26 نوفمبر، 2024 10:05 ص
Search
Close this search box.

الحشد المقاوم .. جنود الله .. من سر المشروع المكتوب الى زحف المعدان/1

الحشد المقاوم .. جنود الله .. من سر المشروع المكتوب الى زحف المعدان/1

لاحظت ان اهزوجة ( يا حسين اكعد عالو بينه ) ، وهو شعار يطلقه الزوار الشيعة في زياراتهم المليونية واستخدموه كثيرا في موجة التفجيرات الدموية التي قادها متشددون من السنة ينتمون لفكر التكفير ، قد اختفى تقريبا ، وحل محله شعار ( كلنا عباس يا زينب ) ، وهو شعار استخدمته الفصائل الشيعية التي قاومت الاحتلال الامريكي للعراق ومن ثم قاتلت التكفيريين في سوريا عندما بدأوا بتهديد مقام الحوراء زينب بنت علي بن ابي طالب عليه السلام وهم يقاتلون الان ضمن فصائل الحشد الشعبي .. اريد ان اقول ان اندفاعة الحشد المقاوم لم تأتِ من فراغ بل سبقها تغيير سايكلوجي على الشيعة كجماعة ديموغرافية ، يمثل الحشد احد ابرز مصاديقه .. انها ثقافة المقاومة لكل اشكال الظلم بدل ثقافة البكاء ، والتي يجب ان تبقى في اطارها التعبدي السامي المساعد على أنسنة الفكر .. على اعتبار ان بكاء الشيعة على المعصومين (عليهم السلام) انما هو لفقدانهم كسماويين حلّوا على الارض كمصلحين مكتملي الايمان والإنسانية معا .

 

لست هنا في طور كتابة مقال تحشيدي ، فتلك مهمة الشعراء الشعبيين الذين لمع منهم اسم شاعر تتسم نصوصه التحشدية والإنسانية بعمق انساني رفيع وبملح جنوبي عراقي وتحفيز لقيم الرجولة والشجاعة الكامنة في صميم الشخصية الجنوبية العراقية . انه الشاعر فاضل حسن ، الذي كان لكلماته دور تعبوي استثنائي في التحشيد ضد التكفيريين منذ ان ارادوا ازالة حرم عقيلة الهاشميين الابية وإسقاط دمشق والى اليوم .. انا احاول هنا ان اسبر اغوار المعاني الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تقف خلف نهوض اسطورة الحشد المقاوم .. ” كعنقاء تولد من رماد العذاب والحرائق ” ، في محاولة متواضعة لتأصيل ” المؤصل ” .

عندما بحثت عن معنى كلمة معيدي لم اجد اتفاقا .. لعلها مفارقة بدلالات فاقعة الواقعية .. لا ضير .. انا استخدمها ؛ لأنها اكثر مصطلح استخدم ويستخدم الى الان في الاساءة الى اهل الجنوب .

كل العالم اليوم وفي مقدمته امريكا والغرب بدأ يدرك ان لا خيار ثالث بين التشيع المقاوم وبين التكفير ، وان ” ايجاد معتدلين لتدريبهم ” ليكونوا قوة ثالثة تكون بديلا عن التكفير المجرم والتشيع المقاوم ، لا يعدو كونه لعبة اطفال مزعجة تشبه من حيث صبيانيتها ما اراد جيفارا صناعته عبر تأسيس قطب ثالث بين امريكا والاتحاد السوفيتي ، بعد رفض دولة العمال شراء السكر الكوبي بأسعار تفضيلية مما ولد ازمة كارثية لاقتصاد الثورة الكوبية ليَسأل جيفارا نفسه : ما معنى اذا الدعم الثوري .. ؟ .. ليتكئ بعدها على مفهوم الثورة الدائمة ، ليسكت السوفييت وتدخل الـC I A لبيت الثورة الدائمة في جبال بوليفيا قاتلة الايقونة الثائرة ؛ لتتعزز العقيدة السياسية القائلة بلا جدوى الطوباوية في الفعل ذا المعنى والهدف السياسي ، ولهذا فإن الولايات المتحدة والغرب سيتركون ( مجبرين ) التشيع المقاوم يستأصل التكفير كوجود عسكري ومن ثم يعرضون خيارين لا ثالث لهما : اما التفاهم ” البراغماتي ” مع التشيع المقاوم او المواجهة ” اللئيمة ” معه .

يشير احد المحللين الى ان : الولايات المتحدة قالت ، الصيف الماضي ، بأن هزيمة داعش ستحتاج حرباً تمتد لسنوات. السنوات الثلاث هي ، فعلياً ، الفترة التي تحتاجها واشنطن لتأسيس جيشٍ لها في كردستان وبين عشائر العراق ، كما تفعل حالياً في سوريا ، بهدف بناء تشكيل عسكري يشبه «تحالف الشمال» في افغانستان ، يتبع لها ، ويقاتل مع طيرانها ، ويخوض معاركها في المستقبل .

همُّ اميركا ليس هزيمة «داعش»، بل استخدام الأزمة للدخول مجدداً الى العراق وتثبيت بنية عسكرية دائمة في المنطقة . في جلسة أخيرة للكونغرس ، لم يدافع جون كيري عن الحرب من منطلق نجاحاتها أو ضرورتها ، بل تباهى بأن «خمس دولٍ عربية سنية » تشارك ، لأول مرّة ، في حلف اميركي يضرب دولاً أخرى في المنطقة . حين يدحر العراقيون «داعش» بأيديهم ، فهم ايضاً يهزمون عدواً أخطر وأخبث وأقوى شكيمة ، ويحطمون آماله وخططه / انتهى الاقتباس .

اما انا فأقول : ان (( معرفة واقعية النصر اكثر كياسة وحكمة من الانسياق وراء الانتشاء الذي يولده الانتصار )). فالواقع لمن فهمه .. كما قرأت يوما .

 

حملة المشروع :

 

رغم كل التفاصيل الخلافية فإن دولة الولي الفقيه والسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس) ، اشتغلا ” كمنظومات سيوعقائدية ” ، ” طبعا ليس بالاتفاق ” ، وطبعا بفارق الزمن ، على شيء لم يلاحظه سواي الى الان ، وهو استخراج اللؤلؤ المكنون من قاع الهامش المظلم ، انه فكر ما بعد حداثوي ، تسليط الضوء على اصغر الاشياء ، فكيف بكتلة ديموغرافية خطيرة للغاية بمجموعها وثرواتها وتأريخها بل وحتى بمظلوميتها . دولة الولي الفقيه تعتمد الان على اولاد الملحة للوقوف سدا منيعا وصلبا للوقوف بوجه التكفيريين الذين ارادوا ويريدون احتلال بغداد وتنجيس مقام العسكريين عليهما السلام والنجف الاشرف وكربلاء المقدسة ؛ لينتقلوا بعد ذلك الى طهران ومشهد وقم المقدستين ، بعد ان احتلوا مساحات واسعة من غرب العراق . الشهيد محمد صادق الصدر ارتكز في مشروعه على اهل الجنوب كونه كان قد اتخذ قرارا بالخروج من الاطر التقليدية في العمل العام ، وتجدر الاشارة هنا الى انه رسخ رفض تقبيل العوام ليده ، وفي ذلك دلالات واضحة لما يجب على الجنوبيين تعلمه للخروج من بوتقة القهر العام والخاص .

انتبه من انتبه لما لم ينتبه اليه احد ورأى ان اهل الجنوب هم اغلبية الأغلبية الشيعية في العراق وهم حطب الحروب والثورات ولكنهم في ذات الوقت محرومون مهمشون ، وﻻ توقد لهم النيران .. ولهذا ليس مفاجئا ان يكون قادة الفصائل المقاومة جنوبيين وان سكنوا بغداد ‘ ولنسمع بألقاب : الحريشاوي والكعبي والخزعلي والـ والـ …. ( عذرا لجميع الألقاب فكلها محترمة ولكني قصدت التوضيح فقط من خلال وضع هذه الألقاب المحددة ) .

في يوم من اﻻيام كان التيار الصدري بفرعه الذي يمثله السيد مقتدى الصدر هو المعول عليه في ان يشكل تلك الرافعة السياسية التي تنقل اهل الجنوب من ذل الهامش الى عز اﻻستحقاق ” راجع في هذا المجال مقالنا المنشور بعنوان : اعتزال الصدر .. حرب على الرأسمالية الطفيلية التي سيطرت على التيار أم رسائل للإقليم ..؟

اﻻن تغيرت اﻻمور بفعل ” السلوك القيادي الخاص ” الذي يسلكه السيد مقتدى الصدر والذي في الكثير من جوانبه عصيٌّ على ادوات التحليل السياسي بشكل عام .. مثل قضية التجميد اﻻخيرة لسرايا السلام والعودة عنها .. لم نفهم لماذا تم التجميد ؟ ولماذا عاد عنه ؟.. وعندما نسأل بعض الاخوة نجاب بسيل من الماورائيات التي تبدء ولا تنتهي ..

لقد شكل غياب ” جيش المهدي ” عن معركة الدفاع عن الضريح المقدس للحوراء زينب (عليها السلام) صدمة للوجدان الشيعي ، كان من الممكن الدخول الى معركة الدفاع عن الضريح المحاصر من قبل التكفيريين المُصرّين على هدمه كما هدموا مرقد الصحابي الجليل حجر بن عدي (رض) في سوريا والكثير من الاضرحة والمقامات ، واخراج جثمانه المقدس من القبر ، هل كان ممكن ان يتخيل الشيعة بشكل عام وشيعة العراق بشكل خاص ان يهدم قبر ” اخت العباس ” ويتم اخراج جثمانها ..انها صورة استحالية حفرت في الوجدان الشيعي رعبا من الحدث ان وقع والتقصير ان اصبح حاجزا أمام ان يُحمى ضريح عقيلة الهاشميين ، لم يكن الوجدان الشيعي ليتحمل هكذا فجيعة ورزية ، ولشدة خطورة هذا المنظر المفترض ، خرج السيد نصر الله وبخطاب متلفز ليحذر ” الدول العربية المعنية ” من ان يرتكب عملاؤها مثل هذا الفعل كونه سيولد فتنة لن تُبقي ولن تذر ..

ولكن الحصار للروضة الزينبية استمر الى ان دخل اولاد الملحة المعدان ، حليقي الرؤوس ، عراة الصدور ، مرتدي الاكفان ، صارخين ملء القلب والعقل والفم : ” كلنا اخوة زينب ” و” زينب لن تسبى مرتين ” و” كلنا عباس يا زينب ” ، فانكشفت خنازير الارض وكلابها عن رقعة الطهر الزينبي الشامخ ، وليكتب المعدان وثيقة ممهورة بالدم ، مفادها ان غيرتهم الجنوبية العراقية وعقيدتهم العصموية الاثني عشرية تلتحم بالنور الذي تطاله الحوراء … في اعنان اعنان السموات ..

انه الموقف عندما تحترق اللافتات المسيسة رغم خديعة الالتواء .. انها المواساة للطف عندما يقاتل اولاد المعدان في ارض غريبة لم تطأها اقدامهم من قبل ، ولكنهم سعداء الآن .. شهداؤهم وأحياؤهم سعداء ؛ لأن اعز امانيهم الاثيرة وأحلامهم الملتاعة بحسرة شخوص الحسين وحيدا للميدان ، قد تحققت .. لقد قاتلوا معه ، تحميهم وتسددهم عباءة اخته زينب المنشورة تاجاً فوق رؤوسهم .

ان سمح لي ان اقول فسأقول بأن قرارعدم دخول هذه المعركة بالذات كان خطأً جيوستراتيجي يصل حد الغرابة .

لقد كان من ضمن الفصائل المقاومة ” يشك ايضا بمن يشك ” ، لكنه انتفض صارخا : ليذهب كل شيء الى الجحيم .. انها زينب .

وعليه ……………

كان من الممكن تلافي هذا المطب عبر اتخاذ قرار الدفاع عن المرقد الطاهر وتأمينه ومن ثم اﻻنسحاب ، على اعتبار ان العقل السياسي للتيار الصدري كان ينحو نحو اعتبار معركة سوريا هي معركة ” اﻻمبراطورية اﻻيرانية ” وليست معركة الجمهورية اﻻسلامية وشيعة العراق ، وما زاد الطين ” بلات ” كان في التصرف غير الحصيف الذي انتج رفع راية التكفيريين في مهرجان للتيار بمدينة الكوت وسط العراق قبل عامين تقريبا .

ثم جاء قرار التجميد والذي نسف ما كان مجمل اﻻعلام اﻻجتماعي للتيار يحاول نشره ، والقائل : ان التيار لن يحارب التكفيريين في سوريا حفاظا على قوة تحاربهم عند مجيئهم الى العراق .. وعندما سقطت الموصل وغيرها ووصل التكفيريون الى تخوم العسكريين (عليهما السلام) لم تكن ردة فعل قيادة التيار بحجم رغبة عناصره في احساسهم بأنهم الاولى برئاسة التصدي وليس المشاركة فيه وحسب ، ثم ختمت بغير المسك لتُجمد السرايا والموعود. .??!! .

كل هذا وغيره في اعتقادي انتج محصلة اصبح معها الحشد المقاوم هو اﻻكثر قربا ، بل اﻻكثر التصاقا بالبروليتاريا الرثة

التي ينتمي اليها وبات يمثلها بنسبة كبيرة ، تاركا التيار في قالب هلامي غير محدد الملامح .

 

العراق الجديد وحملة مشروعه :

 

” العراق الجديد ” ، كتجربة يفتقد للوضوح لما يصنفه علم الاجتماع السياسي بـ( الكتلة العقائدية الحاملة للمشروع ) ، كضرورة حتمية للنهوض الحقيقي بأي مشروع .

والذي بلا جدال لن يكون العمل او العملية السياسية الا احد مظاهرة او ادواته ، ولن يكون كل المشروع ، سيكون حينها مجرد ” شيء ” فاقد لأي محتوى قيمي وسيموت سريعا .

السؤال هنا هو : هل الحشد المقاوم هو تلك ( الكتلة الحاملة للمشروع ) .. ؟

في مطلع القرن الماضي شكل البلشفيك تلك الكتلة التي حملت مشروع الثورة الروسية ذات الاهداف الاشتراكية معتمدة على العمال بالدرجة الاولى ، والتي شكلت بالتالي الرافعة التي نقلت المشروع الماركسي بنسخته اللينينية من بطون الكتب الى مستوى الواقع ..

في ايران كان حراس الثورة الاسلامية من الايرانيين والعراقيين وغيرهم كنخبة شعبية شاملة ترتكز لقاعدة قوات التعبئة الشعبية هي تلك الرافعة التي حولت كتاب ( الحكومة الاسلامية ) للإمام الخميني ( رض) وكتابات السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) الخاصة بمفهوم الحكم الاسلامي وتفاصيله ، حولته من نظريات الى جمهورية اسلامية في ايران ومساحات شاسعة من التأثير الاجتماعي والفكري والثقافي والسياسي للإسلام المحمدي الاصيل في كل الاقليم ..

في عراق ما بعد 2003 لا يبدو ثمة وجود يقيني اوعلى الاقل وجود محدد لتلك الكتلة ، ربما لأن المشروع اصلا كان لا يزال في طور وبديهية ” المنشور السري ” ، لا يعرف اهدافه الا ( الرجال الرجال ) ، الذين كان قسما منهم خبراء في حمل المشاريع ــ حتى المستحيلة منها ــ والسير بها الى بر التجسيد الواقعي ، ومنهم من كانوا شبابا يحيطون بكارزميات اعتقدت في زحمة ظهورها من التلاشي الى الضوء انها مشروع وهي حامل لمشروع وحاميه ، لتكتشف لاحقا انها مجرد ” فاترينات ” للإلهاء ولحماية ” اصل المشروع العميق ” من خطورة وسذاجة الظهور العلني قبل النضج والإنضاج ..

هناك تعقيد .. ” فالعراق الجديد ” يختلف – اذا ما صنف كتجربة ثورية ــ عن كل التجارب الثورية الكلاسيكية ؛ لأنه وببساطه لم يسير كما الاخرين .. كما كان دائما ..

ربما ان الثورية غير الكلاسيكية التي ندعي هنا بأن العراق جسدها بعد 2003 ، تجلت في ان النظام العفلقي لم يسقط بثورة شعبية لثبات استحالت نجاحها اذا لم يوافق الغرب عليها في حينها ” الانتفاضة الشعبانية ” نموذجا ، الولايات المتحدة احتلت العراق لتسقط النظام فنهضت المقاومة الاسلامية لتسقط الاحتلال بعد ان اسقط النظام ، لقد نفذوا كما ينفذ الماء من تحت التبن ، وما اوهن التبن عندما ينساب الماء من تحته بهدوء . من هنا يمكن القول بأن العراق بعد 2003 كان تجربة ثورية غير كلاسيكية ، ربما لم يتصور احد ان كهول وشباب وفتية المشروع سيلعبون كل هذا الدور وبهذه الطريقة غير المسبوقة والتي تصل حد ” الاذهال ” .

اليوم اصبح الجنين شابا يافعا رغم انه عاش كيتيم عانى ويلات الحرمان والجوع ، الا انه وجد ” عمّاً ” حكيماً يعرف جيدا بأن ابن اخيه ثروة هائلة لا مستقبل ( للعم ) من دونها ، فرعاه ودربه وأعطاه ليسير نحو اكتمال الرجولة بكل اقتدار …

اعتقد ان للمشروع حملة وحامين ولكنهم كانوا سريين بحجم سرية المشروع المعلن ، خوفا من قتله كجنين فاقد للقوة والقدرة على الدفاع عن نفسه .

 

شيئا فشيئا فرغت العملية السياسية من المصداقية بسبب انعدام وجود الكتلة العقائدية الحاملة للمشروع وانعدام الذمة والترف والطفيليين فقدت هذه العملية حس التواصل مع الناس . . المرجو ان يكون الحشد المقام هو المصداقية الجديدة وان يكون جوهر المصداقية لعملية سياسية اكثر التصاقا بجماهيرها وأكثر حرصا عليهم وان تخدمهم وتحميهم ﻻ ان تستخدمهم للوصول ﻻهداف زعاموية وحزبية وكتلوية ، وان تكون عقائدية .

 

سمعت في وسائل الاعلام بأن وكيل وزير الثقافة فوزي الاتروشي وهو ينتمي لتحالف الكتل الكردستانية ، قال بأن المعدان لن يدخلوا كركوك ‘ لست في وارد مناقشة هذا ( وقرأت ان الرجل نفى هذا التصريح ) ، بل اريد ان اجعله مدخلا لمختصر مفيد ، وهو ان المعدان كانوا دوما حطبا لكل المتغيرات ‘ اليوم هم يزحفون لحقوقهم التي تحمل في طيات ألمها وجع “فدك” التي تحولت بنص المعصوم (عليه السلام) الى كامل الدولة التي كان يحكمها بنو العباس ‘ يزحفون مدرعين بأيدلوجية دينية مؤنسنة لكنها قوية ‘ يزحفون كما زحف فقراء باريس ليقنعوا ماري انطوانيت بأن ليس لديهم كعكاً ليأكلوه بدل الخبز المفقود ، ويزحفون كما زحف فقراء روسيا ليحطموا رأسمالية القيصر ، ويزحفون كما زحف حراس الثورة اﻻسلامية لتكسير اسطورة شرطي الخليج ؛ ليستبدلوه بجنرال مثقف يتهجد اناء الليل ويحمل السيف نهارا ؛ ليرسم حدودا ليس لشرق اوسط جديد فحسب بل لدور غُيّب قسريا وذاتيا ايضا استحقه اولاد الملحة .

ﻻ اعتقد ان اهل الجنوب سيفوتون الفرصة ؛ ﻻنهم او بشكل ادق ، ﻻن نخبهم التي ” تتشكل رويدا رويدا ” عرفت اللعبة وبدأت بإدراكها ، وعموم المعدان ” تشعر ” بالذي يجري .. لقد اعادوا قراءة النصوص الدينية المقدسة نفسها ولكن بتفسير جديد ، مفاده يتماها مع حقيقة ان الدين صديق الفقراء رغم ان علياً لم يقتله .. احد الباحثين اﻻكاديميين الغربيين وفي مقارنة رائعة بين دور الدين ممثلا بالكنسية في اوروبا القرون الوسطى وبين اﻻسلام الشيعي المعاصر ، اذ يقول : الناس في اوروبا انفضت عن الدين ممثلا بالكنيسة في اوروبا القرون الوسطى ؛ ﻻن الكنيسة مثلت مع الملكية واﻻقطاع مثلث الظلم والقهر ، اي ان الدين قهر الناس وسلبهم حقوقهم وقمعهم ، اما في الشرق فإن اﻻسلام السني اكثر قربا لدور الكنيسة الداعمة للسلطة منه الى ان يشكل حاميا للناس من ظلمها كون ان كل ﻻهوت السنة يدور حول السلطة وهو تابع لها ، اما اﻻسلام الشيعي فإنه شكل حصنا لحماية الناس من ظلم السلطة ، بل انه رفع لواء مقاومتها كما فعل الخميني في ايران ومحمد باقر الصدر في العراق ؛ ﻻن اﻻسلام الشيعي هو من يمتلك اللاهوت الديني ، اذ يعتبر ان السلطة جزء تابع وليست متبوعا بل هي مجرد اداة وليست غاية لتحقيق ما يصفونه بدولة العدل اﻻلهي. / انتهى الاقتباس .

 

اﻻغلبية الشيعية نالت بعض حقها كطائفة ولكن اغلبيتها الجنوبية لم تحصل الى اﻻن على استحقاقها ، ولن تستقيم اﻻمور اﻻ بهذا.

 

لعلنا نوفق في قادم الايام الى مناقشة الشأن والمستقبل السياسي للحشد الشعبي المقاوم والتي من ابرزها :

اولا – الاعلان عن ظهوره كقوة وطنية عسكرية بتمظهرات سياسية واعلامية تحشيدية لتحرير الوطن وابنائه وحماية المقدسات .

ثانيا – النضال من اجل بقاء العراق بحدوده الحالية ( اذ لم تحن بعد ساعة الموت الشرقي لسايكس بيكو ) .

ثالثا- محاصرة النفاق السياسي ذا الجذر الطائفي في العراق .

كل ذلك سيقود الى صناعة وولادة التجسيد السياسي الفاعل للمشروع وحامليه ليشكل زخما لا يمكن تجاوزه في صناعة تشكيل مطبخ سياسي بنفس ملامح قاعدة الحكم الجديد في العراق لكن بمضون جديد ، حينئذ سنكون امام لحظة مفصلية مفادها ان الاكبر سيبتلع الاصغر ، فالعراق المتجدد هذه المرة ، سيكون اكبر من العراق الجديد .. الذي سيغدو قديما حينها .

ربما هذا ما يفسر تهافت بعض السياسيين على ساحات القتال واخذ الصور مع المقاتلين ، ربما لانهم يعرفون جيدا بان اصل المشروعية عاد لاهله ، الان هم يهرولون للحاق بالمشروعية ، ولكن هيهات ، لان المشروعية هي لحامل المشروع وحاميه .، لا للذي يستفيد منه فقط .

 

سالت احد مقاتلي الحشد الشعبي عن حقيقة وجود مقاتلين سنة من العشائر فقال بشكل جازم : نعم ، انهم موجودون ويقاتلون معنا جنبا الى جنب بل اننا نسلمهم اﻻرض بعد تطهيرها.. فسألته مجددا محاوﻻ استفزازه ؛ كي احصل على جواب مقنع : كيف تثقون بهم ، نظر لي بغضب وقال بلهجة جنوبية لذيذة : ” جا احنه غير اكلنا وياهم زاد وملح ” .. يقاتلون ويانه داعش .. جا بعد شنو هل الحجي .. تدري استاذ( يخاطبني ) ان جبور وبعد ان شاهدوا تسامحنا مع اﻻبرياء منهم وكرمنا العربي قاموا بحركة مفاجئة. . لقد لبسوا اﻻكفان ورفعوا السلاح وصرخوا نحو داعش : ﻻ ولي اﻻ علي.

اعتقد جازما ان ما يجري والتي شكلت هذه القصة رمزية له انما يشكل نواة قوية ومستدامة لوحدة وطنية حقيقية ؛ ﻻنها معبدة هذه المرة بالدم ﻻ بالشعارات الكاذبة.

أحدث المقالات