شارفت الدقائق على الانتهاء، وتهيئته الآمال للرحيل، وكانت خطواته تقترب، بل هي قاب قوسين أو أدنى من الحياة الأبدية، التي كان يتمناها لأصحابه أولاً، ولنفسه ثانياً، الا أن أعراب النفوذ والأموال، لم يكونوا متساهلين معه، ولن يسمحوا له بأن يحقق هذا الهدف بسهولة، ولازالت الأسئلة، تطرح من هنا وهناك، عن جدوى وحتمية هذا الخروج المعلن ؟
الثائر كان أماماً معصوماً، يمتلك كل المواصفات القدسية، التي كان يمتلكها قبله جده المصطفى عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم، ويمتلك الوثائق التي تدعم هذه الثورة، حيث كانت الرسائل التي تطلب منه القدوم بالآلاف، ومن كبار القوم في العراق، كقولهم :
أما بعد؛ فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار فإذا شئت فأقبل على جندٍ لك مجندة.
نهض الحسين عليه السلام بأعباء الإمامة، وكان عليه التحرك وفق مرضاة الله ومسؤوليته تجاه أمة جده عليه أفضل الصلاة والسلام، بصفته وريث النبوة، ومراعياً للأوضاع التي تمر بها الأمة، وساعياً للمحافظة على ثمرة جهود الرسول الكريم، ضد يزيد الخليفة الذي ورث الحكم عن أبيه معاوية خلافاً للأخلاق والشرائع والمواثيق.
بعد أن أعتمد معاوية على السيف، والابتزاز والأموال، من أجل أن يكون ولده بديلاً عنه، أصبح الامام أمام أربعة خيارات ؛
الاول؛ أن يبايع يزيد
الثاني؛ أن يرفض البيعة وعندها سوف يقوم يزيد بقتله في مكة أو المدينة لانه المنافس الوحيد الذي يهدد سلطانه.
الثالث؛ أن يهرب الى بلد من بلاد العالم الاسلامي وسيلاحق ويقتل في كل حال من الأحوال
الرابع؛ أن يتحرك الى الكوفة ثم يستشهد بالطريقة التي حدثت أنذاك.
النتيجة كانت واحدة؛ الا أن الخيار الرابع حتمياً، فقد كانت الأموال تدفع لمن ينشد، أو يمدح، أو يوالي صاحب السعادة، والتخلف عن مواكبة مسير الخلافة في ذلك الوقت، لم يكن موجوداً الا عند العظماء، والذين كانوا قليلين في جزيرة العرب، لذلك التضحية بالنفس، في سبيل العقيدة كان عجيباً في ذلك الوقت .
أن إرادة الأمة كانت ميتة، ولم يكن هناك إجراء قادر على تحريك ضميرها إلا الشهادة والتضحية، التي تغرس في أعماق وجودها عظمة الدين، ورخص النفس بالنسبة إلى دين الله، الذي جاء بكرامة الإنسان واستهدف إيصاله إلى الكمال اللائق به، وتستنهض الاباة للضيم، وتضع الأمة امام مسؤولياتها للوقوف بوجه الفاسدين أشباه يزيد.
حين تسقط الأقنعة المزيفة، ينكشف لنا وجه الحقيقة، ويظهر ما يخبو وراءها من وجوه بشعه ملونه، لا تزال في مخيلة بعض المعتقدين بسلامة عقلية وأهلية معاوية وأبنه يزيد، من أجمل الصور !، الا أنها لدى الأحرار هي الصرخة المدوية، التي تصنف الناس الى صنفين لا ثالث لهما؛
أما ان تكون مثل الحسين، وأما ان تكون مثل يزيد، ولا خيار ثالث لك لانه { من خرج معنا استشهد ومن لم يخرج لم يدرك الفتح }.
أنا شخصياً قد حددت الصنف الذي يلائم أفكاري ومؤهلاتي، ودائما ما أحلق في سماء الطف، أستنشق من نسيم مأثرها عبيراً، لعلي أشم شيئـاً من عطرها، لكي أطلق شعاري وبكل فخر، كما أطلقه شهيد الحرية؛
{ ومثلي لا يبايع مثله }.