18 ديسمبر، 2024 9:02 م

الحسين.. نهجنا الذي سننتصر به

الحسين.. نهجنا الذي سننتصر به

ظهرت أول إصابة بوباء كورونا في شهر شباط من العام ٢٠٢٠، ليعم بعدها العالم ولم ينجوا العراق من ذلك.. فتعطلت حركة الحياة بكل مجالاتها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية، وتوقف في الخدمات العامة والخاصة، حتى شمل التعطيل أماكن العبادة، والكليات والمدارس، وتعطيل الحج إلى بيته الحرام بسبب هذا الوباء، توقيآ من إنتشار الوباء في المجتمع البشري الذي لايميز بين فرد وآخر.
تمر علينا واقعة الطف في هذه الظروف ورغم صعوبة الموقف رأينا آلاف المعزين يزحفون نحو كربلاء الحسين وسيد الشهادة والآباء والتضحية والفداء، لإحياء ذكرى عاشوراء، هنا تأخذنا وقفة تأمل فماهو السر الحقيقي الذي منع الوفود إلى البيت االحرام ولم يمنع الوفود إلى كربلاء في يوم الاستشهاد؟
لابد أن يكون سرآ خفيآ بين الباري والحسين حتى جعله قبلة للزائرين وابقاء هذا القبر يعلو ويرتفع رغم ما جرى عليه من حرث وتهديم على مر العصور، هذا ما تحدثت به عقيلة بني هاشم بعد الواقعة ( سينصب بهذا الطف علم كلما إجتهد ائمة الجور على محو اثره فلا يزداد إلا علوا وأرتفاعا ).
ترى لماذا كتب عزّ وجلّ عن يمين العرش بأنّ الحسين « مصباح هدى وسفينة نجاة » بحار الأنوار ، ج ۹۱ ، ص ۱۸٤ ، ح ۱؟!
وكيف جعل السبط الشهيد بمثابة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك؟ ولماذا هذه الكرامة البالغة لشخص الحسين الشهيد عن خالقه؟!
جاء في الحديث ـ : « إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض » أي انّ أهل السماء أعرف به وبكرامته من أهل الارض مع انّنا نجد انّ كرامته عند أهل الارض ليست بالقليلة ؟!
في كلّ عام يحلّ علينا موسم محرّم، موسم الحزن الثائر، فنجد الدنيا وكأنها قد انقلبت؛ فبعض من الناس عندما يقفون إزاء عظمة عاشوراء وملحمة كربلاء، فانّهم يعبّرون عن اعجابهم بالحسين وبتلك الثورة الناهضة التي ما تزال حيّة في أفئدة الجماهير، فهم يقدرونه لانّه كان حراً لم تستعبده السلطة ودافع عن حريته ودعا الناس إلى التحرر، كلّ ذلك صحيح ولكنّه ليس كل القضية بل هو جزء بسيط منها.. فالأحرار كثيرون، وهناك عشرات من الناس عاشوا وماتوا أحراراً، في حين اننا لا نقدسهم ولا نقدرهم كما نقدس ونقدر ونعظم السبط الشهيد.
بعض أخر يرى أنه عليه وأله أفضل الصلوات، ناضل وجاهد من أجل إقامة حكم الله في الأرض، وثار لإقامة العدل وإحياء الدين وبث روح القيم القرآنية في الأمة، وهذا صحيح أيضاً، ولكنه ـ هو الآخر ـ لا يمثل كل القضية، فكثيرون هم اولئك الذين ثاروا من أجل إقامة حكمه تعالى، وقتلوا في هذا الطريق، والبعض منهم استطاع ان يحقق هدفه فأقام حكما يتبع الملة في قطعة معينة من الأرض..
عظمة الحسين لا تكمن فقط في أن شخصيتهُ كانت ثائرة حرة، أو لأنها تعرضت للابادة بشكل فظيع..إذن ما هو سر هذه العظمة ؟
للإجابة على هذا السؤال نقول : لابد ان نعلم بأنه سبحانه هـو خالق الكون ومليك السماوات والأرض وبيده الأمر، وانه يرفع من يشاء ويضع من يشاء، وان من تمسك بحبله رفعه، ومن ترك حبله وضعه.
من المعلوم ان الأمام عليه السلام تمسك بحبل الخالق فرفعه، واخلص العمل له فأخلص له ودّ المؤمنين، وجعل له في قلب كل مسلم حرارة. قديماً عندما خلق تقدست أسماؤه آدم واسكنه الجنة، رأى آدم ما رأى حول العرش من الأنوار، ثم علمه جبرائيل تلك الأسماء والكلمات، ونطق بها، واقسم عليه عز وجل بتلك الكلمات والأنوار الخمسة « فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال : يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ قال جبرئيل : ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال : يا أخي وما هي؟ قال : يُقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصرٌ ولا معين، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى ».
ونحن إذ رأينا اليوم ان الناس يقدرون أبي الضيم، ويستمرون فيحملون إلينا في كل شهر محرم موسماً جديداً وميموناً من ذكراه، فلأن ثورته كانت ربانية ، ولانّه كان أباً للأحرار ، وثائراً من أجل الدين ، وأن يومه هو تذكير بأمر الباري تعالى.
كما جاء عن محمد جواد مغنية في كتابه المجالس الحسينية “إن الحسين عند شيعته والعارفين بأهدافه ومقاصده ليس اسماً لشخص فحسب، وإنما هو رمز عميق الدلالة، رمز للبطولة والإنسانية والأمل وعنوان للدين والشريعة والفداء والتضحية في سبيل الحق والعدالة، دماء كر بلاء لم تكن ثمناً لحرية فرد أو شعب أو جيل بل ثمناً للدين الحنيف والإنسانية جمعاء ثمناً لكتاب الله وسنة الرسول ومن هنا كان لها ما للقرآن والإسلام من التقديس والإجلال”
كورونا أخلت شوارع العالم بأكمله خوفا ورعبا لكن في كربلاء حب الحسين انسانا كورونا.. فمن هنا نجزم ان العراق لن يهزم من كل جيوش العالم مادام فيه من سحق جيش بدمه لابسيفه.