-1-
التحاسد بين الناس عاهةٌ معروفة ، وهي ذات جذور قديمة ترجع الى تاريخ سحيق …
لقد حسد (قابيل) (هابيل) فقتله ..!!
حسده لأن الله تقبل قربانه ولم يتقبل منه ..!!
والحاسد يتمنى زوال النعمة عنك …،
وما ذلك الاّ بسبب الذات الشريرة ، واللؤم الشديد ، والخبث المستعر في الأعماق …
-2-
وكلُّ ذي نعمة محسود
فقد يُحسد الانسان على ما حازه من ثروة أو علم أو عمل نافع أو مقام وجاهٍ …. أو حزمة كبيرة من الأولاد أو طوال عمر وسلامة
قال الشاعر :
إنْ يحسدوك على عُلاكَ فانما
مُتَسافِلُ الدرجات يُحسد مَنْ علا
وقال ابن المعتز :
اصبرْ على حَسدِ الحَسُو
دِفانَّ صبرَكَ قاتِلُهْ
فالنار تأكل نفسها
إنْ لم تجد ما تأكُلُهْ
وقلّ أنْ يُحسد على حاشيته وبطانتِه …
إنّ الفوز بالأكفاء من الرجال، يُسْتَعانُ بهم في مختلف المهمات، لايُتاح لكل الزعماء والرؤساء، والغالب في (طواقم) السلطويين، أنها تَضّمُ من ليس أهلاً للقيام بالأدوار الخطيرة المناطة بهم .
انّهم يحجبون عن رؤسائهم الكثير من الأخبار والاسرار ، خلافاً لما تقتضيه الأمانة والمصلحة العامة للبلاد، وبدوافع ليست نزيهة –للاسف الشديد – !!
ويحاولون تقريب البعيد ، وإبعاد القريب ، طبقاً للمصالح الشخصية والأهواء ..!!
وهذه هي أحدى المشكلات لا في الدوائر الحكومية فحسب بل في شتى الدوائر …!!!
جاء في التاريخ (مروج الذهب للمسعودي /ج3/ص98)
ان عبد الملك بن مروان أرسل (الشعبي) الى ملك الروم حاملاً اليه رسالة خاصة .
ولنترك (الشعبي) يحدثنا عما لقيه اثناء أدائه المهمة …
” أنفذني عبد الملك الى ملك الروم ، فلما وصلت اليه جعل لا يسألني عن شيء الاّ أجبتُه ،
وكانت الرسل لاتطيل الاقامة عنده ، فجسني أياما كثيرة …
فلما أردت الانصراف ، قال لي :
من أهل بيت المملكة أنتَ ؟
قلت :
لا ، ولكنني رجل من العرب في الجملة ،
فهمس بشيء ، فدُفِعَتْ اليّ رُقعه ، وقيل لي :
اذا أدّيتَ الرسائل الى صاحبك ، أوصلْ اليه هذه الرقعة
قال :
فأدّيتُ الرسائل عند وصولي الى عبد الملك ،
ونسيتُ الرقعة ، فلما صرتُ في بعض الدار ، تذكرتُها فرجعتُ وأوصلتها اليه ،
فلما قرأها قال لي :
أقال لك شيئاً قبل أنْ يدفعها اليك ؟
قلتُ :
نعم
قال لي من أهل بيت المملكة أنت ؟
قلتُ :
لا ، ولكنيّ رجل من العرب في الجملة ،
ثم خرجتُ من عنده ،
فلما بلغتُ الباب رُددتُ
فلما مثلتُ بين يديه ، قال لي :
أتدري ما في الرقعة ؟
قلتُ :
لا
قال :
إقرأها ،
فلما قرأتُها فاذا فيها :
” عجبتُ من قوم فيهم مثل هذا كيف ملّكوا غيره ؟
فقلتُ له :
والله لو علمتُ ما حملتُها ،
وانما قال هذا لأنه لم يَرَك ، قال :
أفتدري لِمَ كَتَبها ؟
قلتُ : لا
قال :
حسَدَني عليك ، وأراد أنْ يُغريني بقتِلكَ
قال :
فتأدى ذلك الى ملك الروم فقال :
ما أردتُ الاّ ما قال .
أقول :
اننا اليوم لانعرف أحداً يحسد السلطويين العراقيين على رجل من رجالهم وخاصتهم ..!!
والعكس هو الصحيح .
إنّ بعضهم أحاطوا أنفسهم بعناصر لا يُرتجى منها نَفْعٌ لا للبلاد ولا للعباد، وهم بعيدون كل البعد عن الحُسّاد ..!!