23 ديسمبر، 2024 6:11 م

الحسب أم النسب في خدمة القضية

الحسب أم النسب في خدمة القضية

بتاريخ 13 اذار 2018 حيث تواجدي في قلعة كركوك حاضراً في المعرض الفني للخط العربي الذي أقامته جمعيتنا جمعية الخطاطين العراقيين. بدخولي إلى باحة المعرض كان أحد الإخوة من المسؤولين يخرج من المعرض وهو محاط بأفراد الحماية والموالين. إعترضت إمرأة طريق هذا المسؤول وقالت له أن حالتهم المادية صعبة جداً وطلبت توظيف إبنها في اي عمل يتمكنوا من خلاله تأمين لقمة العيش، وكانت المرأة تتحدث بحرقة القلب. رد الأستاذ المسؤول على طلبها قائلاً “خلي ابنج يصير جندي بالجيش”. ومن ثم إنصرف المسؤول مع حاشيته.
بعد عامين بالتمام والكمال ظهرت أسماء التعينات في إحدى الدوائر الحساسة وكان الإسم الأول في القائمة هو إبن هذا السيد المسؤول.
تطرق إبن خلدون في مقدمته في سنة 1377م على موضوع الحسب والنسب. وبين أهمية الحسب في تطور الشعوب. بين كذلك أن النهضة الشاملة لا يمكن أن تحققها الأمة التي تعتمد على الأنساب دون الحسب.
النسب: جمعها أنساب وهي الآباء والأصول التي يعود إليها الإنسان ويمتد حتى أصل العشيرة التي ينتمي إليها الفرد. أهمية النسب تكمن في تعزيز صلة الأرحام في الغالب ويعتمد كثيراً في العشائر والبادية. ولا يمكن إعتماده في الحضر والمدن الراقية لغرض الإرتقاء في شأن ما. والعمل بالنسب يعني إبن فلان وعلان وأخ فلان وعلان.
أما الحسب: فهي الخصال الحميدة في الإنسان والشرف في الفعل والشجاعة والجود والوفاء وتلبية النداء والقابلية في العمل. هو رصيد الانسان وسمعته من الأخلاق و الشجاعة و الشرف و السؤدد والرياسة والنجدة وكل الأخلاق والصفات الحميدة.
إذا أراد المجتمع النهوض بواقعه والإرتقاء به فلا بد من إعتماد الحسب وليس النسب. فإذا تسنم شخص ما موقعا إدارياً لكونه أخ فلان أو إبن عم فلان وهو لا يعرف بمفردات العمل، فمن المحقق أن العمل هذا سيفشل. أما إذا انيطت هذه المسؤولية إلى شخص ما بالحسب دون النظر إلى كونه أخ فلان أو إبن عم فلان أي بالإعتماد على قابليته في الإيفاء بالمهمة فإن العمل سوف ينجح.
ما أصبو إليه في هذا المضمار هو بيان أن القضية العادلة لا يمكن أن تنهض بالإعتماد على النسب. وأنا أشاهد أن الكثير من مؤسساتنا السياسية والإجتماعية العاملة اليوم تولي المسؤوليات للأشخاص بالاعتماد على النسب. هذا إبن فلان وذاك أخ فلان والأخر ابن عم فلان وعلاّن وهكذا. وهذا الأمر الذي ساق بنا وبقضيتنا إلى وضعية لا نحسد عليها والسبب الرئيسي في الأمر هم الذين تسنموا مواقع حساسة وتمكنوا من إسماع صوتهم.
كانت قضيتنا في سابق عهدها معتمدة على الحسب. أي كانت تعتمد على الأشخاص الذين لهم كفاءات في العمل ولهم فكر مميز وكنا في أحسن الحال. وكنا بالأمس في وضعية نفتخر بها وقد إرتقينا بالقضية العادلة إلى مستويات متقدمة وكان صوتنا مدوياً. ولي أن أذكر العشرات من الأسماء التي تركت بيننا أثراً بالغاً وفي شتى المجالات منها السياسية والإجتماعية والأدبية والفنية وغيرها. فقد كان الأشخاص يعملون في الوسط بالإعتماد على كفاءاتهم وإمكانياتهم. لذا فإنهم أدوا الرسالة على أكمل وجه دون تلكئ او كلل.
أما اليوم فإننا نشاهد أن إعتماد الأشخاص يتم ومع الأسف الشديد بالإعتماد على النسب، وهنا تمكن الطامة الكبرى.
حيث أرى أحزاباً تدعي إنها تحمل فكراً شاملاً يُعنى بإصلاح المجتمع أو يقصد رفاهيته كالأحزاب القومية والإشتراكية وما شابه (فالقومية تخاطب الملايين من البشر وكذلك الإشتراكية) مع ذلك فان الكادر المتقدم من تلك الأحزاب تكون من عائلة واحدة أو من الأقارب ونجد إنهم يأتون بالأشخاص إعتماداً على العلاقات الشخصية مع هذا المتنفذ أو ذاك. ولنا أن نشاهد بالعين المجردة العاملين في المؤسسات المختلفة وقد جيء بهم دون أن يكون لهم قابلية في العمل وليس لهم علاقة بالعمل المناط اليهم لا من قريب ولا من بعيد.
موجز الكلام فان الذين يعتمدون في إختيار الأشخاص على طريقة النسب وليس الحسب كما يحدث اليوم إنما هم في خانة خيانة القضية وهم أخون من الجواسيس.