قبل ان نخوض في تاريخ الحسن عليه السلام وما اسفر عنه هذا التاريخ من امور غاية في الاهمية انعكست على امة الاسلام قائمة ليومنا هذا , احداث جلل ومواقف غاية في التعقيد وضّحت شخصية الحسن في الايمان الحقيقي والعزوف عن الدنيا ومغرياتها والتضحية في سبيل الغير مما جعلها نموذجاً نادراً وانعكاس اخلاقي وايماني صادق يقتدى به . لذا علينا ان نستذكر مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ثالث خلفاء المسلمين وتداعيات هذا الاغتيال الذي فرّق الامة ووضعها موضع خلاف الى يومنا هذا . عثمان قال لقاتليه ” والله لوقتلتموني ما صلى بعضكم وراء بعض أبدا ً ” وهي كذلك فتنة لم ولن تنتهي الى يوم الدين كانت مؤامرة متفق عليها من بعض الاطراف المغالية المشاغبة والغير مدركة لحقيقة وواقع الامور للدولة الاسلامية ومجرياتها , عموماً بعد مقتل الخليفة ضلت الامور سائبة والقتلة والناس يبحثون عن خليفة من صحابة الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم فلم يقبل احداً الحلول محل عثمان لأتساع الفتنة واستنكارهم لأسلوب قتله حتى علي بن ابي طالب رضي الله عنه رفض ذلك في البداية , وبعد اصرار القتلة وعموم الهرج والمرج أعلنوا بأنهم سيقتلون من يرفض الخلافة بعض الصحابة تركوا مكان الحدث منهم سعد بن وقاص خال الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم وعبد الله بن عمر بعدما اخبره بأن الناس يريدون تسمية خليفة من الصحابة فرفض الجميع ويطلبون مني ومنك ان يحل احدنا محل الخليفة عثمان , رد سعد عليه قائلاً ” لا تربط الجرباء حول صحيحة وأخلع ثيابك منها وانجو عريانا ” أتني بسيف يرى وينطق لأحمله على الفئة الباغية لقد اختلطت على الامور , فتركا المكان وغادرا المدينة . قَبِلَ علي بن ابي طالب الخلافة بعد ان كان رافضاً لها لا خوفاً من تهديد قتلة عثمان ولكن كان له اجتهاد صحيح في الوضع العام الغير طبيعي والنكبة التي حلّت بالمسلمين والدولة الاسلامية . الحسن ابنه لم يكن موافقاً لقرار ابيه على قبوله الخلافة حيث قال لا تقبل بهذا يا ابي في الحال الحاضر حتى تهدأ الامور وانك ستكون الخليفة حتى لو كنت في جحر ضب لآخرجوك الناس وجعلوك خليفة رد علي على ما قاله ابنه الحسن ليس من الافضل ترك المسلمين في هذا الحال من الاختلاف و الفوضى بل الافضل قيادتهم وتبصيرهم بأمور دينهم ودنياهم وارشادهم لما فيه الحق والعدل والصواب . وكان رأي الامام منطقياً في ذلك في اثناء ذلك طالب معاوية بن ابي سفيان والي الشام بالثأر من قاتلي الخليفة عثمان بن عفان والقصاص منهم وليس معترضاً على خلافة علي بن ابي طالب , على اساس ذلك خاطب الخليفة علي الناس سائلاً من قتل الخليفة عثمان بن عفان فأدعت جموع كبيرة منهم تقارب الألفي شخص بأنهم قاتليه , وكان ادعائهم هذا غير معقول فطلب علي من معاوية ان يمهله وقتاً لمعرفة القتلة الحقيقين ومحاسبتهم , لم يُرضي ذلك معاوية فقامت الحرب المعروفة نتائجها وتداعياتها . بعد مقتل الخليفة الرابع علي بن ابي طالب عليه السلام , سؤلَ قبل ان يفارق الحياة هل يوصي بالخلافة لأحد ابناءه رفض ذلك وقال ” اترككم كما ترككم رسول الله ” فتشاور المسلمون المتواجدين في المدينة وأختاروا الحسن بن علي كخليفة بعد ابيه علي بن ابي طالب . وهو اكبر اولاده
الحسن بن علي بن ابي طالب الهاشمي القرشي . 15 رمضان 3هـ ـــ صفر 50 هـ / 4 مارس 625 م ـــ 9 مارس 670 م سبط النبي محمد(ص) وحفيده وثاني الأمة عند الشيعة . أطلق عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلّم لقب سيد شباب اهل الجنة , كنيته ابو محمد ولد في النصف من شهر رمضان عام 3 هجرية وتوفي في 50 هجرية ودفن في البقيع ابوه علي بن ابي طالب ابن عم رسول الاسلام رابع الخلفاء الراشدين أمه فاطمة بنت النبي محمد بن عبد الله له ثمانية أخوة ,
زوجاته تسعة زوجات كان مزواجاً يحب التزاوج ابنائه ” المتفق عليه ” 12 أثنا عشر ثمانية اولاد واربعة بنات ” أحصى الذهبي للحسن تسع زوجات و الشيخ المفيدمن علماء الشيعة متفق معه وأبناءه منهن “اختلف العلماء في عدد اولاده وهناك عدد من الاولاد مذكورون في بعض الكتب وعددهم ثمانية سبعة اولاد وبنت واحدة .
النبي محمد ( ص ) هو من سماه ” الحسن ” وقد أذن في أذنه اليمنى وأقام في يسراه , أمضى الحسن السبط مع النبي ( ص ) زهاء سبع سنوات من حياته وكان يحبه جده حباً جماً وكثيراً ما كان يحمله على كتفه .
شارك في فتح شمال افريقيا وطبرستان ووقف مع ابيه في موقعة الجمل ووقعة صفين وحروبه ضد الخوارج , استمرت خلافته مدة ستة اشهر وقيل ثمانية , كان يشبه النبي محمد ( ص ) في ملامحه والشبه بأبيه في جسمه , كان كريماً معطاءا وكان على قدر كبير من الحلم يؤثر الآخرين على نفسه تقياً ورعاً شجاع وذكي يفطن الى صغائر الامور وكبارها . واجه الحسن وضعاً شائكا وصعبا معقدا في كل جوانبه .
واقعه وخلفياته . كان يميل للسلم والسلام حقناً لدماء المسلمين لا يُرجّح الحكم والسلطة على امن المسلمين وحياتهم ناكراً لذاته في سبيلهم , دهائه وحرصه على الاسلام والمسلمين يفوق به جميع من عاصروه ووافقوه او اختلفوا معه . استغل معاوية صفاته هذه فكان ينبئه عمن خان وغدر بأبيه ويخونه في حربه مع معاوية ويطلعه على مواقفه منهم وما يبعثونه من رسائل وما يستلمونه من مال وهدايا . في خطبة له مع اتباعه فهمها بعض المغالين الجهلة على انه يريد بها الصلح مع معاوية وانهاء الحرب , فقاموا بمحاولة اغتياله ضربه احدهم بخنجر في ساقه فسقط من على ظهر جواده وحاولوا الاثناء عليه لقتله لكن انقذه من كان معه واقتحم المعتدين خيمة الحسن وسرقوا موجوداته بما فيها سجادة الصلاة .
تمت الموافقة بينه وبين معاوية على تنازله عن الخلافة لمعاوية بشروط متفق عليها اقرها الحسن في مسجد الكوفة و كان البادئ في الحديث متقدماً معاوية حيث قال إن كانت الخلافة حق معاوية فله بها وان كانت من حقي فأني اتنازل عنها حقناً لدماء المسلمين . وشرط على معاوية العفو عن كل من كان مع ابيه ومعه في حربهم معه وهناك شروط اخرى معروفة لا مجال لذكرها . مما يذكر ان بعض من اتباع الحسن لم يكونوا راضين على هذا الأتفاق , وسمي الاتفاق بأتفاق الجماعة ” جماعة المسلمين ” وحديث صحيح للرسول محمد ( ص ) يذكر فيه ( ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ) وعده معاوية بالاتفاق على ان يكون الخليفة من بعده . رفض الحسن بن علي ذلك وأكد على ان المسلمين ” امرهم شورى بينهم ” تأكيد على سنة النبي و سيرة خلفاءه من بعده فوافق معاوية على ذلك لكنه خالف ما وعد به فسمى ابنه يزيد للخلافة من بعده طمعاً بالجاه والسلطة وهذا الامر احدث مشكلة كبيرة بين المسلمين من ابرز تداعياتها ثورة الحسين بن علي ابن ابي طالب شقيق الحسن بن علي والثورات التي تلتها من قبل العباسيين و العلوين . وللذكر بعد مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه كان الخلاف بين شيعة علي وشيعة عثمان , سياسي حربي وكان البداية لنشوء فرقة الشيعة والاحداث والصراعات التي تلتها كانت مبنية على هذا الحال ” سياسي حربي ” لم تكن اسباب الصراع والنزاع عقائدية أي لم يغيير معاوية او ابنه يزيد ومن بعده شيء مخالف للعقيدة الاسلامية او القرآن الكريم استمر هذا الحال حتى بعد مقتل الحسين عليه السلام المشكلة كانت في تولية يزيد للخلافة غير المتفق عليه وتصرف يزيد الشخصي في مجال ادرارة الدولة الاسلامية من الناحية السياسية والمالية ” أجتهد معاوية فأخطأ ” مخالفاً امركم شورى بينكم ” الذي تركه النبي محمد صلى الله عليه وسلّم وَسَلَكه والتزم به من بعده الخليفة الاول ابوبكر وعمر وعثمان وعلي , رضي الله عنهم . بعدها استغلت حالة الصراع من اشخاص وجهات شتى لغايات مختلفة الاهداف والمرامي .
بعد تنازل الحسن بن علي عن الخلافة واستقراره في المدينة زاره وفد من العراق ” الكوفة ” و أخبروه أنهم من اتباعه ومحبيه ومواليه فنهرهم الحسن واثنى عليهم , سألوه عن السبب في تنازله للخلافة لمعاوية بن ابي سفيان رد عليهم ماذا لو ان سبعون الفاً من قتلى المسلمين منا ومن جيش معاوية يسألون الله واضعين اياديهم على رقابهم لماذا ذُبِحنا وعلى ماذا , لم احتمل ذلك امام الله فحقناً لدمائكم وبقية المسلمين فعلت ذلك . لم يطمع الحسن في الدنيا ولا يهوى ويفضل السلطة والجاه على مصلحة الاسلام والمسلمين واستقرارهم وسلامتهم وقد تحمل الإمام الحسن (ع) الكثير من الاتهامات والتهجمات بسبب هذا الصلح من الكثيرين من ضعاف النفوس والذين كان إدراك ماهية هذا الصلح يفوق فهمهم واستيعابهم. الإمام الحسن بدوره صبر على ذلك وكان يكرر التوشيح والخطب في هذا المجال ليرفع حجب الشك عن الكثيرين . وهذه هي عظمة ” الايمان والاخلاق والكرم والحلم والدهاء ونكران الذات ” الصفات التي اتصف بها الحسن بن علي عليه السلام عكس معاوية وطمعه فيها .
كان الحسن راضياً صادقاً مع نفسه والآخرين تقياً كريماً شجاعاً متمسكاً بدين الله الاسلام متخذاً القرآن الكريم قانوناً ومنهجاً ملتزم بهديه ومنتهجاً من سيرة جده محمد اشرف الخلق صلى الله عليه وسلّم والصحابة وابيه سلوكاً حياتياً عاملا به .
كان كريما يجيب السائل. قال:
نحن أناسٌ سؤالنا خَضِلْ يرفع فيه الرجاء والأمـلْ
تجود قبل السؤال أنفسنا خوفاً على ماء وجه من يسَلْ
رحم الله الحسن بن علي الهاشمي القرشي . ندعوا المسلمين الاقتداء به وبسلوكه وشخصه الكريم .
المصادر : 1 ـ الفتنة الكبرى . د طه حسين 2ـ ويكيبديا الحرة 3 ـ معاوية بن ابي سفيان شخصيته وعصره . د على محمد الصلابي 4 ـ البداية والنهاية . لأبن كثير