحشد الشعبي وخروجه ضد الدولة ومؤسساتها، وكاننا نعيش بدولة فاضلة لا تتحمل الاخطاء التي تعتبر بسيطة قياسا بالاحداث التي نشاهدها في العديد من دول العالم، لكن غاياتهم تبرر لهم “تعظيم” مثل تلك الهفوات.
وحتى نعود لمقدمة المقال بقصة التاريخ يعيد نفسه، جميعنا او اغلبنا عاش سنوات العنف الطائفي ويتذكر جيداً قصة صابرين الجنابي وكيف ظهرت بمقطع فيديو تشكو من تعرضها للاغتصاب على يد جنود في الجيش العراقي، لتتحول بين ليلة وضحاها لضحية وشاهد على “طائفية” الجيش وغياب العدالة في محاسبة المعتدين، كما روجت بعض الفضائيات والاطراف السياسية التي ارتفعت لديها حمى “الغيرة” بشكل مفرط، وحينما انتهى دور الجنابي في “المسرحية” عثر عليها جثة هامدة باحدى ضواحي العاصمة بغداد، لا عائلة سألت عنها ولا عشيرة طالبت بها، ليتضح بعد سنوات بانها حلقة ضمن “لعبة قذرة” بطلها كان نائبا لرئيس الجمهورية في تلك الايام.. والان هارب من القضاء يعيش في تركيا بعد صدور حكم غيابي باعدامه، تذكرت تلك القصة ونحن نعيش حادثة مشابهة بطلتها محامية مطرودة من نقابة المحامين تدعي بانها ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة وحمايتها من القوانين التي تسعى لعرضها كسلعة، تلك الناشطة وبعد جولاتها بين الفضائيات ومهاجمتها لمذهب ديني يمثل شريحة واسعة من المجتمع وتجاوزها على المعتقدات والشرائع، تسربت لها صور خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، رافقتها حملات موجهة بدقة تتهم امن الحشد بالوقوف وراء تسريبها، بحجة احتجازها بامن الحشد قبل نحو شهر والعبث بهواتفها الشخصية واجبارها على فتح “كلمة السر” الخاصة بهواتفها، كما ادعت خلال ظهورها بلقاءات تلفزيونية “منتشية” واعتبرت تسريب هكذا صور انتصار يحسب لمشروعها..
الخلاصة:.. ان تلك الحملات الموجهة ضد الحشد ليست “عبثية” على العكس خطواتها محسوبة بدقة والانتقال بين مراحلها يجري بتنسيق من اطراف متعددة وأدوات متنوعة تتقاسم الادوار وتحدد اوقات بث الهجمات، والهدف ازاحة اخر عقبة تمنعهم من اعادة سيناريو 2014، لكنها وقعت بخطأ الاستعجال بتنفيذ الاوامر، لانه من غير المعقول بان الحشد الذي تعرض لحملة بقضية زراعة الدورة يمنح “المتصيدين” فرصة جديدة بعد ساعات ويسرب صور المحامية المطرودة التي قد تكشف الايام من ورائها، لان القضية تثير الكثير من علامات الاستفهام، وتدفعنا للشك بان الصور لم تسرب، والناشطة التي اغرتها الشهرة قد تكون أداة، ستغادر الساحة بعد انتهاء مهمتها…. اخيراً… السؤال الذي لابد منه… هل عرفتم لماذا يستهدفون الحشد؟.
حسن حامد سرداح

 

‫أُرسلت من الـ iPhone‬

أحدث المقالات

أحدث المقالات