قرابةُ الست وخمسين عاماً، عَمل الكاتب والمؤرخ العراقي “عبد الرزاق الحسني”، على تدوين الحركة الوزارية والسياسية، في العراق، بموسوعته الشهيرة (تاريخ الوزارات العراقية). بعشرة أجزاء وخمس طبعات منقحة، وضع فيها الكاتب ذكريات ومواقف، وتاريخ يرويها بين سطور كتابه. من جاء الى الوزارة؟ وكيف وصل؟ ولماذا رحل؟
بعد ذلك لحق به الكاتب العراقي،” نوري عبد الحميد العاني”. في كتابه تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري 1961 – 8 شباط 1963. “العاني” و”الحسني”، دونا تاريخاً للأجيال الملمة، في التعقب السياسي ودستورية الوزارات.
كتب ” الحسني”، تاريخاً، كان نظيفاً بعض الشيء، رغم الاختلافات والنظريات. كانت الأحداث شفافة، مليئة بالاتزان، وبعض من الشرف والنزاهة. شخصيات سياسية دخلت الموسوعة، برداء ابيض، وخرجت منه، بذكريات خفيفة الظل، لم تضف لهم الوزارة شيء، بل أضافوا لها.
ترى لو رَجع الزمان، وبُثت الحياة من جديد للمرحوم الحسني، هل سيخوض ترجمة ” التأرخة” من جديد؟ ويعود مخيما على ورقته البيضاء، ونظاراته المرفوعة دائما، يكتب سطور خجلة في تدوين وزاراتنا اليوم!
كم فصلاً يحتاج، لكتابه، ليروي للأجيال القادمة، الكم الهائل من الفساد والرشوة والتلاعب في المال العام؟! هل يقتنع ” الحسني” ان الوزارة تُباع في مزادِ سياسي؟!. ربما عشرة أجزاء لا تكفي للاختلاس وحده.
“العاني” إذا حاول كتابة تاريخ الوزارات، كم المدة التي يستغرقها، لبحث وتدقيق الشهادات المزورة للوزراء؟ كم فصلاً يحتاج، ليروي الفشل والغباء والإدارة عن بعد! وخصوصا وزاراتنا اليوم تدار عبر الهاتف النقال!.
الحاضر قلم يكتب المستقبل، وعند الانتهاء منه سيصبح غداً تاريخاً لنا، هل سنواجه أطفالنا بهذا التاريخ المظلم؟ أن كان حاضرنا هذا فما مصيرنا في المستقبل؟ ثلاث حكومات مضت، والقادمات أكثر. لم نرى أي انفراج أو ابتسامة أمل، إلا على وجه الوزير وهو يؤدي اليمين.