23 ديسمبر، 2024 5:32 ص

الحسين (ع): رسالة النور والهداية من غار حراء الى كربلاء

الحسين (ع): رسالة النور والهداية من غار حراء الى كربلاء

لم تكن الرسالة المحمدية العظيمة رسالة توحيد وعبادة الله وحده لا شريك له فقط بل كانت رسالة أنسانية حملت كل معاني المثل والقيم الفكرية والأجتماعية والثقافية والعلمية وقد أستطاع الرسول العظيم محمد (ص) برسالته تلك وبالمثل والقيم الحضارية والأنسانية التي أحتوتها من أن يحول ذلك المجتمع البدوي المتخلف والمتسم بالعصبية القبلية والجهل الى واحة من الأمن والأمان وأن يؤوسس دولة الأسلام العظيمة دولة القانون والعدل و المساواة التي كفلت للجميع العيش بظلالها بكل حب وتسامح وتآخ، تلك الدولة التي صارت منارا ومنهجا ومرجعا لكل من يريدون تأسيس دولة القانون والعدل. وكانت سور القرآن الكريم وآياته وأحاديث الرسول العظيمة التي تناولت كل مفردات الحياة هي دستور تلك الدولة وقانونها، كما حاربت الرسالة الأسلامية ودعت الى نبذ كل أشكال الظلم والأضطهاد والدكتاتورية والوقوف ضد الباطل وعدم السكوت والسكون أليه كما في قوله (ص)( أذا رأيت أمتي تهاب الظالم من ان تقول له أنك ظالم فقد تودع منها). كما دعت الرسالة الأسلامية الى حرية الرأي والفكر والدين وأعتناق مايريده الأنسان دون ضغط أو أكراه كما جاء في محكم كتابه العزيز (لا أكراه في الدين )، كما أكد الأسلام على مبدأ الديمقراطية في الحكم وذلك بأن جعل أمر الخلافة الأسلامية شورى بين المسلمين . وعندما آلت الخلافة الأسلامية الى معاوية بن أبي سفيان بعد أستشهاد الأمام علي بن ابي طالب(ع) وتنازل ولده الأمام الحسن (ع) بالخلافة الى معاوية بن أبي سفيان حقنا لدماء المسلمين وخوفا من تكرار ما حدث في واقعة صفين ومداخلاتها وأفرازاتها والتي ادت في النهاية الى أستشهاد أبيه الأمام علي بن ابي طالب(ع)، ذلك التنازل الذي أثار حفيظة المسلمين على الأمام الحسن(ع) فوصفوه بالجبان!! وحاشاه أن يكون كذلك قائلا لهم أني تنازلت عن الخلافة بعد أن تذكرت قول جدي رسول الله (ص) حين قال لي عندما كنت صغيرا( أنك سيد بن سيد، يأتي يوم تحقن به دماء المسلمين). لقد كان تنازل الأمام الحسن (ع) بالخلافة مشروطا بأنه في حال موت معاوية وهو كان كبيرالسن ترجع الخلافة الى الأمام الحسن(ع ) وفي حال موت الأمام الحسن (ع) تكون الخلافة الى أخيه الأمام الحسين (ع ) وفي حال موت الأمام الحسين (ع) ترجع الخلافة شورى بين المسلمين. ألا ان معاوية المعروف بدهائه ضرب عرض الحائط بكل ماورد بالأتفاق بينه وبين الأمام الحسن (ع) فصال وجال بالخلافة وأبعد من أبعد وقرب من قرب تقوية لملكه وسلطانه بشتى أساليب الأضطهاد والأغتيال والتخويف والسجن والنفي والأغراء، وأمعانا بالأستهتار وضرب كل قيم الدين الأسلامي الذي بدأ الشرخ واضحا عليه، أخذ البيعة بالقوة لأبنه يزيد من كل الأمصار والولايات فأما أن تبايع او تقتل! وهكذا كان فلعب يزيد بالخلافة كما أشتهى وأراد، فعم الفساد والظلم وكاد الأسلام أن ينكفيء وينتهي. عندها تحرك ركب الأمام الحسين (ع) من مدينة جده المصطفى(ص) في مكة متوجها صوب العراق/ الكوفة تحديدا بناء على آلاف الرسائل التي وصلته طالبة منه أنقاذ أمة المسلمين من جور وظلم وأستهتار يزيد بن معاوية، والقصة الى هنا معروفة في نهايتها. لم يكن خروج الأمام الحسين طلبا لجاه أو منصب بل خرج لأصلاح أمر المسلمين والأسلام بعدما حدث ما حدث فيه من شروخ وأعوجاج فترة حكم يزيد بن معاوية (لم أخرج أشرا ولا بطرا أنما لطلب الصلاح في أمة جدي). كان محمد (ص) يحب الحسين حبا جما وهو القائل (ص) ( حسين مني وأنا من حسين)، وكان (ص) قد تنبأ له بهذه الشهادة العظيمة منذ ولادته حيث كان يقبله من نحره ويبكي. كما ورد أيضا في كتاب (الفتوح) للعلامة أبي مهرأحمد الكوفي المتوفي سنة 314 هجرية صفحة 453 ما نصه (من ان المسيح عيسى بن مريم (ع) قد مر بأرض كربلاء ومعه جمع من الحواريين ووقف عند تلك الأرض وبكى فبكى معه كل الحواريين وهم لا يدرون لماذا يبكي عيسى بن مريم (ع)؟ فقالوا له ياروح الله ما يبكيك؟ ولماذا جلست ها هنا؟ فقال: أتعلمون ما في هذه الأرض؟ فقالوا لا ياروح الله فقال: ( ان هذه الأرض سيقتل عليها فرخ الرسول احمد المصطفى وفرخ أبنته الزهراء قرينة الطاهرة البتول مريم بنت عمران). نستنتج من كل هذا بأن أستشهاد الأمام الحسين (ع) لم تكن مسألة عابرة في سفر التاريخ الدنيوي والأسلامي تحديدا بل كانت مسألة ألهية مكتوبة سلفا! وانها كانت بحق ملحمة أنتصار الدم على السيف، ولو أراد الله عز وعلا أن ينصر الأمام الحسين (ع) بمعنى الأنتصار الظاهري المعروف لكان له ذلك ولكن حكمة الله عز وعلا هي أكبر من أن نعرفها ونفقهها. فكان أستشهاده هو الأنتصار الحقيقي للأسلام العظيم ضد أعداء كلمة الحق والعدل. وهو القائل (أن كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي فيا سيوف خذيني). وكان له ذلك وكانت الشهادة وكان معها ذلك الأنتصار العظيم للأسلام وتقويما لذلك الأعوجاج الذي ظهر.فكان أستشهاده العظيم بحق هو أنتصار وأمتداد لتلك الرسالة السماوية العظيمة التي بدأت في غار حراء وأزدادت توهجا وألقا وعظمة في كربلاء. نقول : أن ثورة الأمام الحسين(ع) هي ثورة عالمية أممية! بكل ما حملته من صور ومعاني الفداء والتضحية من أجل أحقاق الحق وأقامة العدل وبناء الأنسان والتصدي لطغيان الباطل وجبروته. وأذا كانت الشعوب العربية تعيش اليوم وهج ثورتها ومطالبتها بالحق والعدل والمساواة فثورة الأمام الحسين (ع) كانت قد سبقتهم الى ذلك قبل 1400 عام!. وبأعتبار ان الأمام الحسين (ع) ليس حكرا على طائفة معينة كما يفهم بعض الجهال والطائفيين!! لأنه سبط الرسول العظيم محمد (ص ) كما وأنه يمثل رمزا ثوريا كبيرا وشعلة وضاءة للأمة الأسلامية جمعاء التي أرسى دعائمها جده رسول الله (ص) ، نسال هنا حكومتنا وكل الأحزاب السياسية بلا أستثناء: ماهي الدروس والعبر التي أستفدتم منها من ثورة الحسين (ع)؟!. لقد أجاب على هذا السوال، الكاتب(نزار حيدر) في مقالته الموسومة بعنوان( الحسين ، الخروج للسلطة أم الخروج عليها ؟) والتي نشرتها صحيفة الزمان بعددها 1476 في 24 /12 /2009 (( وهنا يشخص الفارق بين طلاب السلطة ، فبينما يطلبها المؤمن من أجل أقامة الحق والعدل وتحقيق المساواة بين الناس من خلال تمتعهم بالحرية والكرامة بلا تميز لا على أساس الدين ولا على اساس المذهب او العنصر او الجنس بالأضافة الى سعيه لأنجاز مبدأ تكافؤ الفرص وحمايته لبيت المال وتحقيق الأمن، ترى الآخر يطلبها من أجل السطوة وتمكين اهله وعشيرته من رقاب الناس وأموالهم وكرامتهم وبأختصار فأنه يطلبها ليتخذ مال الله دولا وعباده خولا)). ونسأل أخيرا سياسيينا وكل قادة الأحزاب: أين انتم من فهم لثورة الحسين (ع)؟!.