18 ديسمبر، 2024 11:21 م

الحركة الاحتجاجية لسكان مدن جنوب العراق وبغداد /ج2

الحركة الاحتجاجية لسكان مدن جنوب العراق وبغداد /ج2

ايران والحركة الاحتجاجية
كاي امتين متجاورتين تمتلكان تراث حضاري  ، يكون احيانا سببا في التنازع او التنافس   بل وحتى التصادم بالمصالح بينهما ، كما حصل بين المانيا وفرنسا ، وحتى فرنسا وبريطانيا،  تلك هي حال الامة الفارسية والامة العربية  ، ورغم ان الامم الحضارية  سوت من خلافاتها وحولت حالات العداء الى تعاون مثمر يخدم مصالح الطرفين ، الا ان المشكلة ان ايران وباختلاف  الحكومات التي مرت عليها  لم تتوفر عندها يوما نوايا حقيقة للتفاهم مع العرب  وتسوية اي اسباب كامنة  يمكن ان تصعد من هذه  الخلافات الى حد الاحتراب. فعوامل الحقد والثأر من العرب الذي اسقطوا امبراطوريتهم الكسروية في بدايات ظهور الاسلام  ، تلعب  وتحرك النزعات العدوانية عند قادتها  بمختلف اطروحاتهم الايديولوجية ، فمن  يتابع  السياسات الايرانية في التاريخ الحديث سيكتشف ان مواقف الشاه  العلماني  العدوانية ضد العرب  وقبله القاجاريين ، لاتختلف عن مواقف  الحكومة الاسلامية منذ وصول الخميني الى دكة الحكم . القاجاريين رفضوا الاعتراف بالدولة العراقية الحديثة في بداية تاسيسها ، بدعوى ان ايران لا بريطانيا  هي الدولة التي تمتلك الحق  الاكبر في الانتداب على  العراق  . وظلوا يرفضون الاعتراف بالدولة العراقية التي تشكلت في عام 1921 حتى عام 1929 . ويبدو انه تم تسوية الخلاف بين القاجاريين وبريطانيا بسكوت بريطانيا عن احتلال ايران لامارة المحمرة – الاحواز العربية – عام 1925 ، كبديل عن العراق باجمعه.

اذا كان الشاه يعتمد عنجهية القوة ليفرض على العرب اطماعه  القومية في الاراضي العربية فان الخميني ومن تلاه كان اكثر ذكاء باللعب بلعبة الدين والطائفية  لتسويغ الاطماع الايرانية  في الاراضي العربية . حتىليبدو ان  ايات الله هم اكثر  تشددا وتعصبا قوميا من الشاه وان باساليب اخرى ، وتبدت اطماع ما يسمى بالحكومة الاسلامية  التي استخدمت  الدين في السياسة من خلال امتناعها عن اعادة الجزر السعودية التي احتلها الشاه عام 1956 ، جزيرة عريبي واخواتها ، ولا اعادت الجزر الامارتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى  ، ولم تتوقف اطماع ايران في السيطرة على العراق ، فباسم ودعوى تحرير القدس استمرت الحرب العراقية الايرانية  ثماني سنوات والخميني يرفض  المبادرات والدعوات العراقية لوقف الحرب ، تحت شعار ( ان الطريق لتحرير القدس يمر عبر كربلاء ).

كما تبدت الاحقاد الايرانية على العرب والعروبة  من خلال تعامل النظام الجديد  مع القضية الاحوازية ، فبدلا من ان يعطى عرب الاحواز شيئا ، ولو بالحد الادنى ،  من الحقوق القومية لشعب واقع تحت الاحتلال  ، عينت الحكومة الاسلامية  التي تدعي التشيع ، الجنرال مدني حاكما على الاحواز مع توصيات لان يقود حملاته القمعية ضد الشعب العربي الاحوازي ، وقتلهم بالشوارع بالمئات ، مع ان غالبية الاحوازيين  وبنسبة تصل الى اكثر من 80% هم من الشيعة العرب ، اي انهم من نفس المذهب الذي تدعي ايران انها تريد حمايته ونشره . لم تشفع للاحوازيين  انتماءاتهم المذهبية ، ما يؤشر الى تغلب الاتجاهات القومية في سياسة ما يسمى بالحكومة الاسلامية على غيرها من الانتماءات .  ان الدين والمذهب ليسا الا ادوات  لتغطية التوجهات القومية . ما دفع كثير من الشباب الاحوازي حتى العلماني منهم يدعي او يعلن انتسابه للمذاهب السنية كنوع من رد الفعل السلبي ضد ايران وقمعها الشعوبي الحاقد على كل ما هو عربي سنيا او شيعي ، مسلما او مسيحي . واعتقد ان هذا  التوجه يشكل واحدة من اهم الاخطاء  الاستراتيجية للحركة التحررية الاحوازية . بالعكس ان تمسكهم بتشيعهم ولو ظاهريا يعطي الصراع العربي – الفارسي هويته الحقيقية كونه صراع قومي وليس طائفي بالاصل ، وليكشف لبقية الشيعة العرب حقيقة الدعاوى الايرانية الكاذبة التي تتمحور حول  التعصب الطائفي ، فهي تقتل الشيعة العرب في الاحواز لا..  لاختلاف معهم بالمذهب بل  بالهوية القومية ، وهذا ما يمكن ان يحصل لبقية الشيعة العرب ، اذا ما هددوا يوما او واجهو الاطماع الفارسية والحقد الشعوبي الفارسي .

ان ايران تخطط لان تحول الصراع العربي – الفارسي ، من صراع قومي الى صراع طائفي ، وتريد على ما يبدو ان تنقل نفس التكتيك الى الاحواز ليتحارب الاحوازيين ضد بعضهم البعض على اساس طائفي وينسون اصل وطبيعة خلافهم مع ايران ، وينهكون قواهم  ويبددونها في صراعات بينية ما يشكل انتصارا جديدا لايران دون ان تبذل جهدا في القضاء على الحركة التحررية الاحوازية .

لم تتوقف ايران في احقادها الشعوبية عند حد قمع الشعب العربي الاحوازي بل تمادت بخبث  في العمل على تغير  الطبيعة الجغرافية  لانهار الاحواز التي تصب جميعها في شط العرب ونهر دجلة    لفرض العطش والجوع على الاحوازيين . وتهجيرهم من مناطق سكناهم التاريخية وتوطين  بعض من الفرس واكراد ايران في اراضيهم .

امام هذه العنجهية والاستهتار بقيم الاسلام والتشيع ، واستخدام ايران البشع للدين والمذهب  وتحوير اساسياتهما  بما يخدم وينسجم مع الاطماع الايرانية ،لايمتلك العرب  من حل الا بتطوير قواهم  العسكرية وتحقيق التنمية للدول العربية المجاورة وفي مقدمتها العراق ، الا ان  الحقد الشعوبي الايراني التقى مع الاحقاد الشعوبية لحكام الخليج واسرائيل ليتم تدمير  العراق ، حائط الصد المنيع ضد الاطماع الفارسية ،  وتدمير قواه بالاستعانة  بقوى الغرب الغاشمة . فنالت ايران المكافئة الكبرى على تعاونها مع الغرب واسرائيل ،  لتنقلب فيما بعد على حلفائها من الشعوبيين العرب ، الذين فتحوا اراضيهم للقوات الاميركية الغازية مرتين مرة عام 1991 ، ومرة عام 2003 .

 جنت ايران ثمرات  هذا العطاء العربي الكريم الذي قدمته الحكومات العربية مجانا لخدمة ايران .بل كانت هي الرابح الوحيد الذي لم يخسر جندي واحد لتحقيق هذا الانتصار .

الامر الذي يجعل الانسان يشكك بما يعلن من دعاوى في ان دول الخليج   تريد في اعلانها الحرب على اليمن الحد من الاطماع الايرانية في المنطقة العربية ، وهي التي لعبت ادوار حقيقية وفعلية بتقديم العراق لقمة سائغة للاطماع الايرانية .فدول الخليج او التحالف العربي  لم تشن حربها على ايران من اجل تحرير الجزر السعودية المحتلة منذ عام 1956 المحتلة ، او الجزر الاماراتية الثلاث ، ولم تقدم الدعم للقوى العراقية المناهضة للتدخل الايراني في العراق الا بما  يضمن لها ولايران واسرائيل استمرار الصراعات البينية بين ابناء الشعب العراقي . بما يوحي وكأن هناك اتفاق على الحفاظ على امن ايران واسرائيل من خلال الادوار لبعض الحكومات العربية  لدعم الصراعات البينية العربية والتحريض على تاجيج الطائفية في كل البلدان العربية التي تشكل تهديدا على ايران واسرائيل ، لضمان امنهما واستقرارهما . في عملية تبادل ادوار بينها وبين ايران كما يوضح الخبير الاستراتيجي الاسرائيلي في ادناه .

يقول  الاستاذ في جامعة تل ابيب ارون كليمان ، تشكل ايران ” اهمية استراتيجية حيوية لاسرائيل …… عند الاخذ بنظر الاعتبار المنطقة العربية ، من خلال  وضعها ليس العراق فقط بل جميع الاقطار العربية عموما ،في حالة شد وتوتر  شديدين .خاصة مع تلك الاقطار السنية . دول الخليج التي ارتبطت بموضوع الانقسام الاسلامي بين الشيعة والسنة ، خاصة الاقطار السنية ، ما سيبعد اهتمام العرب عن التركيز على اسرائيل .”

( Aaron  S.  Kliman ,Israel’ S Global Reach,p.158 ) 

 يفسر هذا التصور الاسرائيلي لماذا سمحت اميركا لايران بالدخول بحرية الى العراق والهيمنة على كثير من مفاصل الحياة السياسية والمدنية فيه . فوجودها  سيصعد  ويؤجج من الخلافات الطائفية ، ليس في العراق بل بعموم المنطقة العربية ، فتلك وظيفتها في المشروع الصهيوني   الذي كشفته منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982 من خلال احد الصحفيين اليساريين الاسرائليين ، والذي عُرف   ب “استراتيجية اسرائيل لثمانينات وتسعينات القرن العشرين ” والتي تهدف  الى اعادة تقسيم المنطقة العربية الى مجموعة دويلات صغيرة على اساس طائفي او ديني ، لاضعاف الدول العربية القائمة ، ما يضمن امن اسرائيل .

تمددت ايران في العراق من خلال عدة وسائل واساليب :

1: دعمها  للتنظيمات الدينية التابعة لها والتي اسستها لهذا الغرض كالمجلس الاسلامي الاعلى . وتسوية خلافاتها حتى مع التنظيمات الطائفية  التي ترفض فكرة ولاية الفقيه كحزب الدعوة وغيره من التنظيمات الاخرى ، وربط وجود الجميع بمصالحها من خلال ما تقدمه من دعم مالي ومعنوي وحماية  لجميع هذه الفصائل .

2: انتقلت بعد ذلك للخطوة التالية في تجنيس الالاف من الايرانين بالجنسية العراقية وتوطينهم في المحافظات الجنوبية ليشكلوا صمام امان لديمومة نفوذها وتحكمها بمصير العراق  .

3 : العمل على تغير اساسيات التشيع العربي الى ما يتناسب مع مصالحها القومية . مستفيدة بذلك من مرجعية ما زالت رغم  تواجدها في العراق لاكثر من 50 عاما ترفض التجنس بالجنسية العراقية وتعلن بلا تردد تمسكها بجنسيتها الايرانية.

4: تشكيل دورات تثقيفية لرجال الدين الجدد لتعليمهم  وتدريبهم على كيفية التاثير بالشيعة العرب لابعادهم عن التشيع العربي الذي يعتمد اساسيات الدين الاسلامي الى نوع من التشيع الذي لاصلة له  بالدين ، والترويج للخرافات وتزوير سيرة الائمة الاثنى عشر ونسبت احاديث كاذبة لهم ، والترويج للخرافات والمعجزات  الخارقة  التي لم يدعيها الائمة يوما لانفسهم ولا قالوا بها . فلم يبقى من التشيع العربي غير مجموعة من الممارسات والطقوس الغريبة ، كاللطم والتطبير ، وزيارة قبور الائمة ، باعتبارها مدخلا ومفتاحا  لنيل رضى الخالق والوصول الى الجنة . فاسس ال الحكيم مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ . التي تدرب وتعلم رجال الدين الجدد اساسيات الدين الايراني الجديد .

5 :العمل على ربط السوق والاقتصاد العراقي  بالسوق والاقتصاد الايراني ومنع تاسيس او اعادة تاسيس اي صناعات  مهما كانت بدائية وبسيطة ، كتصنيع وتعليب المواد الغذائية . فكانت الزراعة هي  الهدف الاخر للتخريب الايراني ، فاختفت المنتجات الزراعية العراقية او انها  تعاني من الشحة وارتفاع الاسعار مقابل  المنتجات الزراعية الايرانية التي تملا اسواق بغداد ومدن الجنوب . وعملت على ان يكون التومان الايراني عملة للتداول في مدن الجنوب العراقي ، وغير ذلك من الممارسات الهادفة لمنع العراق من استعادة عافيته كدولة مستقلة .

رافق كل هذه الخطوات تعاون ايران مع  اسرائيل في عمليات قتل العلماء والخبراء العراقيين لاجبار من ينجو منهم لمغادرة العراق الى بلدان المهجر .

ان اي نزعة لرفض هذه الممارسات عند اي من الشيعة العرب تقمع بشدة ، يصل احيانا الى حد القتل او التهديد بالقتل لمن يرفض النفوذ الايراني او يبدي اي اعتراض على ذلك حتى بالكلام .

جاءت الحركة الاحتجاجية لابناء الجنوب وبغداد تهديدا للنفوذ والهيمنة الايرانية ، واسقاطا للمشروع الطائفي بعدما اعتقدت ايران  وعملائها انهم نجحوا بذلك . لن تتردد ايران من خلال عملائها بالعراق   لبذل كل جهودها لقمع هذه الاحتجاجات وانهائها او القضاء عليها .

من خلال متابعة ردات فعل  الجماعات الطائفية المتسلطة على الحكم في بغداد واستقراء  تاريخ سلوكياتها خلال ما يقارب من الثلاثة عشر عاما ، فان السيناريو الذي نتصوره ، سيكون كما يلي :

سيقوم جماعة الحكيم بتنفيذ مجموعة من التفجيرات الكبيرة في مدن الجنوب والمناطق الشيعية في بغداد لقتل اعداد كبيرة من الشيعية ، واعتقد ان كربلاء والنجف هي اكثر المدن المرشحة لهذه التفجيرات ، ونسبتها لداعش  ، ولا يستبعد تجنيد شخص او شخصين للاعتراف علنا بانهم من قام بهذه التفجيرات  تنفيذالتعليمات التي تلقوها من قيادة داعش . تضغط بعدها ايران على المرجعية الرشيدة للسستاني ليصدر فتوى بوقف المظاهرات وتوحيد الصفوف وتوجيه كل الجهود للخلاص مع داعش . تقوم بعدها  العصابات الطائفية  باسم قوات الامن والجيش والشرطة بقمع المتظاهرين بشدة باعتبار انهم  خارجين على الدين وتعليمات المرجعية الرشيدة .

ما يجعلنا نقول بهذا السيناريو عدة عوامل ، منها تصريحات عمار الحكيم  الاخيرة لقناة العراقية عن كون داعش تريد التخفيف من الضغط عليها فصنعت هذه الاحتجاجات ، وانها ارسلت المفخخات والمتفجرات لاستخدامها في بعض مدن الجنوب . وال الحكيم لهم تاريخ عريق بهذه اللعبة ، هذا اولا .

ومايجري الان من تركيز على استخدام مصطلح المرجعية الرشيدة ، باعتبارها الاكثر عقلانية ورشدا من كل الشعب العراقي ، ثانيا . والمقدمات التي سمعنا بها بالامس عن طلب المرجعية الرشيدة هذه من العبادي ان يسرع بالاصلاحات التي وعد بها . وسيقول العبادي باصدار بعض القرارات التي  ستبقى حبرا على ورق . فليس المطلوب من العبادي او غيره ممن سبقوه ( علاوي ، الجعفري ، المالكي ) العمل على اعادة بناء العراق او اجراء اي تصحيحات فعلية في الادارة  او الخدمات ، بقدر ما ان واجبهم هو الاستمرار بتنفيذ المشروع الاميركي – الصهيوني – الايراني الرامي لانهاء العراق وتقسيمه .ومن يتلكأ في تنفيذ مسارات هذا المشروع ولو بخطوة  ، سيتم ازاحته حتى لو انتخبه   الشعب العراقي بالاجماع . فلا العبادي ولا من سبقه مسموح لهم تبليط ولو عشرة امتار لاحد شوارع بغداد او المدن الاخرى ، او ان يبني مدرسة او مستشفى ، ان وظيفتهم ان يسرقوا اموال العراق وينهبوا خيراته ، ويدمروا ويقتلوا لا ان يبنوا او يعمروا .

كي يكتمل السيناريو المعد  ، يتم الان  الاعداد لتهيأة  اكباش فداء مثل المالكي و بهاء الاعرجي ، وكأن جميع الاخرين كانوا مخلصين امناء لم يشاركوا في قتل ابناء الشعب العراقي ، والتعامل مع القوى الاجنبية لتدمير العراق وانهاك وتبديد قواه ، ولم يشاركوا بعمليات نهب اموال الشعب وثروات 

لذلك يتمنى المرء ان ينتبه الشعب العراقي  والشباب المحتجين الى طبيعة المؤامرة على انتفاضتهم هذه ، ويمنعوا المندسين ممن يرفع الشعارات التي تروج لهذه المؤامرة او السيناريو . فالمرجعية الرشيدة كانت قد اتهمت الشعب العراقي عام 2004 بالاسراف باستخدام الكهرباء ( التي لم تكن موجودة اصلا )  واصدرت توصيتها بضرورة الامتناع عن هذا الاسراف . وعندما كان بريمر يسمح بدخول عملاء ايران وعناصر مخابراتها ويتهم الدول العربية المجاورة للعراق خاصة سوريا بارسال الارهابيين ، اصدرت المرجعية تعليماتها بضرورة ضبط الحدود ومنع تسلل المخربين . فالمرجعية الرشيدة كانت عبر تاريخها رشيدة بخطواتها في خدمة اعداء العراق .