تعوّدنا أن ننظر لجانب واحد من مأساة الحسين , ما يدلّ على أنّ القائمون على إحياء ذكرى مأساة الحسين عليه السلام أرادوا بهذا الجانب فتنة سياسيّة لتهييج الشارع باستمرار , ويريدوننا أن لا ننظر إليها من زاوية الجانب المشرق في أصل الإسلام الّذي انتهجه حسيننا بتعاطيه الواقعي مع موقفه الحرج حين عزم العودة من حيث أتى ما أن علم بمقتل ابن عمّه مسلم بن عقيل ع .. والعذر هنا في هذه النظرة الأحاديّة في جانب إحيائها أنّ الإنسان دائب البحث عن رمز يبرّر به وجوده “الشائك عن الفهم” في الحياة فيضيف لرمزه الّذي اختار تصليبه بأبعاد مضافة ممّا تشتهيه نفسه أن يكون عليه .. الرجل عليه منّا السلام وهو في العلياء أراد السلام وجنح له كما أمره القرآن في مثل ظرفه المعقّد ذاك رأفةً بمن معه وبعائلته الّتي حملها معه ما يدلّ على ثقته بالناس وهو قمّة صفاء النفس ما زاده قناعة أحلّها عليه “ثمانية عشر ألف توقيع” من عشائر أهل الكوفة ,, لولا عبيد الله بن زياد لعنه الله أجبره على الانتحار هو ومن معه حين أحرجه بأن “لا يعود من حيث أتى” بل “يرى هو رأيه فيه” فاستشاطت نفس الحسين الأبيّة وماجت عجباً للأقدار ولمشيئة الله وهو خير شباب أهل الجنّة يصبح أمره بين يدي حاقد ماكر ابن “مرجانة” بغيّ جمعها بأبيه أبا سفيان على طاولة لحانة خمر ليهودي جامعها عليها أمام أنظار السكارى “منهم من وصف ما حصل قائلاً: نهض من فوقها أبا سفيان وماءه يختطّ على الأرض من بين ملابسه” فحملت منه من فورها بعبيد الله , وهي برأيي من المبالغات الّتي اشتهر بها العرب على غرار “اعطه ألف ألف درهم” ..
الحسين عليه السلام , وهو البشري فزادته هذه الصفة عظمة .. فاته يأخذ نصائح الناصحون وهم كانوا كثر وألحّ بعضهم عليه إلحاحاً بالعدول عن ما هو مقدم عليه وبينهم ابن عبّاس والفرزدق وأخو الحسين محمّد بن الحنفيّة وذكّروه “بغدر أهل الكوفة” وبقتلهم لأبيه عليه السلام في منطقة مليئة بالفتن وبالموالي الفرس الّذين باتوا يكلّلهم الحقد على العرب لإسقاطهم دولتهم العظيمة حقد بأوزان الجبال دخلوا الإسلام لتقويضه من داخله , وهم مهرة في ذلك ولهم خبراتهم الطويلة في معالجة معارضوهم في المدن والحواضر ..