19 ديسمبر، 2024 2:02 ص

الحزبية العراقية و نمذجة الفعل السياسي

الحزبية العراقية و نمذجة الفعل السياسي

المد الديمقراطي للدولة ولسلطاتها ولمؤسساتها، مد حميد ومرغوب ولا يكتمل ولا يصيب تفصيلات ومناحي الحياة المختلفة الا بالتعددية السياسية التامة والناجزة التي تسمح لكل العراقيين وتبعاً لانتماءاتهم الموضوعية الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ان يشكلوا ادواتهم وتعبيراتهم السياسية وبلا حدود خاصة بالعدد او بالتوجهات.
اذن، فالتعددية والكم الهائل من الاحزاب لن يخيفنا، ذلك ان الحكم النهائي على هذه الاحزاب سوف يبقى للشعب وحده، الذي سوف يرفع حزباً ويسقط احزاباً، والذي سوف يلتف حول حزب او اكثر، الا انه سينفض عن احزاب، على قاعدة ان الحزب الجماهيري هو القادر على ان يضع يده على نبض الناس، يشخص حالهم ويضع الحلول المناسبة لمعالجة امراض وقضايا هذا الحال، هو الحزب الذي لديه ما يقوله القادر على توظيف النظرية لتحليل الواقع وتستجيب الى متطلباته، هذا هو الحزب الذي ستكتب له الحياة.

اما الاحزاب القابعة في الابراج العاجية، تلك الاحزاب المقتصرة على النخب التي تجتمع في الاروقة الانيقة، احزاب العزف المنفرد، وهي احزاب بعيدة عن الناس وعن تطلعاتهم، وهي احزاب ومهما جندت من جمل وعبارات جميلة التركيب والواقع، فسيبقى مثلها مثل تلك المرأة الاستقراطية التي استفسرت عن اسباب غضب الشعب آبان الثورة الفرنسية، فقيل لها انهم يطلبون الخبز ولا يجدوه، فأجابت، عليهم بالبسكويت، فهو اخف على المعدة بل وأطيب.

واقول- ان مهمة مثل هذه الاحزاب كمهمة من يسعى ان تحل القيثارة مكان الربابة في التراث الشعبي العراقي.

كذلك، فأن الاحزاب التي تعتمد على الخطاب العاطفي الشعاراتي التقريري الذي يتعامل بالعناوين دون ان يتمكن من الولوج الى ما بعد العناوين من تفصيلات وتحديات، فهو خطاب أقرب الى الحلي المزيفة، فليس كل ما يلمع ذهباً، ربما ان هذه الاحزاب تمنح ثقة شعبنا لمرة او اكثر، الا ان عجزها عن وضع آليات تحقيق الشعارات الكبرى وعجزها عن توأمة التراث والمعاصرة وأصرارها على عدم التعامل وموضوعية الاجتهاد والابداع، ورفضها لأطلاق الطاقات الكامنة المتوقدة في عقول قوى شعبنا الحية، هي عوامل سوف تسهم في ان يكشف لشعبنا ماهية الحقيقة ومفرداتها الاولى وبالتالي تقييم هذه الاحزاب مع احزاب امرأة البسكويت والقيثارة.

الا ان هذه الحقائق المتعلقة باحزاب العازفين المنفردين الذين لا يريدون النزول من القطار في محطتهم الحقيقية ويصرون على متابعة الركوب ولو ان ليس لهم من مقعد، والحقائق المتعلقة باحزاب العاطفة والضرب على الوتر الوجداني وتعطيل العقل. هذه الحقائق يجب ان تكون عاملاً للقوى الحية اللصيقة بشعبنا، الاحزاب الواعدة، احزابا لقاعدة الجماهيرية التي من الناس والى الناس، المؤمنة بأن الديمقراطية ليست استراحة ما بين الشوطين سرعان ما تنتهي، والمؤمنة بالمصالحة الوطنية ايمانها بالوحدة وبالديمقراطية وبالحرية… هذه الحقائق

المتعلقة بالآخرين يجب ان لا تكون عوامل استرخاء لتلك الاحزاب الحقيقية الوطنية والقومية وان تكتفي بأنها الاصدق وبأن نواياها حسنة، ان ذلك يلقي عليها مسؤولية اضافية، مسؤولية الخروج من روح واداء مرحلة المعارضة الى الروح والاداء اللازم للمرحلة العلنية الايجابية التي نشهد ونعيش، فتعمل على اسقاط اسلوب التعامل مع المانشيتات لا لصندوق النقد الدولي، عليها ان تقول والحل البديل هو كما يلي… أو ان تقول الى متى سيبقى شعبنا يئن تحت سوط التردي والانحطاط الحكومي، بل عليها ان تقول ان الحل البديل القادر على طرد هذا الانحطاط كمرض اقتصادي واجتماعي يتمثل بما يلي… بل مطلوب فيها ان تقول، هذا هو الملف الذي يحمل الرؤية الوطنية لكيفية حل مشاكلنا… وعلينا ان نتعامل بسلوك المعارضة العلنية والايجابية والذي يحتمل وفي اي لحظة ان تكون في موقع صناعة القرار، وان تكون جاهزة فوراً لتنفيذ برامجها على اختلاف اهتماماتها التي هي اهتمامات الناس فوراً.

وعليها كذلك ان توقف المناكفة فيما بينها ومع غيرها وتوقف اساليب –قلة التربية- اغتيال الشخصية كأسلوب للتخلص من المنافسين والخصوم، بل وعليها ان تتوحد مع ذاتها وتوحد مفرداتها المعلنة مع مفرداتها التي تقال في الغرف الضيقة. لأن توحدها مع ذاتها يعكس مصداقيتها ويمكنها من الاقتراب من الجماهير وهي مقدمات ان تمنحها الجماهير الثقة التي تسعى اليها.

وبعد، هذا الحديث ليس موجه ضد احد لكنه موجه الى الجميع، وارجو ان لا يفهم منه النصح والتوجيه، لأن كاتب هذه السطور يحلق في سرب يسعى الى ترجمة هذه الوقائع والمشاهدات على ارض الواقع، علنا نتمكن من فلترة سلوكنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي من الشوائب التي علقت به من المراحل السابقة لنضع العراق الانموذج الجدير بان يختدى عربياً.

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات