7 أبريل، 2024 1:14 ص
Search
Close this search box.

الحركات المهدوية

Facebook
Twitter
LinkedIn

انشغلت هذه الأيام بمتابعة ما كُتب عن الجماعات “المهدوية” التي ظهرت في العراق ما بعد 2003، وادهشتني قدرة الأفكار التي تُرَوِّج لها هذه الجماعات على تحشيد الناس والانتشار بينهم، بين أكاديميين وطلبة علوم دينية بمستوى لا باس به من الوعي والقدرة على التحليل والجدل. اتباع قاضي السماء مثلاً، كانوا من شرائح مختلفة، وكان فيهم المهندس والطبيب والأكاديمي والتدريسي، وقاتل معظمهم في حادثة قرية الزركة بشجاعة مثيرة لاستغراب الكثيرين، كانوا يدافعون عن يقين، وكان لديهم بالتأكيد مبررات هذا اليقين.

أتباع اليماني مثال آخر، لا يقلّون تمسُّكاً بعقيدتهم أو وعياً بها، وقد تابعت حواراً بينهم وبين رجل دين شيعي، وادهشتني طريقة عرضهم للحجج التي يقدمونها، وجدتهم يؤمنون بشكل قاطع بأن أحمد بن الحسن هو ابن الإمام المهدي المنتظر عند الشيعة، وأنه مبعوث من قِبَله ومُكَلَّف بالتمهيد إليه.

عقيدة أتباع قاضي السماء وعقيدة أتباع اليماني تثيران سخرية عامة الشيعة الاثني عشرية ـ فضلا عن غيرهم ـ فهم ينظرون إلى أمثال هذه العقائد بتعال، معتقدين بأن المؤمنين بها واهِمُون أو مُغَرَّرٌ بهم، لكن ألم تكن جميع العقائد مثار سخرية أغلب المعاصرين لها؟ ألم يتعال الناس على الأنبياء ويستصغروا قدرهم؟ ألم يستغربوا من ادعائهم بأن الله اصطفاهم دوناً عن غيرهم وكلَّمهم وكلَّفهم برسالة يحملونها إلى الخلق ويشرفون على تطبيقها؟

استهجان الشيعة لعقيدة أتباع اليماني فعل مستهجن، ذلك أن الأصل واحد في العقيدتين، والاعتقاد بوجود ابن للإمام المهدي لا يقل غرابة عن الاعتقاد بوجود الإمام نفسه. الأمر الذي يدفعني إلى القول بأن ليست هناك عقيدة دنيا وأخرى عليا، ولا عقيدة معقولة وأخرى ليست كذلك، فكل العقائد معقولة عند المؤمنين بها، وليست كذلك عند غيرهم، كلها مقدسة عند أهلها ومدنسة عند سواهم، وما دامت العقيدة حبيسة عقول المُعتَقدين بها ولم تتحول إلى سلوك يقمع الآخر أو يسلب حياته، فهي محترمة.

كاد أتباع أحمد بن الحسن اليماني أن يثيروا سخريتي بسبب سهولة اقتناعهم أن صاحبهم مُقَدَّس، وذلك بسبب قناعتي أن زمن ظهور المقدسين قد انتهى، لكن سرعان ما استدركت، وتذكرت بأن التقديس شأن داخلي يجب احترامه، وأن لا سبيل إلى التمييز بين عقيدة وأخرى، ولو قبلنا بالتمييز لأي سبب كان فسنكون جميعاً ضحاياه، وهذه داعش وهذه جرائمها الوحشية لم تزل توغل بدمائنا.

في النهاية، هذه دعوة إلى التواضع أصدقائي، وعدم التعالي على الآخرين بسبب عقائدهم، السلوك الناتج عن العقيدة وحده يكون حسناً وسيئاً، لكن العقيدة مجردة عن كل فعل كيف يمكن لها أن تكون كذلك؟
نقلا عن العالم الجديد

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب