23 ديسمبر، 2024 12:11 ص

الحسين حزين..لاأحد يفهمني

الحسين حزين..لاأحد يفهمني

مطرقا رأسه الى الأرض، حزينا حزن مؤمن عظيم.متأملا في ملايين الصور التي يصدم بها كل يوم منذ ان أطيح برأسه وهوى صريعا على رمضاء قاتلة من الحرارة والرمل الأصفر في صحراء إسمها كربلاء يراها تحولت من بعده الى مدينة فارهة بشوارعها وفنادقها وإستثماراتها الخيالية التي ينظر إليها فقراء الشيعة ولايستطيعون المبيت فيها وكأنهم فقراء بيروت الذين ينظرون الى فنادق الروشة المبنية بمليارات السعوديين والقطريين ويحلمون بها كإمرأة عارية على شط بحر الهوى.

يقول الأمريكي لصديقي وهو يحاوره عندما رآه منكبا على شاشة الكمبيوتر ينظر الى الجموع الغفيرة وهي تسير نحو كربلاء: ماهذا الذي يحدث في بلدك؟ يخبره العراقي إنهم يسيرون الى قبر قديم لرجل عظيم قتله شيطان رجيم منذ 1400 سنة حزينة. فيتعجب الأمريكي ويتساءل مستنكرا: ولماذا أنتم تقتتلون بينكم ويحدث عندكم أمور غريبة كالفساد والسرقات؟ وحين حار العراقي، قلت له: أخبره: إن العظماء يقاتلون ويثورون ويتمردون على الحاكم الفاسد والظالم ليس بحثا عن المجد لأنهم لو فكروا هكذا فسيكونون منافسين للحاكم، وليسوا معبرين عن مظلومية المحكوم. وليس من شأن الثائر أن يتحول الناس من بعده وقد غدره من كان في زمانه وتركه وحده في الميدان ان يكونوا فلاسفة ومفكرين وقادة وسادة وثوارا مضحين فهذا شأنهم ومسؤوليتهم مع إنه يريد ذلك لو كان بيده الأمر، ولسعد بأن يرى أثرا لتضحيته.

الحسين لم يثر لتسير الناس الى قبره الطاهر، ولا ليطبخوا الطعام، فالذين يأكلونه على أية حال ليسوا جياع اليمن، ولا التائهين في أحراش افريقيا وقد هدهم الجوع. هي قضية ثار لأجلها، وربما لحقه ملايين البشر من بعده رافضين للظلم، وهو لم يرد المجد كما يتوهم البعض لأنه ليس كيزيد فلماذا نضعه موضعه بالفعل، بينما نفرق بينهما بالقول فقط.هو يقول: مثلي لايبايع مثله! مشكلتنا الكبرى إننا نتعامل مع الحسين الباحث عن مجد ودعاية وكرنفال، وليس الثائر الذي يريد ان يغيرنا.. فنقول له: عذرا فنحن لانتغير. فذات النفاق الذي ملأ قلب أبيك قيحا مازال فينا، ذات اللصوص يسرقون ونعاونهم، ذات الدجالين الذين دعوك فغدروك من رجال دين وحفظة قرآن. ذاتهم يمشون إليك ويستخفون بصلاتهم وصيامهم.

اعرف أنك مطرق حزين لأنك ابتليت بأتباع، وليسوا بأتباع لاصلة لهم بك، وحزين لأن الذين يطمسون قضيتك مسلمون ويستهينون بها، والذين يظهرون قضيتك ويبكونها كل عام لايفعلون شيئا مما ثرت لأجله.

حزين وتسأل: لماذا لايتغير الناس، لماذا يستمرون في الكذب.يسرقون، ينافقون، يخونون الأمانة، يزنون، يستخفون بالصلاة والصيام، يلوكون الغيبة مثل علكة، ثم يمضغونها، لايتعلمون، حتى النعل الذي يضعونه في أقدامهم مستورد وطعامهم ولباسهم وكل شيء يستوردونه.. يسأل الحسين غاضبا: لماذا لاأجد أثرا لثورتي فيكم.. لاتحدثوني عن الطعام والطواف والمسيرات والرايات فهي لغيري تكون كذلك، ولا عن الروايات والكتب والقصائد فلسواي تؤلف وتوزع.

حدثوني: هل تغير شيء مما ثرت عليه؟ ثرت على الظلم فصار اكثر إستحكاما، وثرت على النفاق فصار طبعا فيكم، ثرت على سرقة آلاف الدنانير، فصرتم تسرقون المليارات.ثرت على سوء توزيع الثروة، فلم يعد من توزيع أصلا….الحسين تحول الى قصة تروى… إبحثوا لي عن بشر حولها الى فعل مختلف…لاأجد.