23 ديسمبر، 2024 4:29 ص

الحرية .. يتسائل نيتشه : ما هي علامة الحرية .؟!

الحرية .. يتسائل نيتشه : ما هي علامة الحرية .؟!

ويجيب :
علامة الحرية هي ألا يخجل الإنسان من نفسه ..
ويقول أحد الفلاسفة : حين تفقد الكلمات معانيها يفقد البشر حريتهم ،  ويقول آخر : ليس لنا غير حرية واحدة هي حرية النضال من أجل الحرية .!
وهناك أيضًا  حرية فارغة ، هي حرية الظلال تلك التي لا تكمن إلا في تغيير شكل السجن ..
ويقول كانط  محدِّدًا مفهوم الحرية بشكل دقيق :  إنَّ الحرية هي القدرة على أن يبدأ المرء شيئًا ما بذات نفسه . والمقصود هو أنَّ الحرية هي منهل طبيعي في الذات الإنسانية ،  وبالتالي كل ما ينبع من لدُن ذواتنا وارواحنا العميقة من أفعال وقرارات وإنفعالات حرَّة دونما أيِّ شكل من الوصاية الخارجية . لا أحد يعلم إذًا ما تستطيع ذاته العميقة. حينما كان نيتشه يومًا يقول : ” كُن ما أنت ” فقد كان يقصد أن لا أحد منا يعلم من هو، أي ما هو اقتداره الحقيقي وقدراته الخفية ، ولا أحد منا قادر على أن يكون هو هو دومًا. ذلك أنه  نادرًا ما يصير الإنسان على ماهو عليه ، فكثيرًا ما يكون الواحد منا غيره ويلبس ثوباً روحياً جديداً تارة اوبالياً تارة اخرى ، فتراه يريد أن يصير إسلاميًا مثل جاره ، أو ليبيراليًا كصديقه في الخمَّارة ، أو يساريًا مثل زميله في الجامعة ، فهذه حقيقة قد تكون مطلقه فكلٌّ منا يريد أن يكون ما كانه شخص آخر بل نحن لسنا أنفسنا كفاية أو لسنا أنفسنا أصلاً. والغريب هو أنَّ الواحد منا يريد أن يصير مستقبلاً ما كان آخرون في ماضي قد انتهى زمانه. وبوسعنا أن نقول  ” كلُّنا سلفيون بشكل ما ” .!
لنعود الى اصل الكلام عن مفهوم الحرية ونستعرض قول أحد الفلاسفة بخصوص هذا المفهوم فيقول عنه بحسب تفسيره : إن الحرية لا توجد .. ينبغي اختراعها ..
أجد هذا التفسير هو التفسير المنطقي لهذه المغفرة الصغيرة والتي تحمل دلالات عميقة ، كمفهوم الروح ، صغير لكن لا احد يعرف غيره لحد الأن .إنَّ الحرية المتعارف عليها اليوم لم تكن موجودة في المجتمعات القديمة القائمة على نظام العبودية . فلدى أرسطو مثلاً : الإنسان؛ الذي يعمل ليس حرًا بل هو عبد ، وحده الإنسان الذي يفكِّر يتمتع بالحرية .. ومع ظهور الدِّين التوحيدي في المسيحية مثلاً سيقع الاعتراف بأهمية العمل وقيمته. لكن الحرية ستظهر في معنى سلبي بوصفها سببًا في الخطيئة الأصلية وسيظلُّ الإنسان يعمل طيلة حياته للتكفير عن ذنوبه وعن إثمه الأول. أمَّا في الثقافة الإسلامية فقد وقع التشجيع على تحرير العبيد لكن لم يقع تحريم العبودية وكما نعلم فإنَّ الإعلان العالمي عن حقوق الإنسان (1948) يميِّز بين نوعين من الحرية : 
الحرية السلبية : وتعني أن يكون الإنسان حرًا من وصاية الآخرين في كل أفعاله وقراراته .
 والحرية الإيجابية : أي أن يكون الإنسان حرًا من كل العوامل المعرقلة لحريَّته كالجوع والمرض والفقر والحرب .
ان الروح الحرة في قرارها هي روح ابداعية متميزة دوماً ، هذه الصفة صفة الإبداع متلازمة دوماً مع مفهوم الحرية او تطاردها اينما ولت ، فمن المستحيل او من الصعب جداً على من يفقد روح الحرية ان يكون مبدعاً ابدا ، في اي مجالٍ كان ، إن غاية الإبداع  هي ولادة إمكانات إبداع آخر. وغاية الإبداع هو المساهمة في الحياة الروحية لشعب ما فشعبٌ بلا إبداع هو شعب بلا روح ..نلاحظ جلياً الترابط القوي بين الروح والابداع ، فالإبداع هو كلُّ من استطاع أن يصير هو نفسه ، أي من أدرك أنَّ ذاته هي اقتدار على الحرية ، إنَّ المبدع هو من اقتدر على أن يحوِّل حريته الجذرية إلى أثر فني ، إنه من استطاع أن يخترع من حريته الطبيعية حرية مناسبة لشخصيته .
إن الفن عموماً هو نوع او وجه من أوجه الإبداع العالي والذي ينقل لنا ابداعات الارواح الحرة التي يتملكها وقد كانت للفلاسفة بعض وجهات النظر في هذا الخصوص سأذكر بعضها هنا ، يقول جان بول سارتر في كتابه (  ما هو الأدب .؟ ) : ” الفنُّ الملتزم هو فنٌّ سيء ” .. ليوتار يسأل : ” لأي شيء تصلح كتابة الجُمل “؟  ويجيب : “من أجل جملة أخرى لإنصاف جملة وقع إسكاتها ظلمًا “. ورورتي يُسأل : ” لأيِّ شيء تصلح القصيدة “؟ فيجيب  ” من أجل قصيدة أخرى ” ..  أمَّا نيتشه فقد قال قبل الجميع ؛” لا أريد أن أتخيَّل قارئي إلا في شكل غول فظيع ” .
أخيراً ، من يتأمّل أهميّة هذه القيمة الإنسانية يجد أن هناك أناس حاربوا وبذلو الكثير من أجل نيلها والتنعم بها واستردادها؛ ومن يدرس التاريخ ويتمحصه يجد أن هناك العديد من الثورات التي قامت، والحروب التي اندلعت وسقط جرائها كثير من القتلى وعمّ الدمار في الكثير من الدول على الأرض نتيجة لفقدانها او محاولة لاسترجاعها ، والتاريخ يعيد نفسه مراراً وتكراراً لكن بصيغ مختلفة في كل مرة .. يجب علينا ان نناضل من اجل حريتنا مهما كان وجهها ومهما كانت صيغتها او ماهيتها ، وان نهبها لمن يبتغيها وان نجعلها الهدف الاسمى والحب الأوحد والحقيقي 
اختتم هنا بقول القائد تشي جيفارا :
” إن حبي الحقيقي الذي يوريني ، هي الشعلة التي تحترق داخل الملايين من بائسي العالم المحرومين ، شعلة البحث عن الحرية والحق والدالة ” .