بعد فشلها في الحكم .. هل مازال الأمل بالإصلاح قائما ؟
مشهد مؤلم ومحزن حقا عكسه مقطع الفيديو الذي تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا و يظهر فيه بعض الشباب العراقيين و هم يزحفون على بطونهم وظهورهم تعبيرا عن ولائهم للسيد مقتدى الصدر.
و رغم ضرورة التحقق من مدى صدقية وصحة هذا المقطع، والجهة التي تقف وراءه، وإن كان الهدف منه الاساءة الى الحركة الاحتجاجية التي قادها الصدر خلال الأسابيع الاخيرة، الا أني لا أستبعد أن يكون هؤلاء الشباب هم فعلا من اتباع زعيم التيار الصدري المستعدين للتضحية بأرواحهم من أجل زعيمهم، وفي هذه الحالة فهم يعكسون دون شك ظاهرة تتسم بالجهل وإنعدام الوعي، ويتحمل السيد الصدر جانبا من مسؤولية التصدي لها.
أقول جانبا من المسؤولية لأن الجانب الأكبر من المسؤولية عن حالة الجهل لشريحة كبيرة من المجتمع العراقي تتحمله الحركة الاسلامية الشيعية التي حكمت العراق منذ ثلاثة عشر عاما دون ان يكون لها اي مشروع لبناء الوطن و المواطن.
الذين يمارسون هذه البدع والخرافات هم مواطنون عراقيون قبل كل شيء، و يقيمون في وطنهم العراق، والحركة الاسلامية العراقية بكل فصائلها و عناوينها هي التي حكمت هذا الوطن الزاخر بتاريخه و ثرواته البشرية و المادية الهائلة، والرهان على الإسلاميين في إحداث التغيير المنشود والمنتظر كان كبيرا وكبيرا جدا، ومن الطبيعي ان يكون الرهان عليهم كبيرا، لأنهم كانوا كما ظن الناس بهم عندما إستلموا حكم العراق يحملون خصلتين أساسيتين: الاولى خوفهم من الله، والثانية حبهم للوطن. وغير ذلك فهم يتمتعون أيضا بسيرة ذاتية مشرفة، وتاريخ جهادي لانقاش حوله.
لكن الذي حصل وللاسف الشديد هو ان تجربة حكم الحركة الاسلامية العراقية سجلت فشلا ذريعا وانهيارا سريعا على مختلف الصعد الاجتماعية والسياسية والتنموية والأمنية، وكانت سنوات قليلة فقط كافية ليكتشف الشارع العراقي ان رهانه على حكام العراق الجدد من الإسلاميين الشيعة كان مبالغا فيه. و بعد عشر سنوات فقط تأكدت الغالبية الساحقة من العراقيين ان رهانهم لم يكن في محله، وان عقد الامال عليهم بات وهما حقيقيا، فالوطن لايبنى بشعارات انتخابية تضليلية موسمية. فلا شعار “دولة القانون” بنى للعراقيين دولة قانون، ولا شعار “المواطن” جعل المواطن العراقي يشعر بكرامته وإنسانيته، ولا شعار الاحرار أنتج لنا عراقيا حرا ومحترما.
الوطن يبنى ويعمر ويتطور وينهض عندما يبنى المواطن بمشاريع وبرامج حقيقية على أرض الواقع، والوطن يبنى عندما يحترم فيه الاكفاء والنخب والعلماء والمبدعين من ابناءه، والوطن يبنى عندما يقرر الحكام فيه ان يكونوا اخر المستفيدين من خيراته، ولا يتعاملوا معه بمنطق غنيمة حرب.
هل سأل اي مسؤول عراقي -الاسلاميون الشيعة منهم- نفسه، ماهو المسوغ الشرعي والاخلاقي والوطني الذي يجعله يقبل ويبرر لنفسه استلام راتب شهري يبلغ عشرة أضعاف اقدم موظف في الدولة العراقية ؟ هل سأل وزير التربية العراقي السابق نفسه، وكان من حزب الدعوة، كم عدد المدارس ورياض الأطفال التي يحتاجها العراق قد تم تشييدها في عهده؟ وهل سأل وزير الإعمار والاسكان السابق نفسه، وكان من المجلس الاسلامي عن عدد الوحدات السكنية التي شيدت في عهده للفقراء والمسحوقين العراقيين؟ وهل بإمكان رئيس الوزراء السابق ان يتحدث لنا بلغة الأرقام عن عدد المستشفيات التي بنيت في العراق خلال ثمان سنوات من حكمه ،أو عن عددالدورات التأهيلية والتخصصية التي أمر بفتحها في مجالات الأمن الوطني والعلوم العسكرية وفن الادارة والقيادة ؟.
لاشئ من الإنجازات يستحق الذكر. هذا هو الواقع، والدليل على مانقول، هو ان الذين حكموا ومازالوا يحكمون لايتحدثون عن اي إنجاز لهم، بل إن بعضهم يقر بأنهم فشلوا كإسلاميين شيعة في حكم العراق (يمكن الرجوع الى حديث رئيس الوزراء المالكي لقناة آفاق العام الماضي).
الكارثة في العراق لاتتمثل فقط في عدم تركهم بصمة إيجابية على بلدهم بعد رحيلهم او ترحيلهم يمكن يذكروا من خلالها بخير، إنما تتمثل في حجم التشويه البالغ الذي وجهوه لتاريخ ومستقبل الحركة الاسلامية العراقية، والتشيع الأصيل نتيجة إنشغال غالبيتهم بمكاسب انية مؤقتة على حساب مصلحة الوطن والمواطن.
ينبغي ان نقولها بجرأة ووضوح، ان حجم الضرر والفساد الذي لحق بالعراق خلال الأعوام الثلاثة عشر الماضية بلغ حدا بات معه تحقيق شعار الإصلاح المرفوع اليوم من قبل بعض القيادات السياسية الشيعية -و ربما بعضها صادق- أشبه بالتنظير الفارغ من المضمون والمحتوى، مالم تتسلح الأحزاب والقوى السياسية العراقية الشيعية بالشجاعة المطلوبة المنطلقة من الخوف من الله، و الحرص على ماتبقى من العراق فتقرر نقد تجربتها الذاتية و محاسبة الفاسدين فيها دون تمييز بين كبير و صغير في المسؤولية، لأنهم هم من أوصل العراق الى ماهو عليه اليوم من وضع مزري، وبالتالي هم من يتحمل المسؤولية كاملة امام الله والتاريخ، و متى ما تم الحساب والقصاص، آنذاك يمكن الحديث عن التغيير والإصلاح المنشود.