-تزامنا مع ذكرى مولده الشريف في الثالث من شعبان سنة 4 هجرية
-1-
الامام الحسين بن عليّ (ع) قمةٌ سامقة ، وشخصية استثنائية خالدة ، تخضّلُ سيرتُه بالعبق والأشذاء ، وتفوح منها رائحة العزّة والكبرياء …
ويكفيه فخراً ومجداً أن جدّه الرسول الأعظم (ص) قال فيه :
” حسينٌ مني وأنا من حسين “
الحسين منه ، لانه سبطُه وابن ريحانتِهِ الزهراء فاطمة (ع)، وهذا معلوم لانقاش فيه .
ولكن كيف يكون الرسول منه ؟
انه ببطولاته وتضحياته ومفاداته عن الاسلام ، كتب تاريخا جديداً للرسالة، بدمه الزكي ودم القرابين الطاهرة من بنيه وأهل بيته وأصحابه .
وهذا الذي دعا بعض الأعلام من العلماء للقول :
( الاسلام محمدي النشأة ، حسيني البقاء )
فسلام الله عليه يوم أطلّ على الدنيا فضاءت بأنواره ، وتلالأت بأمواج
عظماته وصفاته .
وسلام عليه يوم استشهد وجعل الثورة على الظالمين منهجا للأحرار .
-2-
لقد طغى الجانب الدامي على كل الجوانب الأخرى في سيرته، حتى لكأنَّ الدمع هو الحبر الذي تُكتب به مساراتُه الشامخة وامجاده الراسخة ، بينما هو في الحقيقة مدرسةٌ سخية العطاء، لا في الجانب الجهاديّ وحده، بل في مضامير العقيدة والشريعة والأخلاق ، والفتح الانساني العظيم .
-3-
وحسبنا ان نقف الآن على مفردة واحدة، من مواعظه البليغة، التي قراناها في بعض كتب الأخلاق فقد روي :
ان رجلا قال للحسين (ع) :
” اني أعصي الله ،
ولا أصبر عن المعصية ،
فَعِظْني بموعظة انتفع بها يا ابن رسول الله “
أقول :
حيث أنّ الوقوع في المعاصي : هو الداء الذي يُبتلى به معظم الناس ، فانّ هذه المسألة تحتّل أهمية خاصة ، ذلك أنها تنسحب على مالا يُحصى من الناس، الذين يشاركون طالب الموعظة في ما شكا منه، وفي رغبتهم في الخلاص مما وقعوا فيه .
إنّ موعظة الامام الحسين (ع) تحمل من معاني الشمول – زمانا ومكانا واشخاصا – ما يؤهلها لان تكون حاضرة عبر كل الامتدادات الجغرافية والزمانية وموجهة الى كل جيل …
فقال له (ع) :
” افعل خمسة أشياء واذنب ما شئت “
فقال الرجل :
هاتها يا ابا عبد الله
ان الامام الحسين (ع) ابتكر طريقة جديدة في الموعظة ، يوحي ظاهرُها بأنها في غاية اليسر والبساطة ، لمن أراد تطبيقها والتمسك بأهدابها بينما هي في الواقع عسيرة لاسبيل لتحقيقها .
وفي اختيار هذا الأسلوب في المواعظ بَريقٌ لا يخفى على الفَطِنِ اللبيب …
انه أسلوبٌ فاعل في الترغيب، والحثّ على العمل بالموعظة، بعيداً عن كلّ الحواجز والموانع …
ان الامور الخمسة التي حدّدها الامام الحسين (ع) غيرُ قابلةٍ للوقوع أصلاً ، وبالتالي فلابُدَّ من الارتداع عن المعاصي بالكامل …
وهكذا تصل الموعظة البليغة الى ما تريد ….
{ لا تأكل من رزق الله وأذنب ما شئتَ }
وهل يقوى أحدٌ ان يأكل شيئاً من غير رزق الله ؟
ان الله هو الرزّاق ذو القوة المتين ، وكل ما في أيدينا من النعم ، انما هي منه …
{ وأخرج من أرض الله وأذنب ما شئتَ }
الى اين أرض يذهب ؟
ان الارض كلها لله وهو الذي وضعها للأنام ..!!
{ واطلب موضعاً لايراك الله فيه وأذنب ما شئت }
واين يقع هذا الموضع ؟
في السماء أمْ في الأرض ؟
ان الله سبحانه وتعالى لاتخفى عليه خافية، فلا وجود لمثل هذا الموضع أصلاً…
{ واذا جاءك مَلَكُ الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك ، وأذنب ماشئت}
العاصي لايدري متى يُباغِتُهُ مَلَكُ الموت ، واذا جاءه فانما يجيء بأمر الله وأمر الله لايُرّد .
وقد أخفى الله سبحانه وتعالى على العباد موعد رحيلهم عن هذه الدنيا ، ليكونوا دائماً على اهمية الإستعداد لِلِقائِه ، ولكنهم يغفلون عن ذلك ، وينسون .
ان انبياء الله ورسله لايستطيعون دفع ملك الموت، فهل يستطيع العاصون دفعه ؟!!
{ واخيرا قال الامام الحسين :
{ واذا أراد مالك أن يدخلك النار فلا تدخلها ، وأذنب ما شئتَ }
هناك اسمان لابُدَّ ان لايغيبا عن الأذهان :
رضوان – خازن الجنان
ومالك – خازن النيران
وحين يهّم (مالك) بادخال العاصي الى النار فهل من المقدور للعاصي أن
يبعده عنه ؟!!
ان ذلك لن يكون .
ولقد أثرت هذه الموعظة البليغة في الرجل ايما تأثير
فقال :
حسبي يا ابن رسول الله ،
لن يراني الله بعد اليوم حيث يكره .