23 ديسمبر، 2024 5:38 م

الحسين بين ساحة الذكرى,وساحة الموقف

الحسين بين ساحة الذكرى,وساحة الموقف

ان الحديث عن الحسين يضع المرء بين ساحتين ساحة الذكرى,وساحة الموقف فا بالذكرى نستذكر الجسد الطاهر الذي لم يفارقه رسول الله(ص) شماً وتقبيلا ويقول عنه (حسين مني وانا من حسين,واحب الله من أحب حسينا) ,نستذكر وديعة الرسول الأكرم وأمانته في أمته التي يطالب لها بالرحمة والمغفرة من الله يوم القيامة ,جاؤوا اليه الصحابة وهو في المسجد ليقدموا له الأموال والحلي والمجوهرات لقاء تضحياته التي قدمها في سبيل الإسلام فكانت آية المودة هي الجواب والحجة عليهم وعلى كل المسلمين﴿ قُل لا أسألُكُم عَليه أجراً إلاّ المودَّةَ في القُربى ﴾قالوا : يارسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجّبت علينا مودتهم ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : «علي وفاطمة وولداهما » المودة ان نحفظ الرسول وأهله في غيبته بعد وفاته ونودهم ونوقرهم ,وان نضمرلهم المحبة والتقدير هذه هي المودة حسب فهمي وإدراكي . نستذكر الشَّيْبِ الخَضِيبِ ،والخَدِّ التَّرِيْبِ ،والبَدَنِ السَّلِيْبِ،والثَّغْرِالمَقْرُوعِ بالقَضِيبِ،والرَّأسِ المَرفُوعِ ,وسنابك خيل الطغاة التي جالت على صدره ,والشفاه الذابلات,والعيون الغائرات,والمُرَمَّلِ بالدِّمَاءِ،والمَهْتُوكِ الخِبَاءِ،وخَامِسِ أصْحَابِ أهْلِ الكِسَاءِ،وغَريبِ الغُرَبَاءِ،وشَهِيدِالشُّهَدَاءِ،وقَتيلِ الأدْعِيَاءِ،وسَاكِنِ كَرْبَلاءِ ،ومَنْ بَكَتْهُ مَلائِكَةُ السَّمَاءِ .
نستذكرالأجْسَامِ العَارِيَةِ في الفَلَوَاتِ،تَنْهَشُهَا الذِّئَابُ العَادِيَاتُ ،وتَخْتَلِفُ إِلَيها السِّباعُ الضَّارِيَاتُ ,والجُسُومِ الشَّاحِبَاتِ ،والدِّمَاءِ السَّائِلاتِ ،والأعْضَاءِ المُقطَّعَاتِ،والرُّؤوسِ المُشَالاَتِ ,نستذكر الصحابة المنتجبين الذين كانوا كلما أرادوا شيء من رسول الله استحلفوه بالله وبحب الحسين في قلبه ومنزلته الكبيرة عنده ,وهويقول لهم (ان لقتل الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين لاتبرد ابداً ,لا يذكره مؤمن لابكى ) ويقول مقولته الشهيرة (ان الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة).
نستذكرالوحوش التي ادعت انها من سلالة البشروما قدمواعليه من الممارسات والأنتهاكات مع أسرة آل الرسول ظلت وصمة عار في جبين تاريخ الانسانية,لم يراعوا حرمة لأ امرأة ولشيخ ولعجوز ولا حتى للطفل الرضيع ,وجريمة التمثيل بالجثث بعد القتل ,وكيف نهى الرسول عن ذلك بقوله (إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور) وأتساءل اين هم من وصية الرسول (ص) لجنوده وسراياه عندما يتوجهون لساحات القتال ؟
ويقول لهم : سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، لا تغلوا ولا تمثلوا،ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخا فانيا, ولا صبيا ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها ,ولاتحرقوا النخل ولا تغرقوه بالماء ولا تحرقوا زرعا لأنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه ولا تعقروا من البهائم مما يؤكل لحمه إلا ما لابد لكم من أكله.
وأقول يارسول الله روحي لك الفداء ترى أين هي وصاياك من هؤلاء؟ تركوا الوصايا وتركوا قيم العرب التي تفاخرت بها وهي أكرام الضيف والأمانة والوفاء بالعهد والترفع عن مقاتلة القلة بالكثرة ,جميعها ضربت عرض الحائط وحل ماحل بأهل بيتك الكرام من قتلً وتنكيل ,اين هم عندما حرقوا الخيام واقتادوا أشراف القوم اسارى ؟ كنت تعفو يارسول الله عن المذنب والمقصر والمسيء وذاك ليس غريباً عنك وعن سمو أصلك وطيب خلقك الرفيع وانت من قلت عندما دخلت لأهل مكة (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء ) ,وقول الشاعر شهاب الدين الذي يقول :
ملكنا فكان العفو منا سجية         فلما ملكتم سال بالدم أبطح
وحللتم قتل الأسارى وطالما   غدونا عن الأسرى نعف ونصفح
فحسبكم هذا التفاوت الذي بيننا    وكل إناء بالذي فيه ينضح
ونستذكر الموقف ,موقف التضحية والفداء والبطولة والإباء والعزة والشموخ ,الموقف الرافض لأن يكون الإنسان عبداً ذليلاً خاضعاً خنوعاً وهو يقول (والله لا أعطينكم بيدي أعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد) الموقف الذي يحرر الإنسان من رق الإنسان ,يحرره من الحقد والأنانية والذاتية التي تريد ان تجعل منه وحشاً بلا مبادئ وبلا ضمير,الموقف الذي يحرر المرء من خوفه أمام الطاغي والسلطان الجائر ليكتب التاريخ موقفه عنه ليقول(أني لاارى الموت الاسعادة والحياة مع الظالمين الابرما) .
الموقف الذي يقدم للموت طعاماً من أهل بيته واخوته وأولاده وأنصاره وهو يراهم مقطعين الأوصال ويجود بنفسه فقط مرضاة لله وتطبيقاً للحق ,ليقول (الموت اولى من ركوب العار ,العار اولى من دخول النار),ونستذكر الموقف الذي يرفض مبايعة الفاسدين واللصوص ويقول (مثلي لايبايع مثله) الذين يدعون انهم حماة للدين وأمناء على مقدرات الأمة الإسلامية وهم ليس الاذئاب مفترسة ووحوش جائعة يريدون سرقة بنى الإنسان التحتية وهي صدقه وإخلاصه وكرامته ,والاستحواذ على بيت المال وانفاق الأموال على شهواتهم الدنيئة ,ويعيدوا نظام العبودية ,والموقف الذي كان الدم هو الفيصل في فضحهم امام من ظنوا انهم حقاً لديهم أمير للمؤمنين فما هو الا أمير فاسق فاجر شارب للخمر يأتي بالفواحش دون خوف أو وجل من الله , فيقول الحسين (ع) (هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون).
نستذكر الموقف الذي انطلقت منه اليد الحمراء المبتورة الأصبع الممتد من وراء ضريحه لتساعد الشعوب المضطهدة في ثورة عارمة لا ينطفى أوارها وتخلصهم من جثامين الأنظمة التي لاتعرف سوى الازدراء والاحتقار وتنظر بعين الانتقاص لشعوبهم وتصنفهم عدة طبقات ,وهو يضرب مثلاً رائعاً في الانسانية عندما يضع جون العبد المسيحي في حجره ويضمه الى صدره .
نستذكر الموقف الذي انطلق منه كل الأحرار والثائرين بالعالم الانساني ,وكل المفكرين والمبدعين ,الذين يؤمنون بطريقه وبفكره المتجدد وبمنهجه للإصلاح ضد الفساد وبثباته عندما يتطلب الامر الثبات والموقف ,وليس القبول بالذلة والهوان وبيع المبادئ والقيم الصادقة ,لقاء المصالح الشخصية التي سرعان ما تنتهي وتتلاشى ,لقد بقى الحسين مناراً ونبراساً شامخاً يضيء الطريق في دياجير الظلام الدامس للأجيال القادمة ليتحول الى نهضة ,تستنهض في الإنسان إنسانيته والدفاع عن كرامته وحقوقه من الهدر والضياع .
نستذكرفي الحسين ان يكون المرء خطابه الذاتي الموحد ,مخلصاً لوطنه ولقضيته التي يدافع عنها,نستذكر السلوك الفعلي الذي سار عليه ابا الاحرار حتى نقول للعالم بأسره هذه هي ثقافة عاشوراء ملحمة الخلود في تهذيب وصقل ذات الإنسان من الكذب والخداع والغش والفساد وكل الممارسات التي تحقر من قيمته ,وإخراجه بالشكل الذي يوحي للآخرين ويعطي رسالة لهم ان عاشوراء مصنع الرجال والمواقف السامية والعدالة الاجتماعية التي لا تفرق بين شريف ومشروف وابيض واسود .