23 ديسمبر، 2024 2:01 م

الحسين بين الواقع والطموح

الحسين بين الواقع والطموح

تعددت الثورات العلوية في العهدين الأموي والعباسي والتي كانت عبارة عن ردات فعل على مالحق بالعلويين والشيعة من ظلم واضطهاد لكن ثورة الامام الحسين كانت علامة فارقة في التاريخ الاسلامي فماحصل في العاشر من محرم الحرام لعام 61 هجرية كان له خصوصيته سواء من حيث شخصية قائد الثورة الامام الحسين بن علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء (ع) وسبط النبي الأكرم محمد (ص) والرجل الذي خرج وجازف بمصير أهله ونفر من صحبه طلبا للاصلاح في الامة الاسلامية بعد مابدا الانحراف والظلم يستشري في الجسد الاسلامي أو من خلال النهاية المـأساوية للامام وذويه وصحبه و التي أمتزج بها الغدر بالحقد والبشاعة وهي عوامل جعلت من هذه الثورة مثالا صارخا للتضحية والفداء والشجاعة والبطولة وترسيخا لمبدأ انتصار الدم على السيف .

واذا كانت معركة الطف لم تكن بالاهمية من الناحية العسكرية حيث انتهت الى انتصار سهل للجيش الأموي جاز وصفه بالمجزرة الى ان أثار هذه المعركة السياسية والفكرية والدينية ظلت راسخة ليومنا هذا ومثلت نتائجها الأساس الفكري للعقيدة الشيعية الاسلامية .

في العام 41 هجرية تصالح الامام الحسن(ع) مع معاوية بن أبي سفيان على أن يتنازل الأول للخلافة للثاني حقنا لدماء المسلمين على أن يكون الامام الحسن (ع) وليا للعهد وتعود له الخلافة حيا أو لاخيه الحسين ان كان ميتا وقد نقض والي الشام بنود هذا الصلح وسارع الى مبايعة ولده يزيد بولاية العهد بالترغيب والترهيب بمجرد شهادة الامام الحسن (ع) وهو ماجوبه بموقف معارض من بعض الشخصيات الاسلامية لانحرافه عن مبدأ الشورى الذي كان سائدا أيام الخلافة الراشدة وتحول الأمر برمته الى ملكية وراثية وكان في طليعة الرافضين

لمبايعة يزيد الامام الحسين (ع) الذي أمتنع عن اضفاء الشرعية للحكم الجديد ومن هنا كانت بداية قصة المواجهة.

لقد خرج الامام الحسين ثائرا طالبا للتغيير في مواجهة حكم غير شرعي وظالم وكان الاصلاح هو الهدف الرئيسي وبيت القصيد وكلمة السر في قضية عاشوراء بأكملها والتي كللها باستشهاده وخلود أسمه وذيوع صيت هدفه السامي ولم تكن السلطة في حسبان الامام والا لكان لجأ للسياسة لا الحرب في سبيل نيلها.

ان اسقاط الفكر الحسيني الحر على واقعنا البائس اليوم يتطلب منا الايمان بخيار الاصلاح وسلوك طريقه ورفض ومعارضة ومواجهة كل نظام ظالم ومستبد مهما كان انتماؤه الديني والعرقي والقبلي والمذهبي فالامام الحسين لم يخرج على يزيد لكون يزيد سني والحسين شيعي وهو مايتصوره البعض مع محاولة تصوير الأمر على ان الثورة الحسينية ينبغي أن لاتكون سوى ضد طاغية من المذهب الاخر فاذا ما كان الظالم من نفس المذهب سكت البعض عن قول الحق ومواجهته لاعتبارات طائفية فالصراع بين الحسين ويزيد هو صراع الحق والباطل ، العدل والظلم ، الخير والشر ، المظلوم والظالم ، دون ان تكون للمذهبية والطائفية أدنى اعتبار مع عدم وجودها أصلا في ذلك الوقت.

ان اختصار القضية الحسينية بالشعائر هو استهداف مباشر لنقاء الفكرة وعدالة القضية وهو اغتيال ثاني أكثر ايلاما للامام خصوصا اذا اتى ممن ينتسبون لمدرسة أهل البيت ، ومن هنا وجب علينا القول بأن ذكرى الامام الحسين لا تتمثل في المواكب والطبخ ورفع رايات الحداد مع جل الاحترام والتقدير للشعائر الدينية (عدا التطبير والتطيين) لكن مايحصل اليوم وللأسف الشديد ان كثير منا قد أنشغل بهذه الأمور فأهمل الجوهر وتمسك بالقشور .

ان ذكرى عاشوراء يجب أن تكون محطة أساسية من محطات توحيد الصف الاسلامي واشاعة روح الاخوة والتسامح ونبذ الطائفية والفرقة خصوصا مع اجماع كل الفرق الاسلامية على مظلومية الحسين والتبرأ من قاتليه وهي فرصة لتذكير تيار الاسلام السياسي الشيعي تحديدا والذي أنحرف كثيرا عن مسار الحسين طوال سنوات حكمه للعراق بضرورة تصحيح مساره وقيادته لمسيرة الاصلاح الحقيقي في الدولة ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين ونبذ الطائفية واقصاء الطائفيين لكي نكون أتباعا حقيقيين للحسين لا تجار بأسمه ومستغلين قضيته ومظلوميته في تحقيق مأرب شخصية ومصالح سياسية، كماهي دعوة للمواطن العراقي عموما والشيعي خصوصا لكي يكرس حياته لتحقيق هدف الحسين الاصلاحي والمطالبة بحقوقه المشروعة في الحرية والعدالة والأمان والبناء والتنمية بصرف النظر عن هوية الحاكم .

لفد أرتبط العراق تاريخيا بأهل البيت عليهم السلام حيث شهدت أرضه خلافة الامام علي وشهادة الامام الحسين ومن تبعه من الأئمة الأطهار مماجعل العراق موطنا ثانيا افتراضيا لأهل البيت بعد وطنهم الأصلي الحجاز

ومن هنا كان أهل البيت حاضرين وبقوة في الوجدان الشعبي العراقي وأحد الملامح الرئيسية الدينية والثقافية للهوية العراقية .

ان أولى حلول الأزمة العراقية هو بسلوك طريق الحسين وهو مايعني البدء بالاصلاح الشامل لكافة مؤسسات الدولة العراقية المتهالكة بفعل الفساد والطائفية والمحسوبية مع حاجة البلد الماسة لهذه الخطوة لتدعيم قدراته في مواجهة الارهاب دون أن نفغل بأننا كعراقيين مطالبين بأن نرفع شعار (يا لثارات العراق) من الفساد والارهاب والطائفية بديلا لشعار (يا لثارات الحسين) للحيلولة دون استغلال البعض لهذا الشعار لتصفية حسابات طائفية، وأن يكون شعار (لبيك ياعراق) ملاصقا لشعار (لبيك ياحسين) للنهوض بهذا الوطن من واقعه المزري .

ان ثأر الامام الحسين قد تم أخذه فعلا على يد القائد المختار الثقفي الذي تتبع وطارد وقتل كل من شارك في قتل الامام (ع) ثم تحقق الثأر التام بسقوط الدولة الاموية عام 132 هجرية والتي لعب العلويون دورا بارزا في اسقاطها الى جانب أبناء عمومتهم من بني العباس، اما ثأر العراق فلا يزال ينتظر هبة شعبية تتصف بالوعي وتتسلح بالثقافة وتؤمن بمستقبل أفضل لانقاذ البلد ، فاذا كان ثأر الحسين قد أخذ فلا زال هدفه الأسمى الذي أستشهد من أجله غائبا عنا وهو مايتم ترجمته في واقعنا باقامة دولة المواطنة والعدالة والقانون في العراق أنذاك فقط سنكون حسينيين قولا وفعلا

عاش العراق .. ويبقى الحسين