19 ديسمبر، 2024 12:02 ص

الحسينيون … هم الـ (فالنتينيّون)

الحسينيون … هم الـ (فالنتينيّون)

أستطيع أن أتلمس ومضات الحب في كل ترنيمة من ترانيم كربلاء ، وأستطيع أن أتلمس وهج العشق في كل ترتيلة من تراتيل كربلاء ، وأستطيع أن أتنفس اهتياج الوجد في كل سيمفونية من سمفونيات كربلاء .
 
أستطيع أن أجد ألف مشهد من مشاهد ركوع الفرسان حضرة المعشوق في لحظات البكاء من ألم الجوى ، وهناك أجد ألف سيف يمتشقه العاشق ليشاكس الفضاء بحثاً عن (مَهْرِ) الحبيبة ، وأجد ألف عين تذوب من وله العشق في ساعات الشوق التي لا يعتقلها زمهرير البرد ، ولا أوان القيظ ، ولا تُسكرها المواقد .
 
فالنتين !!! أيها القديس الذي كان يقتفي أثر الحب ، ويحتمل أوجاع المقاصل من أجل العاشقين .
أيها الذائب في بودقات سحر التفاني ، أيها الممسك بحبل بدايات الخليقة .
 
لقد كان لموتك من أجل الحب معنىً لا يفهمه المتقافزون على أوجاع الناس ، ولا يستسيغه ذوو القلوب المعتمة ، ولا يعرف طعمه من فقدوا ذائقة الحنين الى بدايات الخليقة .
 
أنت ..كنت بوابة حلم العاشقين ، ونافذة مطلة على سفوح الراحة في عيون الحالمين ، وكان لموتك متسعاً كي يبدأ جسدك بالتلاشي والخلاص ، وكان لروحك متسعاً كي ترف دون قيد على شفاف المعذبين .
 
أعرف – أيها العاشق الرمز – إن البعض قد استهتروا بمعنى الحب ، واتخذوا من عيدك وذكراك متنفساً ليكفروا بمعاني الحب الرائعة ، وأعرف إن بعضهم لا يشاكل بين الوسيلة والغاية ، وإن بعضهم يستغل عيد الحب ، ليزرع الشوك عبر المفاسد ، ويمتطي عيدك ليضع الشهوة بدل الإحساس ، ويغمس المشاعر بمزيج من (التيكيلا) والجنس الصاخب الرخيص ، يستغلون العيد لخنق صبح الخليقة الجدي ، كما يستغل البعض بيوت الله ليقتلوا عباد الله .
 
سيدي …فالنتين ..ّّ
معذرة ..فأنا لست من أعدائك ، ولست من أعداء الحب ، فأنا مثلك – الآن –  عاشق حد الثمالة ، ولا أخاف (ماتيليوس) ولا (ريماليوس) ، ولن أتنازل عن عشقي لعود الياسمين المعفر بالنور ولو تلمظتني المشانق ، أو اشتهتني المقاصل . فقد تعلمت من الحسين كيف أحب وأصبر ، وأتألم وأصبر .
 
لقد تعلمت من الحسين ، ومن جد الحسين ، ومن الفيض الذي أرسل – بالحب – جد الحسين ، إن (خير الناس من نفع الناس) ، ومنهم تعلمت إن البشرى للذين (يستمعون القول فيتبعون أحسنه) ، وتعلمت بأن العيد يعني بداية مع الحب ، وصبح للتصالح من الله ، مع النفس ، مع الآخرين .
 
أيها القس العاشق فالنتين !!
لو ثنيت لنا وسادة الزمن ، وامتلكنا (معجزة( معلمك الأكبر اليسوع ، وأعدناك إلينا عبر خوف المقاصل ـ أو وعدنا إليك راحلين عبر المسافات والمتاهات ، وسألناك ….ماذا تريد ؟ ، لأجبتنا أنك تريد أن يكبر الحب بين أصابع الحب ، وأن ينمو الحب بين أصابع الحب ، وأن يمتطي الفرسان صهوات جيادهم ، ويدوروا حول بيوت العاشقين ، يحمونهم من صولة الكراهية .
ولو سألناك عن سر الحب ..لقلت بأنه الذوبان في الحبيب ، والتضحية من أجل الحبيب ، وإيثار الحبيب ، وطاعة الحبيب ، والموت في سبيل الحب والحبيب .
 
حسناً … سأهمس الآن في أذنيك …..
يقول أعدائك بأنك وثني ، ويزعمون بأنهم موحدون ، ولكني أقول بأن وثنية الحب ، خير من كراهية الأديان المزيفة ، وإن الرجوع إليك وأنت تني للمحبين (بداية البداية) ، خير من الرجوع لأعدائك وهم يبنون لوجود الإنسان (نهاية النهاية) .
ذلك لأن الله ، وأنبياء الله ، وأديان الله ، وكتب الله ، كلها جاءت لتصنع الحب والحياة ، ، ويا للمفارقة ، فأنت تبني وهم يهدمون ، وأنت تحب وهم يكرهون ، وأنت تجمع الناس وهم يـُفرِّقون ، وأنت تمسح الناس بالروح القدس ، وهم يـُكَفـِّرون .. وهذا ما أغاظ فيك أعداء الحب والحياة .
 
سيدي فالنتين !!
هل أدلك – في زمن الغربة والكراهية والحقد – على فالنتيين عاشقين حد الثمالة ؟ هل تريد أن ترحل معي عبر الطرقات لترى هجرة العاشقين للمعشوق ؟ هل تأت معي كي أريك ما يخبرك بأن الحب لن يموت ؟ هل تتفرغ معي لحظات ، وتهاجر عليائك لتشاهد أسراب الفراشات العاشقة وهي تمخر عبابب الخوف لتصل الى رياض النماء ؟

تعال معي – سيدي فالنتين – الى العراق …الى كربلاء
ففي الطريق الى كربلاء ، سترى العاشقين …(الحسينيون – الفالنتينيون) وهم يعبرون المفازات والمخاطر ، ويسافرون كالنوارس ، ويرحلون كأسراب الطيور ، الى مثابة عشقهم ، ومنزل راحتهم ، ومنطلق أبديتهم ، يرددون بصوت واحد تتخله فواصل من دموع (لبيك ..يا حسين) .
(الحسينيون – الفالنتيون) … يسافرون مع الفضاء ، مع الهواء ، مع النقاء ، نحو معشوقهم الأزلي ، يغسلون جراحه بدموعهم ، ويسقون أزهار تضحيته بعرق رحلتهم ، ويصبغون سندان زهر العشق بدمائهم ، ويسرجون خيول الحب لتشاكس وجه الريح ، فيعقلونها ، ويرمون بها إلى مكان سحيق .
(الحسينيون – الفالنتيون) يهمسون للحسين بأوجاعهم ، ويبثونه ألم اغترابهم ، ويتبادلون معه أحاديث الخلاص ، ويقدمون له القرابين ، ويجمعون ما تراكم في حصالاتهم ليشتروا بها باقات الزهور ، وعلب الهدايا ، ويمسحون عيون معشوقهم (الحسين) بمناديل من أعمارهم ، ويركعون محرابه المكتظ بالوجع والحنين ، يمطرونه بدموع العشق ، ولا ينتظرون أن يحصلوا منه على أي شئ سوى الرضا والقبول .
تتربص بهم أفاعي الغدر على الطرقات ، وتتناوشهم أنفاس الكراهية الكامنة على جوانب الطريق ، وتتوكفهم الكلاب السائبة لتمتص منهم عذوق الحب والحياة ، وتنتظرهم مخالب الضباع لتنهش أجسادهم التي تقطر عشقاً للحسين ، ورغم ذلك ..فهم لا يتأخرون ، ولا يتراجعون ، ولا يتخاذلون .
هؤلاء هم الحسينيون ….أليسوا هم الفالنتيون …؟
 
[email protected]