23 ديسمبر، 2024 3:15 م

الحروب تنام معنا

الحروب تنام معنا

الحروب تطاردك ايها الوسيم انى حلت قدماك ، تنام معك في الفراش ، تسهر معك وانت تشاهد الفيلم الاجنبي ، تأكل وتشرب معك في كل وجبة ، لا تدري أين المفر ، أين يمكن أن تخبئ ذاكرتك وتجعلها تتوقف عن تناسل ذكريات الحروب التي عشت فيها مقاتلا لا يعرف كيف يحمل السلاح ، اكذوبة النساء التي كنت تطاردهن اصبحت فضيحتك الان ، فلا نساء ولاهم يحزنون ، كلهن تسربن الى عش الزوجية يفرخن الاولاد و ماعدت قادرا على اجتراح واحدة ” تتنومس ” معها لكي تجلب الراحة لقلبك المتعب بعيدا عن ذكريات الحروب ، تقول مع نفسك اللعنة على الزمان الذي عشته ، كان صاخبا مزمجرا عصيا على الفهم ، حتى الاصدقاء ما عدت تجدهم حتى يكونوا سبيلا لكي  تسحق الزمن بصحبتهم ، الاصدقاء منتشرون في كل انحاء العالم ، منفيون مثلك في الارض الواسعة ، وها انت وحيد مثل نبتة صحراوية  سقيمة من العطش ، كنت تجد العزاء في صحبتهم ، كنت تجد الضحك والابتسام والمرح في الليالي والنهارات التي امضيتها معهم ، لم تكن ذكيا بما يكفي لكي تنجح في الهروب من الحروب مثلما فعل غيرك ونجحوا في ايجاد ملاذات آمنة ، قلبك مثقل بالذكريات ايها الوسيم ، وانت تحاول الان ان تمسك الزمان كي تكتب عن تلك اللحظات النادرة التي يقول عنها ستفيان زفايج الخارجة عن الزمان ، كان زماننا معربدا ، مرغ الطاغية انوفنا في الوحل وجعلنا لا نبارح الخوف ، ترى من اي شئ كنا نخاف ، لاادري على وجه الدقة ما الذي كان يخوفنا ، اضحك بمرارة الان على تلك الكلمات التي كنا نرددها ، وكنا نتصور انها هي الحقيقة ، كلمات خارجة من الجحيم ، خارجة من الالم ، خارجة من الحروب ،  لم تكن تحمل الدلالات العميقة التي يمكنها ان تبقى على مر الزمان ، ويأتي اليك من في نفسه بطر ليقول لك كان يمكن الان تكتبوا في زمان الطاغية وتتوقفوا عن الاشارة الى حروبه ، كيف يمكن ذلك ن كانت قد انسدت كل العواصم بوجوهنا وصار من الصعب علينا السفر الى اي مكان ، كنا عالقين في الوحل الذي نصبه لنا الدكتاتور ، عشنا اياما وشهور وسنوات ونحن نمضي بالوقت معلقين على حبال غسيل الخوف ، اصابعنا تيبست في تلك الايام ، وغيرنا كان يمرح في بلاد الغرب ويطالنا فوق طاقتنا لكي نتحرر من قيود الخوف التي وضعت فخاخها لنا ، في كل المؤسسات التي كنا نعمل بها ، اردنا ان نتفس الهواء النقي بعد الانتفاضة الشعبانية ، قلنا مع انفسنا لم تبق سوى ايام ويسقط قناع الطاغية في الوحل  ونبدأ حياة جديدة نكتب فيها براحتنا ونعيش صخبنا ومرحنا وامسياتنا براحتنا ، غير انهم وأدوا تلك الروح التي حامت فوق رؤوسنا ، روح الجمال والدعة والسعادة ، قالوا لنا انكم واهمون ، لن تغير بوصلة الخوف لديكم وسندفنكم احياء لو تطاولت عقولكم لتبحث خارج القواعد التي ارساها الدكتاتور ، ووجدنا انفسنا نعيش ملحمة الخوف مرة ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة ، حاصرتنا الدنيا بينما الطاغية كان يطلق تلك الضحكات الصفراء علينا سخرية ومرحا وهو يركب العربات المذهبة ويبني القصور ، حاصر دام اكلنا فيه الحصرم ، اكلنا فيه النخالة ، وصار من العار علينا ان نقف امام صغار وايدينا فارغن من سلال الطعام .. لقد ابكانا زماننا بحرقة .. ولم تنشف دموعنا بعد  .