11 أبريل، 2024 8:26 م
Search
Close this search box.

الحركى في ميزان التاريخ الجزائري الفرنسي

Facebook
Twitter
LinkedIn

ان تسمية الحركى تطلق بشكل عام على الجزائري المتعاون مع فرنسا خلال ثورة نوفمبر 1954 الى غاية الاستقلال،اما عن طريقة التعاون فهي محل جدل الى الان،فهل الحركي هو من كان ينتمي الى الجيش الفرنسي آنذاك؟ هل الحركي هو ذلك الشخص البسيط الذي يوشي بإخوانه الجزائريين الى العدو الفرنسي؟

الحركى بين حب فرنسا والاجبار على حبها

ان المدقق في السياق التاريخي لمرحلة الثورة سيدرك حتما ان جبهة التحرير الوطني ولظروف كثيرة قد ارتكبت تجاوزات لابأس بها ازاء الاهالي الجزائريين لحملهم على دعمها بشتى انواع الدعم؟ وهذا لصعوبة تغلغل جبهة التحرير في بداية الثورة حين كان الاهالي آنذاك يعتبرونها جماعة خارجة عن القانون لاسيما مع وجود دولة قوية ذلك الوقت هي فرنسا الاستعمارية التي حجبت عقول الاهالي البسطاء لمدة جاوزت القرن وانست الكثير منهم انها جاءت مستعمرة للجزائر،وتعود الكثير على هذا الواقع ولم يستسيغوا فكرة وجود منظمة تستطيع بإمكانياتها المحدودة ان تجبر فرنسا على الرحيل،وان الكثير من الاهالي كانوا يقولون انهم ولدوا في ظل وجود فرنسا ولا يعرفون شيئا اسمه الجزائر وحتى اباءهم واجدادهم قد ولدوا في ظل فرنسا وقد تبنى هذا الفكر كثير من المثقفين ابرزهم رئيس الحكومة المؤقتة ابان الثورة المناضل فرحات عباس الذي عاود وراجع حساباته ليتبنى الفكر الوطني فيما بعد.وفي ظل هذه الظروف الصعبة صارت الجبهة تضرب بيد من حديد كل من يتهاون في دعمها او يشكك في قدرتها على قهر المستعمر.

وفي هذا الاطار يتذكر الجميع ممن عايشوا الثورة او سمعوا عنها كيف كانت تجبى اشتراكات الثورة وكيف كانت تقطع رقاب الرافضين او المتماطلين او المتقاعسين،وقد كانت هذه الممارسات من بعض الاسباب التي جعلت عددا معتبرا من الاهالي يلجؤون الى فرنسا طوعا ام كرها لحماية انفسهم من تلك الفظائع؟ والشهادات حول هذه الممارسات كثيرة جدا لمن يطلع على مؤلفات الحركى وعلى شهادات بعض المجاهدين الذي يعتبرون ثورة نوفمبر ثورة ملائكة ضد الشيطان.

اما عن عدد الحركى فقد قدر ب 300 الف الى 400 الف حركي مقابل 10 الاف مجاهد فقط،اما عند بداية الثورة فلم يكن عدد المجاهدين يتجاوز 2000 مجاهد،مما يبين ان مهمة المجاهدين وجبهة التحرير لم تكن سهلة في مواجهة العدو الفرنسي والحركى وفي ظل امتناع الاهالي في البداية عن الانضمام الى الجبهة اضافة الى عمل الجبهة على تقزيم دور مناصري مصالي الحاج الذين صعدوا الى الجبل لمقاتلة العدو الفرنسي،وان موضوع جبهة التحرير والمصاليين يطول شرحه،وخلاصته ان اغلب قادة ومناظلي جبهة التحرير نشؤوا في دهاليز حزب الشعب لمؤسسه مصالي الحاج،ثم تنكروا له لأسباب سياسية تتعلق بالزعامة بعد الاستقلال لا غير.وان اكبر دليل على ذلك هو تحجج المجاهدين بان مصالي الحاج كان مخالفا لمنطق الثورة في ذلك الوقت وانه لم يحن بعد،لكن الكارثة التي بينت النوايا السيئة هي انه لما صعد المصاليون الى الجبال لمقاتلة العدو الفرنسي قامت الجبهة بقتلهم وراء اظهرهم،وما هو تفسير هذا الامر لولا الحرص على الزعامة المتفردة للجبهة بعد الاستقلال؟.

للحركى انواع

لا شك ان طبيعة الالتحاق بركب الجيش الفرنسي والادارة الاستعمارية من طرف الحركى تختلف من شخص لآخر ومن منطقة الى اخرى،فهناك انواع من الحركى ممن كانوا “قيادا” اي قادة ومسؤولين اداريين قبل اندلاع الثورة وقد كانوا يستفيدون من امتيازات واسعة كمنح الاراضي والاموال والتغاضي عن بعض ممارساتهم الشائنة من طرف فرنسا الاستعمارية،والى غاية هذه النقطة – اي قبل اندلاع الثورة – لم يكن بالضرورة اعتبار “القايد” حركيا، لان فرنسا كانت آنذاك قد تجاوزت القرن والربع من الوجود ومن الطبيعي ان يعمل الجزائريون في اداراتها وربما حتى جيشها.ولا مجاللإنكار هذا السياق التاريخي؟ لكنه عند اطلاق اول رصاصة معلنة عن بداية الثورة كان لزاما على ” القياد” اتخاذ موقف،و لا ينكر ناكر ان عددا من ” القياد” قد التحق بالثورة لو كان هذا العدد قليلا, و لايجب ان ننسى انه عند بداية الثورة كان الاهالي متخوفون من اتخاذ موقف بما في ذلك بعض الجمعيات والفعاليات الدينية والثقافية منها جمعية العلماء المسلمين التي كانت في الحقيقة تعمل على تربية الشعب وتنويره لكنها كانت ترى -وهذا حقها- ان ميعاد الثورة لم يحن بعد،وقد كلفها ذلك غاليا بعد الاستقلال من طرف الجبهة التي قلصت دورها الى شبه العدم تحت طائلة مهادنة التيارات الدينية للإدارة الفرنسية التي منحتهم بعض الحماية واعطتهم مقرات ونوادي لممارسة عملهم دون التعدي الى فكرة الاستقلال طبعا.اما مصطلح حركيفلم ينطو على المعادي للثورة فقط بل شمل حتى الاهالي المحايدين وهذا لحملهم على دعم الجبهة حتى لا يتم تصويرهم على انهم خونة.

اما عن النوع الاخر من الملتحقين بالجيش الفرنسي فهم فئة الشباب الجزائري الذين قاموا بتأدية الخدمة العسكرية الفرنسية الاجبارية لمدة معينة،وهذا النوع لا يندرج ضمن فئة الحركىبالإجماع،وهذا اعمالا لمبدا وضع الاحداث في السياق التاريخي،وان الكثير من الجزائريين من دافعوا عن فرنسا في الحرب العالمية الثانية وابلوا البلاء الحسن ضد الالمان،وهذا طمعا منهم في الاستقلال بعدما وعدتهم فرنسا بذلك ولم تف به وقامت بارتكاب مجازر 08 ماي 1945 بسطيف وقالمة وخراطة تنصلا منها من وعودها.

ام عن المجندين في الجيش الفرنسي على سبيل التعاقد ابان الثورة فهذا هو اسمى تصور لمصطلح حركي ،وهم الذين كانوا يقتلون ابناء جلدتهم من المسلحين والعزل والاطفال والنساء والشيوخ،ونكلوا بأبناء جلدتهم ايما تنكيل،وواجهتم الجبهة برد الصاع صاعين وقامت بقتل الكثير منهم وقبل قتل الفرنسيين لأنها كانت تعتبرهم اخطر،وامتد ذلك الى ان تعدت الجبهة الى قتل اهاليهم من نساء واطفال وشيوخ،لقطع الطرق على اي محاولات مستقبلية للتفكير في التعامل مع فرنسا وهذا ما لم يحدث تماما، فقد لجا الكثير من اهالي الحركى الى فرنسا وتجندوا لحماية انفسهم على حد زعمهم لا وننكر من جهة اخرى ان هناك من اهالي الحركي ممن كانوا يعارضون ابناءهم في الانضمام الى صف فرنسا بما فيهم زوجات الكثير من الحركى،ومنهم من قامت حتى بالوشاية به للجبهة او حتى القيام بقتله،لكن التاريخ لم ينصفهم وقامت الجبهة في الكثير من الاحيان بالقتل الجماعي لهذه العائلات اعمالا لمبدا الضرورات تبيح المحظورات ومبدا الاجتثاث من الجذور.وربما هذا ما جعل الرئيس الاول للجزائر المرحوم احمد بن بلة في تصريح لقناة فرنسية يقول بان الحركى هم في الاول والاخير جزائريون اخطؤوا التخندق،وان هذا التصريح فيه الكثير من الاشكالات التاريخية.

واما النوع الاخر من الحركى وهو النوع المثير للجدلفهم الحركى الذين مازالوا يمارسون التقية السياسية وانضموا الى صفوف الجبهة وهم في نفس الوقتانذاك يقومون بإمداد الجيش الفرنسي بالمعلومات الوافرة حول الجبهة والجنود والاسلحة،وقد نجحوا الى حد بعيد في تعطيل استقلال الجزائر،وهم من خلقوا اشكالات تاريخية رهيبة كادت تعصف بالثورة،ومنهم من تقلدوا مناصب عليا في الدولة بعد الاستقلال وحملوا شعار الوطنية والوفاء وتخوين المعارضين لمصالحهم،ومنهم من يمتلك عقارات ومحلات ومصالح تجارية في فرنسا.

الحركى والتاريخ

لقد تجاوز عدد الحركى ابان الثورة التحريرية 300 الف دون احتساب افراد عائلاتهم المحسوبين عليهم ولو شكليا،ودون احتساب المجاهدين المزيفين الذين خانوا وطنهم واصطفوا الى جانب فرنسا،ودون احتساب الاهالي الذين كانوا يرفضون في قرارة انفسهم فكرة الجزائر جزائرية،ويخفون ذلك خوفا من الجبهة،ونستطيع القول ان الحكم بمعيار عضوي على هذه الفئة فيه نوع من الاجحاف بعض الاشخاص ولو كانوا قلة،فهناك ظروف سياسية واقتصادية وواقعية ادت بالبعض الى معاداة جبهة التحرير وليس بالضرورة معاداة الجزائر،كما ارتمى بعضهم في احضان فرنسا هربا من الجبهة وخوفا منها وليس حبا في فرنسا بدليل ان عددا معتبرا من الحركى انضم الى فرنسا منتصف الثورة وليس في بداياتها،ونذكر هنا الجنرال بلونيس المصالي التوجه الذي كان يقاتل الفرنسيين،لكن الجبهة لما هاجمته وقتلت الكثير من الاهالي التابعين لمصالي الحاج ولسلطة بلونيس العسكرية انضم بعدها الى قوات الجيش الفرنسي ضد جبهة التحرير وليس ضد الجزائريين،وفي النهاية لما تأكدت فرنسا من توجهاته الجزائرية ادركت انها عولت على حصان خاسر – حسبها- وقامت بقتله وعرضه على الملاء للتشفي فيه،لكن التاريخ يكتبه المنتصر والجبهة طوت بل سودت صفحة الجنرال بلونيس الذي يدون اليوم في كتب التاريخ اسمه على انه حركي وعميل وخائن للوطن.وهكذا جرى لبقية المصاليين ولو كانوا من العزل،حيث قامت مثلا عناصر من الولاية الثالثة تحت قيادة المجاهد محمدي السعيد بقتل اكثر من ثلاثمائة مواطن جزائري ذبحا ورميا بالرصاص في منطقة بني يلمان على اساس انهم مصاليون وهم لم يغفروا هذه المجزرة الى غاية يومنا هذا واكدوا ان عملية القتل الجماعي هذه كانت بطريقة جماعية للذكور البالغين سن 15 سنة فما فوق،وقتل منهم من كانوا مجاهدين في صفوف الجبهة وقد اتوا الى بيوتهم للاستراحة لأيام فقط،لكن الولاية التاريخية الثالثة قد قامت بهذه العملية – او المجزرة- بطريقة جماعية وان الوضع السائد آنذاك يتطلب السرعة في التجاوب والتصدي للمصاليين حسب قادة الولاية الثالثة،ولكل رايه.

اما عن الفئة الاخرى من الحركى والتي تعتبر مظلومة فهي تمثل زوجات الحركى وابنائهم وبقية اهاليهم،فبالنظر الى السياق التاريخي كانت معظم النساء اميات ولا علاقة لهن بالسياسة ولم يثبت التاريخ ان زوجات الحركى مثلا كن يقمن بأعمال عدائية اتجاه بقية الاهالي وربما كانت منهن من تشارك جاراتها الاكل والملبس،وكانت منهن من تظن ان زوجها مجرد تابع لدولة قوية ولدوا وترعرعوا في كنفها لجيلين او ثلاث او اربع،وان زوجها – حسبها- يعمل ليقتات من اجل عائلته،وكانت ايضا من هؤلاء النسوة من عارضت توجهات زوجها وكانت تعيره بذلك واوشت به الى الجبهة ومنهن من قتلت حتى زوجها من اجل الجزائر المستقلة،لكن النظرة الشمولية للجبهة هضمت– بكل تحفظ- حق هذه الفئة ابان الثورة وبعد الاستقلال.

الحركى وفرنسا

منذ الاتفاق على وقف اطلاق النار بين فرنسا وجبهة التحرير الوطني الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري بدأت الدولة الفرنسية بإجلاء رعاياها الذي لم يتقبلوا البقاء في الجزائر جبنا الى جنب مع الجزائري الذي كان بالأمس مواطنا من الدرجة الثانية،وقد انتهى المطاف بإجلاء حوالي مليون أوروبي الى فرنسا خصوصا،وتعلقت بأرجلهم ايادي الحركى وعوائلهم الطالبين للغوث من معاول وخناجر الجزائريين الاحرار الذين انتقموا من الحركى وامتد ذلك الى عائلاتهم ونكلوا بهم ايما تنكيل،وقد تخلت عنهم فرنسا عن قصد لأجل التخلص منهم تحت شعار” من خان مرة يخون مرتين”،وتم اجلاء عدد يقل عن مائة الف من الحركى وترك اكثر من 250 او 300 ال حركي دون احتساب عوائلهم في الجزائر تم قتل بضعة الاف منهم من طرف الجزائريين والبقية يعيشون اليوم في الجزائر ويقدرون بالملايين وصرحوا انهم كانوا مجاهدين ويستفيدون الى اليوم من رواتب وامتيازات من الدولة الجزائرية التي لم يعترفوا ابدا بوجودها.اما من اخذتهم فرنسا فقد واجهوا في البداية ظروفا جد قاسية واسكنتهم فرنسا في بيوت خشبية وحتىقصديرية محاطة بأسيجة لمنع اختلاطهم مع الجنس الاوروبي،وبقوا لمدة معتبرة على هذه الحال.ويعانون الى اليوم من مشكل الاندماج في المجتمع الفرنسي ويطالبون كل مرة عبر جمعيات بتحسين اوضاعهم مثل الفرنسيين الاصليين.

الحركى والجزائر

مما لاشك فيه ان ملف الحركى مهما كانت ظروفهم او دوافعهم لاختيار فرنسا يبقى ملفا ممنوعا،حيث ان الجزائر بعد الاستقلال لم تمنع الاقدام السوداء من الاوروبيين المولودين بالجزائر او ممن عاشوا بها من زيارتها،ولم تمنع كذلك يهود الجزائر ممن هاجروا الى فرنسا –فقط- من الدخول الى الجزائر للسياحة او للتعبد في المعابد اليهودية مثل معبد افراييمعنقاوةبتلمسان،لكن الحركى بقوا ممنوعين لأسباب منطقية كثيرة وان ملف زيارتهم للجزائر حسب الرئيس بوتفليقة غير مطروح للنقاش،وان هذا التوجه صائب الى حد بعيد فحسب السياق التاريخي فمن اختار توجها يجب ان يتحمل تبعاته،ومن لم يعترف يوما بالجزائر لا حق له بزيارتها،واما عن الفئة المظلومة منهم فلا مجال الان بعد اكثر من نصف قرن عن الاستقلال ان تقوم الجزائر بتسخير الاف المحققين والمحامين والاخصائيين النفسانيين والتاريخيين الى التحقيق في الامر من اجل السماح لهم بالزيارة وانه في حالة عدم تمكنهم او منعهم من دخول الجزائر فلن يموتوا قهرا او حبا او عشقا من اجل الجزائر التي باعوا اهلها واهلهم بأرخص الاثمان.

نقلا عن جريدة رأي اليوم

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب