لست خائفا كثيرا في سري على الأقل، لكنني حزين. فالخوف لايمنع عنك الخطر دائما، وربما كنت لاتعبأ به لأنه مصاحب لك. وماتعتقده يبتعد بالخوف قد لايبتعد. لكن الحزن (لمن يفهم) الجميع يخاف. وبرغم تباين خوفهم لكنهم يخافون على أية حال.
لكن ليس الجميع يحزن بذات الطريقة. فقد تعودت أن أحزن في سري عندما يسيء لي أحدهم، أو يهددني بشيء لأنني أدرك إنه يستخدم قوة مؤقتة ستزول حتما، بينما يصاحبني حزن كبير لايكاد ينقطع لأنني ارى الناس يحاولون كسب المزيد من الأشياء بالقهر والظلم.
شيء آخر كنت أخافه في مراحل مرت، وصرت اليوم لاأهتم له كثيرا لجهة الخوف، بل لجهة الحزن. افهم أن الموت حتم وهي مسالة وقت لاأكثر، وستحين لحظة المغادرة، وليس مهما أن يكون في وداعي أحد، أو أن يبكي علي أحد، أو يرثيني أحد، أو أن يشمت بي أحد طالما إن النتيجة واحدة. ويروى أن علي الملقب بالأكبر سأل والده الحسين، وهما في الطريق الى كربلاء: ألسنا على الحق؟ فقال الحسين نعم. فرد الأكبر: فماهمنا إن وقعنا على الموت، أو وقع الموت علينا.
صرت اليوم، ومع تقدم العمر، وفهمي لحركة الحياة، والنهايات اشعر بالحزن إنني سأغادر الحياة، وأترك أصدقائي، وبرغم إنهم سيلحقون بي، وربما سألحق بهم لكنني لم أعد ابالي بالأشياء والحوادث. غير أني لاأريد مغادرة الأمكنة التي أحب، والناس والأهل، ومن عرفتهم في الحياة حتى إنني أرجو أن لاأترك حتى الذين كرهوني، واود لو أصالحهم.
أود لو أشبع من أحبتي وأصدقائي، ومن عرفت، وتكلمت إليهم، وعملت معهم، وأحبوني ومنحوني الدفء والطمأنينة.
قد يكون حزني خوفا، أو خوفي حزنا لاأعرف. لكنني اعيش شعور الحزن بصدق، ولاأكترث للخوف الذي يصنعه الذين يتشبثون بالحياة وتفاهاتها المرة. أنا حزين. حزين بالفعل، ولست خائفا، وإذا فهمت بطريقة سيئة فليكن. فلم يعد ممكنا إقناع الجميع.