ينقسم الناس في التعاطي مع ثورة الحسين ( عليه السلام) الى أكثر من صنف, الأول يتعامل مع الثورة وجدانيا, ويتعاطف مع ما يعرف بألم الضحية, ومقدار معاناة الحسين (عليه السلام), وما لحق به من أذى, كضرب وطعن, وتقطيع أوصال وسلب الجسد الشريف, وقتل الأبناء والأصحاب وسبي النساء والأطفال, وتلك عاطفة عابرة تنتهي مع نهاية شهر محرم.
القسم الآخر يتعامل مع الثورة عقليا, ويدرك النظم الفكرية التحررية , اللازمة لصناعة ثورة, تحسب نتائجها مسبقا بين ربح وخسارة, فهو يتعامل مع مقومات التحرر, دون الأخذ بنظر الأعتبار الجانب الوجداني, ومقدار الصبر والتضحيات وضريبة الدم, عندئذ ستحسب نتائج الثورة طبقا لمقدار الربح والخسارة, ولن يكون هناك مجال للعطاء الا في حد معين.
الصنف الثالث يتعاطى مع الثورة وجدانيا وفكريا وعقائديا, وهؤلاء هم نخبة السائرين على نهج الحسين (عليه السلام), فهذا الصنف يدرك معنى صناعة الثورة الخالدة, التي تكسر كل قيود الضعف الانساني, والغرائزي وبوادر تلك الثورة جهاد النفس وتحطيم كل الأصنام, القائمة في أعماق النفس البشرية, وتلك المرحلة الأولى لصناعة الحرية.
السلطة صنم, والمال صنم, وحب الشهوات صنم, وكل شخص أسير لما تهوى نفسه عبد لا يملك مقاليد الحرية, تحركه الأهواء كيفما تشاء, فمتى ما تحرر من تلك القيود وأقتلع معابد الأصنام من قرارة نفسه, تمكن من الوصول لأرقى مراتب الحرية, وهي التغلب على النفس والشيطان, وتلك ثورة أولى تفتح أبواب الثورات الكبرى, وتحدد مصير الشعوب, وتحطم عروش الطغاة.
عندما يملك الأنسان زمام نفسه, لن يرضى أن يكون عبدا لأي سلطة أخرى, سوى السلطة الالهية, وسيفتح أبواب العطاء على مصراعيها, فيقدم النفس والمال والولد والامثلة على ذلك أكثر من أن تورد, والحر الرياحي خير دليل على ذلك, عندما عاش صراعا للحظات بسيطة بينه وبين نفسه, وسرعان ما حسم أمره, وتفوق على نفسه والتحق بركب الخلود, وتجاوز معنى الربح والخسارة, وأدرك معنى العطاء دون حدود, ففاز فوزا عظيما.
ونحن على أعتاب الثورة الحسينية الخالدة, دعوة لكل من يؤمن بتلك الثورة التحقوا بركب الصنف الثالث, من العارفين بنهج سيد الشهداء, والسائرين على دربه وتذكروا أنه قدم الأهل والمال والولد, لأجل الرسالة المحمدية, والحفاظ على الصلاة, والألتزام بتعاليم الخالق, ففي آخر لحظات حياته الشريفة يناجي ربه ( تركت الخلق طرا في
هواكا), فقد ترك الدنيا بما فيها من أجل لقاء الخالق, وقدم القرابين واحدا تلوا الآخر ليرفع الآذان في المساجد.
بعد هذا كله لا يمكن أن تختزل تلك الثورة المباركة في أقامة الشعائر, وتقديم الطعام والشراب, دون أدراك معنى تلك الثورة, فالأحرى بالزائرين الالتزام بالصلاة, والأكثار من ذكر الخالق, وتحري الإخلاص في كل عمل.
أما المؤمنات بثورة سيد الشهداء, (عليه السلام) فيكفي أن نذكر زينب, (عليها السلام) وستصل الرسالة, على أكمل وجه, للعارفين بالحسين وأهل بيته (عليهم السلام) ,لنتخذ من ثورة أبي الأحرار نهجا انسانيا متكاملا, كما هو دائما, صلاة ,وعفو, و أصلاح ومراعاة حرمات الطريق, وحجاب وحلم وأدب, وسائر معاني الأرتقاء بالنفس, أكراما للتضحيات الجسام لسيد الشهداء(عليه السلام), فالحسين ثورة مستمرة, وليس ذكرى ثورة.