23 ديسمبر، 2024 3:41 م

الحسين والموعظة المبتكرة

الحسين والموعظة المبتكرة

-تزامنا مع ذكرى مولده الشريف في الثالث من شعبان سنة 4 هجرية
-1-

الامام الحسين بن عليّ (ع) قمةٌ سامقة ، وشخصية استثنائية خالدة ، تخضّلُ سيرتُه بالعبق والأشذاء ، وتفوح منها رائحة العزّة والكبرياء …

ويكفيه فخراً ومجداً أن جدّه الرسول الأعظم (ص) قال فيه :

” حسينٌ مني وأنا من حسين “

الحسين منه ، لانه سبطُه وابن ريحانتِهِ الزهراء فاطمة (ع)، وهذا معلوم لانقاش فيه .

ولكن كيف يكون الرسول منه ؟

انه ببطولاته وتضحياته ومفاداته عن الاسلام ، كتب تاريخا جديداً للرسالة، بدمه الزكي ودم القرابين الطاهرة من بنيه وأهل بيته وأصحابه .

وهذا الذي دعا بعض الأعلام من العلماء للقول :

( الاسلام محمدي النشأة ، حسيني البقاء )

فسلام الله عليه يوم أطلّ على الدنيا فضاءت بأنواره ، وتلالأت بأمواج

عظماته وصفاته .

وسلام عليه يوم استشهد وجعل الثورة على الظالمين منهجا للأحرار .

-2-

لقد طغى الجانب الدامي على كل الجوانب الأخرى في سيرته، حتى لكأنَّ الدمع هو الحبر الذي تُكتب به مساراتُه الشامخة وامجاده الراسخة ، بينما هو في الحقيقة مدرسةٌ سخية العطاء، لا في الجانب الجهاديّ وحده، بل في مضامير العقيدة والشريعة والأخلاق ، والفتح الانساني العظيم .

-3-

وحسبنا ان نقف الآن على مفردة واحدة، من مواعظه البليغة، التي قراناها في بعض كتب الأخلاق فقد روي :

ان رجلا قال للحسين (ع) :

” اني أعصي الله ،

ولا أصبر عن المعصية ،

فَعِظْني بموعظة انتفع بها يا ابن رسول الله “

أقول :

حيث أنّ الوقوع في المعاصي : هو الداء الذي يُبتلى به معظم الناس ، فانّ هذه المسألة تحتّل أهمية خاصة ، ذلك أنها تنسحب على مالا يُحصى من الناس، الذين يشاركون طالب الموعظة في ما شكا منه، وفي رغبتهم في الخلاص مما وقعوا فيه .

إنّ موعظة الامام الحسين (ع) تحمل من معاني الشمول – زمانا ومكانا واشخاصا – ما يؤهلها لان تكون حاضرة عبر كل الامتدادات الجغرافية والزمانية وموجهة الى كل جيل …

فقال له (ع) :

” افعل خمسة أشياء واذنب ما شئت “

فقال الرجل :

هاتها يا ابا عبد الله

ان الامام الحسين (ع) ابتكر طريقة جديدة في الموعظة ، يوحي ظاهرُها بأنها في غاية اليسر والبساطة ، لمن أراد تطبيقها والتمسك بأهدابها بينما هي في الواقع عسيرة لاسبيل لتحقيقها .

وفي اختيار هذا الأسلوب في المواعظ بَريقٌ لا يخفى على الفَطِنِ اللبيب …

انه أسلوبٌ فاعل في الترغيب، والحثّ على العمل بالموعظة، بعيداً عن كلّ الحواجز والموانع …

ان الامور الخمسة التي حدّدها الامام الحسين (ع) غيرُ قابلةٍ للوقوع أصلاً ، وبالتالي فلابُدَّ من الارتداع عن المعاصي بالكامل …

وهكذا تصل الموعظة البليغة الى ما تريد ….

{ لا تأكل من رزق الله وأذنب ما شئتَ }

وهل يقوى أحدٌ ان يأكل شيئاً من غير رزق الله ؟

ان الله هو الرزّاق ذو القوة المتين ، وكل ما في أيدينا من النعم ، انما هي منه …

{ وأخرج من أرض الله وأذنب ما شئتَ }

الى اين أرض يذهب ؟

ان الارض كلها لله وهو الذي وضعها للأنام ..!!

{ واطلب موضعاً لايراك الله فيه وأذنب ما شئت }

واين يقع هذا الموضع ؟

في السماء أمْ في الأرض ؟

ان الله سبحانه وتعالى لاتخفى عليه خافية، فلا وجود لمثل هذا الموضع أصلاً…

{ واذا جاءك مَلَكُ الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك ، وأذنب ماشئت}

العاصي لايدري متى يُباغِتُهُ مَلَكُ الموت ، واذا جاءه فانما يجيء بأمر الله وأمر الله لايُرّد .

وقد أخفى الله سبحانه وتعالى على العباد موعد رحيلهم عن هذه الدنيا ، ليكونوا دائماً على اهمية الإستعداد لِلِقائِه ، ولكنهم يغفلون عن ذلك ، وينسون .

ان انبياء الله ورسله لايستطيعون دفع ملك الموت، فهل يستطيع العاصون دفعه ؟!!

{ واخيرا قال الامام الحسين :

{ واذا أراد مالك أن يدخلك النار فلا تدخلها ، وأذنب ما شئتَ }

هناك اسمان لابُدَّ ان لايغيبا عن الأذهان :

رضوان – خازن الجنان

ومالك – خازن النيران

وحين يهّم (مالك) بادخال العاصي الى النار فهل من المقدور للعاصي أن

يبعده عنه ؟!!

ان ذلك لن يكون .

ولقد أثرت هذه الموعظة البليغة في الرجل ايما تأثير

فقال :

حسبي يا ابن رسول الله ،

لن يراني الله بعد اليوم حيث يكره .