23 ديسمبر، 2024 6:25 م

الحسين لمن ؟!

الحسين لمن ؟!

في قراءة تاريخية لمسار خروج سِبْط النبي الاكرم الامام الحسين (ع) من المدينة بصحبة النساء والأطفال ، وعائلته وأبناءه وإخوته نجد ان الخروج لم يكن موجها ضد احد ، ولم يكن يحمل أهدافاً سياسية كما روج له اتباع معاوية ابن ابي سفيان ، بل كان منطلقاً من أهداف اصلاحية أراد إنقاذ الامة من سباتها في ظل حكومة جائرة فاسدة ، يقودها حاكم أهوج شارباً للخمر ،قاتلاً للنفس المحترمة ، هاتك للحرمات ، وانطلق الامام الحسين (عليه السلام) في مراحل ثلاث :-
الاول :- رفض البيعة
الامام الحسين (ع) أعلن في المدينة حين أرسل يزيد بن معاوية حاكم المدينة ليجبر الامام الحسين على البيعة ليزيد او يقتل فرد (عليه السلام) على الوليد فقال: «أيها الأمير، إنَّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق، فاجر شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور، مثلي لا يبايع مثله».
بهذه الكلمات أعلن الحسين ثورته على الحكم الأموي الفاسد على عظمته وجبروته وقسوته في مؤاخذة الخارجين عليه فقد مات معاوية وانقضى العهد والميثاق، وأصبح وجهاً لوجه أمام دوره التأريخي الذي يتحتم عليه أن يصنعه، وانه لعلى يقين من أن حكم يزيد لن يأخذ صفة شرعية ما دام هو ممسكاً عن بيعته، أما إذا بايعه فانه حينئذ يكون قد أكسب الطاغية الجديد الذي ابتليت به الأمة صفة قانونية شرعية، وهذا شيء لا يفعله عليه السلام.
الثاني :- اعلان الرفض والنهوض بالمسؤولية الشرعية :-
كان على ابا عبدالله الحسين أن ينهض بهذا الدور، لقد كانت الثورة قدره المحتوم، أما الآخرون الذين أبوا البيعة ليزيد فلم يكن لهم عند المسلمين ما للحسين من المنزلة، وعلو الشأن أما ابن عمر فسرعان ما سلم قائلاً: «إذا بايع الناس بايعت» وأما ابن الزبير فقد كان الناس يكرهونه ويتهمونه في إبائه البيعة بأنه يريد الأمر لنفسه فلم تكن دوافعه دينية خالصة، وإنما كان يدفعه الطمع في الخلافة، وما كان الناس يرونه لذلك ، فكان بالشعار الذي رفعة (عليه السلام) حين قال :- «إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين» بدء المرحلة الثانية في هذا الخروج الذي كان وفق تخطيط الهي مرسوم يكون فيه القربان سبط رسول الله (ص) فداءً لدينه وأحياءً للقران الكريم .
فالإصلاح في أمة جده(صلى الله عليه وآله) وآله هو هدفه من الثورة وهنا شيء أريد أن أنبه عليه في قوله: فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق».
انه لم يقل: فمن قبلني لشرفي، ومنزلتي في المسلمين، وقرابتي من رسول الله، وما إلى ذلك … لم يقل شيئاً من هذا إن قبوله يكون بقبول الحق فهذا داع من دعاته، وحين يقبل الناس داعي الحق فانما يقبلونه لما يحمله إليهم من الحق والخير لا لنفسه، وفي هذا تعالى وتسام عن التفاخر القبلي الذي كان رأس مال كل زعيم سياسي أو ديني في عصره عليه السلام.
الثالث :- الخروج الى الكوفة ومنها الى كربلاء ؛-
بعد وصول الامام الحسين (ع) ، وخطابه بالناس في الكعبة المشرفة أراد اتباع يزيد قتله بين ثنايا بيت الله الحرام ، دون الوقوف عند حرمة لبيت الله ، لو حرمة لانسان جده رسول الله(ص)  ، وأمه سيدة نساء العالمين(ع) ، وابوه أسد الله الغالب (ع) ، فقرر (ع) الخروج الى الكوفة ، وهو بذلك اعلان لرفض البيعة ليزيد ، وظهر العنصر الاجتماعي في ثورة الحسين أيضاً حين التقى مع الحر بن يزيد الرياحي، وقد كان ذلك بعد أن علم الحسين بتخاذل أهل العراق عنه بعد بيعتهم له، وبعد أن انتهى إليه نبأ قتل رسوله وسفيره إليهم مسلم بن عقيل (ع) ، وبعد أن تبين له ولمن معه المصير الذي ينتظرهم جميعاً، فقد خطب الجيش الذي مع الحر قائلا
أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رأى سلطاناً جائراً، مستحلا لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنه رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان، فلم يغير ما عليه  بفعل ولا قول كان حقاً على الله ان يدخله مدخله.
ألا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان تركوا طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، واحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا احق من غيرَّ، وقد أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم، وانكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فان تممتم عليَّ ببيعتكم تصيبوا رشدكم، فاني الحسين ابن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله نفسي مع أنفسكم،وأهلي مع أهليكم، فلكم فيَّ أسوة وإن لم تفعلوا، ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ماهي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم بن عقيل، والمغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم،ومن نكث فإنما ينكث على نفسه».
لهذا عندما نقرا هذه المراحل التاريخية لخروج الامام الحسين ، نحس ونقف عند النية الخالصة لديه (عليه السلام) ، فلم يكن خروجا من اجل طائفة او دين او مذهب ، بل كان من اجل احياء الانسانية جمعاء ، في ظل حاكم ظالم اسقط كل المبادى والقيم في بحور الخمر والزنا والفواحش .
الامام الحسين (ع) تجسدت كل قيمه ومباده التي قدم نفسه وهي أغلى ما في الوجود ، وأهل بيتة النجباء ،وهم من خيرة سلالة النبي الكريم (ص) ، تجسدت في عصرنا الحالي  في الوقوف ضد الهجمة البربرية لعصابات داعش التكفيرية ، والتي دخلت الى البلاد الاسلامي باسم الدين وباسم الاسلام ، بل نراهم اليوم قد أقنعوا أنفسهم انهم اسلاميون ، وأنهم اصحاب رسالة إسلامية ، فسقطت الاقنعة تماما من هولاء
 وانكشف زيفهم وكذبهم ، ومن يقف وراءهم من الغرب وإسرائيل ودولة المنطقة التي تشارك الغرب مشروعهم التقسيمي الخطير .
الامام الحسين نهض بمبادى من جديد عندما شعر ان الدين في خطر ، عبر حفيدهم وحامل رايتهم الامام السيد السيستاني ، والتي استطاع بفتاواه “الجهاد الكفائي ” من إسقاط كل الاقنعة وأيقظ النائمين من سباتهم ، فدافع عن الحقوق لجميع الطوائف فلم يقف عن طائفة دون اخرى ، بل كانت للعراق بسنته وشيعته بعربة وأكراده ، وقومياته الاخرى ، وهو يحمل مبدأ الانتماء الوطني في الدفاع دون النظر الى المذهب او القومية ، وجميع الارض العراقية دون حد او خط او فرق بين الانبار او كربلاء ، بل الارض ارض العراق ، والشعب شعب العراق ، لهذا حق علينا ان نفخر ان الحسين حياً يعيش بيننا ، ليكون منطلق لجميع اطياف الشعب العراقي ، ويكون شعلة تضي درب الحرية في كل زمان ومكان ، لان الحسين لم يكن شيعيا ،بل كان إنساناً حرا رفض الظلم  والطغيان ، وأعاد الحياة للدين وللإنسانية جمعاء .