17 نوفمبر، 2024 2:39 م
Search
Close this search box.

الحشد الشعبي والتنمية وأشياء أخرى

الحشد الشعبي والتنمية وأشياء أخرى

كان طموح المعارضة العراقية التي أدمنت العيش في المنافي أن تقود عملية تحول اقتصادي – اجتماعي في مرحلة ما بعد صدام. ومن أجل ذلك اعتمدت النموذج الآسيوي كبديل موضوعي لنظام التخطيط المركزي المتعثر. وقد أعانها في رؤيتها هذه الخراب الذي حل بالصناعة العراقية حال سقوط النظام القديم عام 2003، على أيدي مجموعات عشائرية ساخطة.
ولم تتخيل هذه النخبة أن عدم الاستقرار سيكون علامة فارقة للوضع في العراق كل هذه السنين، وسيعيق أية عملية تنمية يكون القطاع الخاص المحلي والأجنبي طرفاً أساسياً فيها. ومازالت هذه النخبة تنتظر الفرصة المناسبة لتطبيق نظريتها هذه بعد مرور أربعة عشر عاماً على التغيير، وربما سيطول انتظارها أربعة عشر عاماً أخرى. فعدم الاستقرار له جذور اجتماعية وثقافية لا يمكن تجاوزها بسهولة.
وقد أدرك هؤلاء ومعهم الكثير من المحايدين الذين لم ينضموا إلى أي من الأحزاب السياسية أو يغادروا العراق لأي سبب كان، أن القطاع الخاص لن ينتعش دون تحقيق الاستقرار. وأن من الضروري أن يشمل هذا الاستقرار كل قطاعات المجتمع القلقة ولاسيما العشائر منها. فليس من اليسير تجاوز تركيبة العراق السكانية التي ترى أن نشوء طبقة صناعية مرموقة يهددها في عقر دارها، وينذر بتحولات لا تستطيع تقبلها بأي حال من الأحوال.
ولكن الواقع أن هذا التغيير هو حلم بعيد المنال، لأن أداته الرئيسية هي هذه الطبقة الصناعية التي يناصبها المجتمع العداء، ويجعل منها هدفاً سهلاً لإرضاء غرائزه البهيمية في النهب والتخريب والاختطاف!
ومن أجل حل هذه المعادلة لا بد من تحدي الواقع المرير، بكل ما يتطلبه ذلك من جرأة. ولا مناص من الاستعانة بالقوى الضاربة لفرض معادلات جديدة، كي تعود الحياة إلى القطاع العام أولاً، والقطاع الصناعي الخاص ثانياً. والطريقة المثلى لذلك هي الاستعانة بجيش كبير وقوي لحماية الصناعة الوطنية من عبث العابثين، وإنزال عقوبات صارمة بهم، لأن هذا الفعل يرقى إلى مرتبة الخيانة العظمى.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك حماية المنتوج الوطني بمنع دخول ما يماثله من سلع، وإيقاف النزيف المالي غير المبرر إلى الدول الصناعية، فإننا سنتمكن بذلك من تحقيق أعلى قدر من الاستقرار. ونكون قادرين على إشاعة قيم العمل والإنتاج، بدلاً من ثقافة الاستحواذ على المال العام والسلب والنهب.
ستنتهي معركة داعش قريباً، وسيعود الحشد الشعبي إلى دياره ظافراً. وسيكون من المفيد إسناد مهمة حماية الصناعة المحلية هذه إليه. وهي ليست أقل أهمية من المعارك الطاحنة التي خاضها مع الإرهابيين في العامين السالفين. وهو قادر بسبب امتداداته العقائدية والوطنية من التصدي للإرهاب الذي يطال قوت الناس، ويهدد مستقبل أبنائهم.
ليس ثمة ما يعيق الدولة أن تستثمر هذه الطاقة الهائلة بموازاة ثورة صناعية كبرى تملك أدواتها منذ زمن طويل. فالحشد الشعبي لن يتوانى عن حماية المصانع الحكومية، والاستثمارات الأجنبية، والرأسمال الوطني، من التعديات. لأنه يدرك أن في هذه العملية حماية لأبناء البلاد جميعاً من التخلف والدمار. والانتقال بهم إلى حياة أكثر أمناً وقوة.

أحدث المقالات