22 ديسمبر، 2024 8:39 م

الحزم السياسي يخترق بغداد

الحزم السياسي يخترق بغداد

مرت العلاقات العراقية السعودية بأطوار مختلفة بدءا بالعداء في سنوات الدولتين الأولى ومرورا بالتحالف الوثيق أثناء الحرب العراقية – الايرانية وانتهاء بالصدام المباشر في حرب الخليج الثانية وماتلاها ولم تتجه العلاقات للتحسن عقب سقوط النظام السابق بل انها أتجهت نحو الأسوء في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي قبل أن تشهد في الأونة الأخيرة انفراجا توج باعادة افتتاح السفارة السعودية في بغداد على الرغم من تحفظ ومعارضة بعض القوى السياسية العراقية (المقربة من طهران تحديدا) والتي ما لبثت ان أستغلت حادثة اعدام الرياض لرجل الدين نمر النمر وتصريحات السفير السعودي حول الحشد الشعبي لتجديد مطالبها باغلاق السفارة وطرد السفير .

لا يمكن أن ينظر لتصريحات السفير السعودي الأخيرة الا في نطاق نهج سياسي تصعيدي جديد تتخذه المملكة في عهد الملك سلمان وصقور الجناح السديري تتخلى بموجبه الرياض عن تحفظها وتندفع بكامل امكانياتها لمواجهة ايران وحلفاءها في المنطقة أما عسكريا باطلاق عاصفة الحزم في اليمن وتصعيد وتيرة دعم المعارضة المسلحة في سوريا أو سياسيا باعادة فتح سفارتها في بغداد بعد ربع قرن من القطيعة بعد ان أدركت أخطاءها الاستراتيجية السابقة بالموافقة على اسقاط نظام صدام حسين ومن ثم الانسحاب تماما من المشهد العراقي مخلفة مع باقي الدول العربية فراغا سرعان ماتم ملؤه ايرانيا .

لقد باتت هناك قناعة دولية واقليمية بان المشكلة السنية في العراق كانت ولاتزال المسبب الرئيسي لتنامي ظاهرة الارهاب في العراق وتداعياتها الخطيرة على المنطقة بأسرها وان هذه المشكلة هي نتاج لسياسات الاحتلال الامريكي والحكومات العراقية المتعاقبة وهو مادفع بالامريكيين لاتخاذ منحى أخر عبر طرح خيار الأقلمة وتهيئة الأوضاع نحو اعلان كيان سني مدعوم تركيا وسعوديا قد يعيد للعملية السياسية توازنها بادخاله لنفوذ موازي للنفوذ الايراني في العراق ، وما نشر قوات تركية قرب الموصل والتصريحات الامريكية عن

تنسيق مشترك مع أنقرة بشأن تحرير المدينة وعودة الدبلوماسية السعودية لبغداد الا خطوات داعمة بهذا الاتجاه ، أضف لذلك الحملة الاعلامية الخليجية التي شنت على الحشد الشعبي اثر أحداث المقدادية وسعي بعض الأطراف العراقية وللمرة الأولى لتدويل قضية ديالى ولد انطباعا بأن تغييرات جوهرية قادمة لامحالة على الوضع السني في العراق .

وبالتالي تسعى الرياض وعلى خطى طهران لتحويل العراق لساحة لتصفية حساباتهما عبر السعي لتوحيد الصف السني وايجاد تيار سني منظم بصيغة مقاربة لتيار المستقبل اللبناني بمواجهة الحشد الشعبي (الطامح هو الأخر لمحاكاة تجربة حزب الله) وهو مايمكن ادراكه سريعا بتتبع خطوات السفير السبهان ولقاءاته مع الشخصيات السياسية والدينية في المجتمع السني العراقي ناهيك عن تصريحاته المثيرة للجدل والتي لم تكن سوى بالونة أختبار لمعرفة حجم التحديات التي تواجه الرجل في مهمته العراقية العسيرة .

وفي غمرة هذه المواجهة بين طهران والرياض تبدو داعش بيضة القبان لكلا منهما ففي الوقت الذي وسعت فيه ايران من رقعة نفوذها بحجة مواجهة التنظيم المتطرف تبدو الرياض في طريقها لاتخاذ خطوات أكثر تشددا ضده لا لوحشيته وطائفيته بل لعدم مناعة المجتمع السعودي تجاه أفكاره الأصولية (الأخذة في الانتشار) وهو مايشكل خطرا حقيقيا على منظومة الحكم القائمة خاصة مع طرح الخلافة ذو الأثر العميق في نفوس المسلمين السنة ناهيك عن رغبة الرياض بسد باب الذرائع أمام خصمها الايراني الشيعي .

مما لاشك فيه ان استراتيجية المواجهة السعودية للمشروع الايراني ستؤدي لتصاعد حدة الاستقطاب الطائفي والتشنج السياسي وتجعل من التقسيم أمرا واقعا لدول تخاض فيها حروب الوكالة بين الطرفين مثل سوريا والعراق ولبنان واليمن ذات المصير المجهول خصوصا مع عدم امكانية الحسم لطرف دون الأخر و الاستنزاف الأقتصادي في ظل انخفاض أسعار النفط .

لقد ضربت العملية السياسية مفهوم ” المواطنة” في مقتل و بات في حكم المؤكد فقدان الهوية العراقية في زمن التخندقات الطائفية وهنا تكمن صعوبة ماتواجهه “الأقلية العراقية” في صراعها المستميت لكي لا تكون أثرا بعد عين في بلادا يبدو ان السيد ثامر السبهان يتجه ليكون مندوبا ساميا ثالثا فيها أسوة بمن سبقوه من سفراء العم سام أو مندوبي الولي الفقيه !!!