18 ديسمبر، 2024 11:46 م

الحزب الشيوعي إلى أين مع مقتدى الصدر؟

الحزب الشيوعي إلى أين مع مقتدى الصدر؟

من أجل ألا أعيد ما كتبته مما يعبر عن تقييمي لكل من مقتدى الصدر و(التيار الصدري) عموما، وللحزب الشيوعي، أرجع القارئ الكريم إلى رابطي مقاتيّ «الانتخابات ومقتدى الصدر»، و«الانتخابات والحزب الشيوعي»، ضمن عشر مقالات لي بعد الانتخابات، اللتين من الضروري أن يطلع عليهما القارئ الكريم صاحب الاهتمام بالموضوع.

«الانتخابات والحزب الشيوعي»:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=599851

«الانتخابات ومقتدى الصدر»:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=599962

حيث ثمنت الحزب الشيوعي وتاريخه النضالي ودوره في تأسيس التيار الديمقراطي، وفي احتجاجات ساحة التحرير، وما خرّج في الماضي من مثقفين وفنانين مبدعين في مختلف المجالات. وفيما يتعلق بالتيار الصدري، أو لنقل بشخص زعيمه بالذات، لأن التيار الصدري وموقفه وتحولاته رهن قرارات زعيمه، فقد أثنيت على التحولات الإيجابية للصدر، لكني لم أهمل ذكر ما يتحمله من مسؤوليات منذ 2003، مع تحفظي على تفرد الصدر بالقرارات.

من بعد الانتخابات وظهور النتائج، لم يثبت الصدر على قرار واحد، فيما يريد أن يذهب إليه من تحالف، لتشكيل الكتلة ذات العدد الأكبر من المقاعد، ومن ثم تشكيل الحكومة. ففي البداية كان المرجح أن يجري التحالف بين سائرون والنصر، ثم حصل لقاء بين زعيمي سائرون والحكمة مقتدى الصدر وعمار الحكيم وأعلنوا نيتهما في التحالف، وظننا أنهما سيذهبان مع حيدر العبادي لتشكيل تحالف ثلاثي، وقيل إن الصدر اشترط على العبادي الخروج من حزب الدعوة، وهو شرط صحيح، من أجل دعمه للولاية الثانية، وبقطع النظر عما صدر من نفي لوجود هكذا شرط، لكني شخصيا لا أستبعد حصول ذلك في اللقاءات المغلقة.

وقال البعض إن مقتدى الصدر بالرغم من موقفه الظاهر ضد إيران وتدخلاتها، فإنه ينسق في الخفاء مع إيران، وسيعيد الحياة للتحالف الشيعسلاموي، الذي عرفناه في البداية باسم (الائتلاف العراقي الموحد)، ثم لاحقا باسم (التحالف الوطني)، بدفع من إيران، لأن إيران لا تتنازل عن الشرطين اللذين يمثل الإخلال بأي منهما خطا أحمر بالنسبة لها، ذلك أن يكون رئيس وزراء العراق دائما، وحتى ظهور المهدي، أو حتى قيام الدولة العلمانية، أن يكون شيعيا وإسلاميا، فرئيس وزراء سني خط أحمر حتى لو كان إسلاميا، ورئيس وزراء علماني خط أحمر حتى لو كان شيعيا. وكنت شخصيا من الذين يستبعدون هذه السيناريو، لما ظهر من مقتدى الصدر من ابتعاد عن إيران وتقاطع حاد معها. لكن الإعلان مؤخرا عن تحالف (سائرون) و(الفتح) أكد صحة ما ذهب إليه القائلون بما سلف وخطأ نفيي لذلك.

ومتى يعلن هذا التحالف؟ يعلن في الوقت الذي يتحدث الجميع عن مدى التزوير الذي حصل في الانتخابات. يعلن في الوقت الذي يجري الكلام حتى عن إلغاء الانتخابات وإعادتها بالتزامن مع انتخابات مجالس المحافظات، ولو إن هذا الاحتمال مازال ضعيفا. يعلن في الوقت الذي نشب حريق في مخازن صناديق الاقتراع. والأهم من كل ذلك يعلن في الوقت الذي يعيش فيه أهالي مدينة الثورة، ولا أقول مدينة الصدر، كارثة إنسانية بسبب انفجار مخازن عتاد مقتدى الصدر، وما خلفه من ضحايا وخسائر وهدم للعديد من البيوت، التي بقي أهلها بلا سقف فوق رؤوسهم، إلا من لجأ إلى أقاربه أو سكن المدارس أو الخيم، من غير كهرباء ولا ماء، ولا أي من مستلزمات الحياة الضرورية. وفي كل الأحوال يتحمل مقتدى الصدر مسؤولية ما حدث، لأن العتاد بهذه الكميات غير المسؤولة المخزونة وسط البيوت، هو عتاده. صحيح إن الجهة التي فجرته على الأرجح هي من خصوم الصدر، للإساءة إليه، لكن سماحه بتخزين هذا العتاد هناك، يؤشر إلى أحد أمرين، إما عدم شعوره بالمسؤولية وعدم اكتراثه بتعريض الأهالي إلى الخطر، وإما عدم قدرته على حساب كل الاحتمالات، ومنها أن يفجر خصومه مخازن العتاد، لتحميله على الأقل معنويا وأخلاقيا وسياسيا مسؤولية عواقب ما ينجم عن ذلك.

إني لست شيوعيا، بل لست يساريا، وإنما أنا علماني ديمقراطي ليبرالي، وإن كنت أشترك مع اليسار بدرجة ما فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية التي هي من لوازم النزعة الإنسانية، قبل أن تكون من لوازم الوجهة السياسية. ومع هذا كان الكثير من الشيوعيين منذ مطلع التسعينات أصدقائي، وكنت صديقهم، وأحمل الكثير من الاحترام تجاه الحزب الشيوعي، ولو إنه احترام لا يخلو من ثمة نظرة ناقدة في العديد مما أختلف معهم فيه. ومع أني لست شيوعيا، فإن الحزب الشيوعي يهمني، لأنه ركن مهم وفاعل من أركان الوسط الديمقراطي العلماني بشكل عام، سواء الاتجاه اليساري فيه، أو الليبرالي، أو الوطني الوسطي، أو المحافظ المدني. وربما يهمني الحزب الشيوعي من بعض النواحي أكثر من حميد مجيد موسى ورائد فهمي وجاسم الحلفي (رواد مشروع التحالف الشيوعي الصدري)، مع كل ما أحمله تجاههم من مودة واحترام، لكن القضية لخطورتها وأهميتها تحتاج إلى ذكر الأشياء بأسمائها والأشخاص بأسمائهم.

أقول إلى أين أنتم (سائرون) يا أصدقاءنا الشيوعيين الأعزاء مع مقتدى الصدر؟ عندما أعلن نية تحالفه مع عمار الحكيم، فكرت كيف سيقبل أصدقاؤنا الشيوعيون بالذهاب مع عمار الحكيم مع كل الإشكالات التي عليه، والتي أستغني عن سردها، فأصدقاؤنا الشيوعيون أعلم بها مني. ثم جرى لقاء آخر ثلاثي بين (سائرون) و(الوطنية) و(الحكمة)، وجرى كلام عن نية تشكيل الكتلة الأكبر من هذه التحالفات الثلاث، وهنا يطرح نفس الإشكال فيما يتعلق بالحكمة والحكيم، وليس من إشكال على التحالف مع (الوطنية).

ثم خرج علينا أمس الثلاثاء الثاني عشر من حزيران كل من قائد (سائرون) مقدى الصدر، وقائد (الفتح) هادي العامري، ليعلنا تحالفهما، الذي عبر عنه عضو في الحزب الشيوعي لصحيفة خليجية حسب ما نشر موقع السومرية، دون ذكر اسم صاحب التصريح، ولا اسم الصحيفة، بأن ذلك مثل صدمة. ولكن بقطع النظر عن صحة حصول هذا التصريح، فهو بلا شك مثل صدمة كبرى للعديد من الشيوعيين ولأصدقائهم ولعموم التيار العلماني. ثم نقلت السومرية عن ذلك العضو في الحزب الشيوعي كلامه عن ضغوطات إيرانية. أقول: وهل علمتم الآن بدور الضغوطات الإيرانية؟

أوجه خاتما مقالتي هذه ندائي إلى الحزب الشيوعي، بكل صدق، وحرص، ومحبة، وأمل، بتذكيره بالحكمة المأثورة «الاعتراف بالخطأ فضيلة».