للمرة الثانية نتناول ذات الموضوع؛ لأنه يتعلق بالقيادات التي جثمت على صدر العراق منذ اثني عشر عاما، وعاثت في الأرض فساداً من نهب للثروات و سفك للدماء وهتك للأعراض, وقد خبرنا منهم الملتحي والأمرد, وصاحب المسبحة وصاحب الكاس, والعقال والمعمَّم, الصغير و الكبير, فلم نجد فيهم أملاً إلا تفاوتاً وهو إنَّ أهل الداخل يسرقون بالدينار، أما مجاهدو الخارج فإنَّهم يسرقون بالدولار، وليت الأمر اقتصر على ذلك ؟ ولكن نارهم امتدت إلى القيم ومزَّقت النسيج الاجتماعي الذي هو بالأساس في رمقه الأخير نتيجة لسياسات صدام، فنفخوا بجمر الطائفيَّة فتمخَّض عن شيعة أغلبية واقليتين كردية وسنية .
وزاد الطين بلة؛ لأنَّ السنة لم يهضموا خروجهم من السلطة التي استمرت 1400 سنة , حتى يهضموا أنهم أصبحوا أقلية مشكوكاً بعروبة أغلبهم ؛ كونهم أتراكاً أو فرساً من الديلم على رأي الدكتور مصطفى جواد رحمه الله !!!؟
فطاشت سهامهم بكل الاتجاهات في محاولة لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، ورفضوا أن يحسبوا الحسبة داخل العراق ( كدولة ذات سيادة مستقلة لها عضويتها في الأمم المتحدة ) بل اعتبروه ( ضيعة ) من ضياع العربان التي تمتد من المحيط إلى الخليط، وبالتالي من حقِّ السنة أن يدَّعوا الأغلبية تبعاً لعمقهم الاستراتيجي واحتياطيّهم العربي الذي يناصب العداء للشيعة.
وبما أنَّ الشيعة محظورون عقائدياً وعنصرياً في العالم العربي، فإن سنة العراق وضعهم حظهم العاثر في موازنة مع شيعة العراق لا يتقبلونها، وإن تقبلوها فعلى مضض! انعكس على روح المواطنة لديهم والمصلحة العامة والولاء للعراق، وعدم الاكتراث للنسيج الاجتماعي والمال العام وحرمة الدم، واستمروا بتهميش وتحقير وازدراء الآخر، والاستهتار بالسيادة الوطنية واستنصار دول الجوار على أبناء جلدتهم .
وقد استقتل دواعش العرب الوهابية بالنفخ في قربة السنة العراقيين؛ لكي يخلقوا توازناً طائفياً، ولكن هذا النفخ اصطدم بحقائق التاريخ والجغرافية و الديموغرافيا السكانية، ولم يستطيعوا تغيير شيءٍ على أرض الواقع رغم استخدامهم لأساليب إسرائيل من خلق كانتونات مغلقة, وتهجير و تطهير عرقي، فالمحصلة النهائية إنَّ الماء أكل في الجرف السني أكثر ممَّا أكل في الجرف الشيعي، وإن الريح هبت عكس ما تشتهي سفنهم .
فانقلب السحر على الساحر وهاجت عليهم كلابهم الداعشية تنهش بأموالهم وأرواحهم و إعراضهم وتراثهم وبنيتهم التحتية، وأمعنت بهم تهجيراً وتقتيلاً .
وخلق الصراع السياسي الشيعي السني غفلة من الزمن تمدُّد الأكراد فيها على حساب الجرف السني أيضا، مع سكوت تام وتغاضي من قبل السنة على هذا التجاوز الذي سلب سهل نينوى وكركوك وخانقين وسنجار وقرى ونواحي في ديالى وصلاح الدين و نينوى . ظناً منهم أنهم جزءٌ من معادلة التوازن ضد الشيعة؛ كونهم على الطائفة السنية.
لم يجد الشعب مخرجاً للتخلُّص من هذه القيادات(شيعية, سنية, كردية) لاتفاقها ضمناً على هذا النهج الطائفي الذي ضمن تقاسم الكعكة، ووضع آلية تبادل الأدوار للإيهام بالتغيير؛ استحماراً للشعب, فتعاقبوا على الكراسي الرئاسية والمناصب الخاصة في حلقة مغلقة لايمكن اختراقها، ومن يجد لديه دعماً مناطقياً وعشائرياً لابد أن يرشح من خلال قوائمهم، ومن ينفرد عنهم يسوقون إليه الاتهامات؛ لينتزعوا من القضاء أحكاماً تحول دون دخوله المنافسة أو ينسحب من الترشيح تحت التهديد والتصفية الجسدية .
تمخضت سنوات ما بعد السقوط عن طبقة من الفاسدين السياسيين و أبنائهم وحاشيتهم تضخمت سنة بعد سنة؛ بسبب ترهُّل الهيكل الحكومي (أكثر من أربعين وزير، و700 سبعمائة وكيل وزارة و 4500 أربعة آلاف وخمسمائة مدير عام و 325 ثلاث مئة وخمسة وعشرين نائباً برلمانياً عدا الذين (تخرجوا) من الدورات السابقة وحكومات محلية ومجالس محافظات و رئاسات ثلاثة ــ جمهورية و برلمان و وزراء) إضافة إلى قادة كتل يسيطرون على الملعب السياسي من خارج العراق وداخله، فأصبح الشعب كأنه في بحر من الرمال كلَّما تحرك للتغيير يغوص أكثر وعليه أن يكون حطباً لديمومة الصراع الطائفي؛ لأن توقفه موت لهؤلاء السياسيين جميعاً, فكلُّ قطرة دم تُراق في الشارع هي بمثابة قنينة دم تحقن في شرايينهم، وأيُّ روح تزهق يضاف عمرها إلى رصيد أعمارهم.
وقديما ــ والخطاب موجَّه إلى الذين يحسبون أنفسهم على علي بن أبي طالب عليه السلام , أما السنة والأكراد، فهم أعرف بمصالحهم ــ قالوا عن علي بن أبي طالب عليه السلام: إنه لا يحسن السياسة بل يحسن القتال! واليوم هؤلاء السياسيون الشيعة يرمون بذات القوس قوات الحشد الشعبي المقدس بعد أن توجَّسوا منه خيفة على كراسيهم بأنَّ الحشد يحسن القتال ولا يحسن السياسة، بمعنى(لكم الموت والسواتر، ولنا المناصب والدفاتر) ألا تعساً وبعداً وسحقاً ومهانةً وذلاً وانبطاحاً لكم على هذه القسمة المجحفة؛ لأنها “قسمة ضيزى”
الحشد الشعبي قادم, فهيِّئوا جوازاتكم الحمراء، وبيِّضوا أموالكم وبيعوا عقاراتكم، واحزموا حقائبكم واستعدوا لمطاردة الانتربول , فما بقائكم جاثمين على صدورنا طيلة هذه المدة إلا لأننا لم نجد البديل, واليوم جاء البديل الذي سيرمي بكم إلى مزبلة التاريخ , وكلُّ مرشحٍ ليس على صورته ختم المرجعية يؤيد اشتراكه بالحشد الشعبي المقدس، سوف تكون صورته مرمى “للقنادر” !! كائناً من كان .